في شمال ولاية الجلفة، وضمن تقاليد بلديتي “عين افقة” و«حدّ الصحاري”، حيث إحدى عروش السحاري، تستمر مبادرة تجسيد روح التعاون والفرح. وتعدّ عادة “حنّة العريس” من أبرز الأمثلة على هذه التقاليد، حيث تعكس بوضوح التكافل الاجتماعي من خلال لمسة عصرية تعزّز الروابط بين الأجيال.
في مساء “حنّة العريس”، يتجمّع الأصدقاء والأقارب حول العريس في احتفالية تعكس روح التعاون والتضامن. تعود أصول هذه العادة إلى “عرس البغل”، كما كانت تسمى قديما، لكنها تحتفل اليوم تحت مسمى “التاوسة”. خلال الاحتفال، توضع الحنّة في يد العريس وتربط بقطع قماش، في رمز للتقاليد المتوارثة بين الأجيال.
تجمع هذه الاحتفالية أصدقاء العريس لتقديم الدعم المالي له، بغضّ النظر عن حالته المادية.
مبالغ تجاوزت التوقّعات
يوضح محمد الصغير برحماني، وهو أحد شباب بلدية عين افقة، في حديثه لـ “الشعب” أنّ المبالغ المجمّعة تتراوح بين 20 مليون و300 مليون سنتيم، مؤكّدا على أنّ هذه العادة تتجاوز كونها مجرد حاجة مادية لكونها عادة متوارثة تتعلق بالتضامن الاجتماعي.
في الأعراس الحديثة، تتجاوز المبالغ المجمعة كلّ التوقّعات. حيث يروي محمد قائلا في عرس حضرته مؤخرًا، تم جمع 760 مليون سنتيم! ما يميّز هذا التقليد هو أنّ العريس يرد الجميل بزيادة المبلغ في عرس الشخص الذي تبرع له، ممّا يعزّز روح التعاون المستمرة بين الأصدقاء”. كمثال، يذكر محمد أنّه تبرع بمليون سنتيم لأحد أصدقائه، وعندما جاء دوره في الزواج، تبرع له نفس الصديق بـ 15.000 دج، مضيفا 5.000 دج على المبلغ الذي الأول.
وأصبح الشباب اليوم يدوّنون أسماء أصدقائهم من الحضور والمبالغ المالية التي قدّموها، بحيث يمكنهم زيادة هذه المبالغ في أعراسهم المقبلة. هذه الممارسة تعزّز من روح التنافس الإيجابي وتضمن أن يسعى الجميع لتقديم الدعم الأمثل.
خمار الأم .. تقليد وبركة
إحدى العادات الجميلة التي لا تزال قائمة هي وضع خمار والدة العريس في طبق وسط القاعة، حيث يضع الحاضرون المال دون إعلان المبالغ. بعد جمع المال، يخصّص مبلغ بسيط منه لأم العريس ويسمى “الباروك”، ويعقد في طرف الخمار ويهدى للأم كرمز للبركة. هذه اللفتة تعبر عن الاحترام العميق لدور الأسرة في حياة العريس.
إلى جانب جمع الأموال، يساهم البعض بهدايا قيمة كأن يقدّم أحدهم خروفا والٱخر نعجة وبعضهم أجهزة منزلية وغيرها من الهدايا.
كما تقام الولائم التي تشمل أطباقا تقليدية مختلفة، مثل الرفيس والشخشوخة إضافة إلى اللحم المشوي والقهوة والشاي وغيرها، ويجتمع حولها الضيوف الذين يتراوح عددهم بين 300 و400 شخص من مختلف الأعمار، كما يستمتع الجميع بأجواء الاحتفال التي تشمل الموسيقى والفن النايلي.
تقليد يتوارثه الأجيال
يختتم محمد حديثه بالتأكيد على أنّ “حنّة العريس” ليست مجرّد تقليد، بل هي تجسيد للروح المجتمعية التي تربط بين الأجيال. حيث تساهم هذه العادة في تغطية تكاليف الزفاف وتوفير متعة وفرح حقيقيين، وهي تعزيز للروابط الإجتماعية.
ويتطلّع محمد الصغير إلى استمرار هذه العادات في المستقبل، مبرزا أنّ “التاوسة” ليست مجرد وسيلة لجمع الأموال، بل رمز للتعاون المجتمعي. ومع زيادة المبالغ والتطوّر المالي، تظلّ “حنّة العريس” علامة فارقة تجمع بين الماضي والحاضر بأسلوب يعكس قيمة التكاتف بين الأجيال.