طباعة هذه الصفحة

تجمع بين الطبيعة الخلاّبة والآثار الراقية

لو نطق الجمالُ لأنشد.. يوكوس..

تبسة: عليان سمية

مغارة بوعـكوس.. سحر التاريـخ يـعانق طموح المسـتـقبـل

تعتبر المنطقة السياحية “يوكوس” في تبسة المعروفة قديما بـ«المياه القيصرية” من بين الوجهات السياحية البديعة في الجزائر، فهي لوحة ربانية تجمع بين الجمال الطبيعي الخلاّب، وتنوّع المعالم الأثرية التي تجذب الزوار من داخل البلاد وخارجها.. تقع “يوكوس” في منطقة جبلية تتميّز بمناظرها الساحرة وجوّها العليل ومياهها العذبة النقية، وتعد منطقة مثالية للمغامرين ومحبّي الطبيعة.

يوكوس.. قرية قديمة في بلدية الحمامات بولاية تبسة، تقع على بعد 18 كلم غرب تبسة، وهي من المعالم الطبيعية المهمة التي تتميّز بها الولاية، هذا الموقع الذي يمتد على مساحة 22 هكتارا منها 1.9 هكتار تحتضن المركزين الريفيين “رأس السور” و«المدة” اللذين يشكّلان القرية العتيقة المبنية بالحجارة، حيث يشرف هذا الموقع الذي صنّف قبل عام، على منطقة للتوسّع السياحي بجبل “الغابة”، ويقطعه “وادي بوعكوس” الشهير الذي عثر ضمنه على آثار حمام روماني تعود إلى القرن الأول بعد الميلاد، تؤكّد مرور الرومان بهذه الجهة.

كهف بوعكوس.. عمق يتعالى..

بالإضافة إلى المنابع المائية، تضمّ “يوكوس” مجموعة من المغارات المثيرة التي تعتبر جزءًا من المسار السياحي الطبيعي في المنطقة، حيث تتميّز هذه المغارات بتشكيلاتها الجيولوجية الفريدة والتي تروق لعشّاق علم الجيولوجيا والتاريخ الطبيعي.
هذا الموقع يوجد في قلب القرية القديمة التي يعبرها وادي بوعكوس، حيث اكتشف كهف بوعكوس عام 1882 على يد علماء آثار فرنسيين حاولوا يائسين تحديد عمقه الذي يبقى غير معروف إلى اليوم.
المغارة تضم بقايا كثيرة لفترة ما قبل التاريخ، على غرار صوانات مصقولة ومواد فخارية، كما أنّ جدران أحد الملاجئ تحوي نقوشا صخرية تصوّر حيوانات مفترسة مثل الأسود والنمور فضلا عن الغزلان وغيرها.. وهو ما يشهد على أنّ المنطقة كانت تعيش بها حيوانات، وتعد تبسة أو تيفاست وهي تسميتها الرومانية، إحدى أقدم المدن التي نشأت في شمال إفريقيا، وتحتضن وحدها أزيد من 50 بالمائة من المواقع الأثرية التي تم جردها بالجزائر، غير أنّها مهملة ولا تلقى العناية اللازمة، ممّا يجعلها عرضة للاندثار والاختفاء مع مرور الزمن، رغم أهميتها التاريخية والاقتصادية.

المياه.. عذوبة وصفاء.. وعلاج

«اكس” أو كما يفضّل السكان تسميتها القديمة “يوكوس”، معروفة بغناها بالمياه المعدنية وجمالها الطبيعي، حيث تعد من المناطق السياحية بالولاية، وتعتبر من أقدم المناطق المعروفة بتبسة، تتميز بمياهها الطبيعية الباردة في فصل الصيف والدافئة شتاء بالمنطقة التي تسمى عند سكانها بـ “اكس الفوقانية” لتواجدها في مكان عال، فهي في قمة الجبل تصل إليها عبر طرق التوائية في الجبال وبين الغابات يكثر فيها الرمان والعنب والتين والبرتقال وأشجار التوت، وإنتاج العسل، وهو أجود منتج على مستوى الشرق، تتميز بتناسق معمارها ونظافة أحيائها، ما أهّلها لأن تكون أحسن بلدية على مستوى الولاية، حيث تعتبر المتنفّس لسكانها لكثافة أشجارها ونقاء هوائها.
من بين أبرز سمات “يوكوس”، غناها بالمنابع المائية العذبة التي تمثل مصدر جذب رئيسي للسياح الذين يبحثون عن الهدوء والاسترخاء.. تنتشر هذه المنابع عبر المنطقة، ممّا يضيف لمسة من الطبيعة الخلابة ويوفر فرصًا للاستمتاع بنقاء المياه العذبة وخصائصها العلاجية المفيدة للجهاز الهضمي، حيث تشكّل هذه المياه المتدفقة في فترة تساقط الأمطار شلالات تبهر بسحرها وجمالها الزوار..
 كما توفر منابع “يوكوس” بيئة آمنة ومريحة للأطفال، ممّا يسمح للعائلات بالاستمتاع بأوقاتهم دون أيّ مخاوف، مع توفر المساحات المفتوحة والمناطق المظللة للجلوس والاسترخاء، حيث تعد هذه الأماكن مثالية أيضا لتناول الطعام في الهواء الطلق والقيام بنشاطات ترفيهية متنوّعة، ممّا يجعلها وجهة مفضلة للأسر التي تبحث عن تجربة سياحية مميّزة ومريحة في فصل الصيف، بالإضافة إلى ذلك، تُعد المنابع وسيلة طبيعية رائعة لتخفيف الحرارة خلال أشهر الصيف، ممّا يجعلها خيارًا مثاليًا للهروب من روتين الحياة اليومية والاستمتاع بجوّ منعش ومفعم بالطاقة إلى جانب أفراد العائلة والأصدقاء.

”أكْس” المياه القيصريـة.. هـبـة ربـــانـية

يقول الدكتور عمر دقايشية أستاذ علم الجيولوجيا في جامعة الشيخ العربي التبسي بتبسة، ومتخصّص في التكنولوجيا الحديثة للإعلام والاتصال، إنّ “أُكْس أو الحمامات حاليا، والتي تقع على مسافة 18 كلم غرب عاصمة الولاية مدينة تبسة، تتسم بتضاريس جغرافية متباينة، بين جبال: المستيري، السطح، قارة الميزوني، وسهل ممتد.. حيث تتمركز جلّ المباني والتوسّعات العمرانية الحديثة وأودية متقطعة الجريان، أشهرها واد بوعكوس. هذا التمازج الجغرافي جعل من أكس “الحمامات” لوحة فنية طبيعة ذات سحر خلاّب وتميّز في منطقة الأطلس الصحراوي الشرقي.
ويقول المتحدّث إنّ أُكْس “الحمامات” اشتق اسمها من Ad Aquas Caesaris وقد وجدت هذه التسمية منقوشة في حجارة كلسية تعود إلى العهد الروماني وتعني “المياه القيصرية”، وإن دلّ ذلك على شيء، فإنّما يدلّ على التاريخ المتجذر لأُكْس “الحمامات” وكونها نقطة استقطاب عبر العصور، وقال: “حتى نصل إلى أُكْس الفوقانية والتي تتخذ مكانا لها في أعالي جنوب بلدية الحمامات على مسيرة حوالي 4 كلم، يمكننا السير موازاة لواد متعرّج واد بوعكوس يسمع خريره خلال الأشهر المطيرة، يشقّ جبالا نحتتها الرياح وصقلتها الأمطار وتنفجر منها ينابيع وعيون كعين الحمام وعين دقاش لتشكّل لوحة فنية ملهمة”.
وحسب الباحث، يعود تاريخ نشأة هذه الجبال إلى العصر الجيولوجي الطباشيري والمستحاثات المحفوظة بشكل مبهر التي تؤكّد ذلك. ويزيد جمال واد بوعكوس عبق رائحة إكليل الجبل الذي يزين منحدرات الجبال وسفوحها، حيث يرعى من رحيقه نحل المنطقة الذي يدرّ عسلا طيبا مختلفا ألوانه وأذواقه، ويشدّ سمعك أثناء المسير وكبشرى للاقتراب من أُكْس “الفوقانية” سمفونيات في غاية الإبداع لطيور متنوّعة تزخر بهم غابات التين والرمان والتفاح والعنب التي استخدمها السكان كمورد رزق.
كما نشير - يقول محدّثنا - إلى أنّ واد بوعكوس ينفجر من فوهة مغارة تحمل اسمه “مغارة بوعكوس”، تم استكشافها من طرف فرق بحث متعدّدة أجنبية ومحلية، حيث تحتوي هذه المغارة بداخلها على صواعد وهوابط كلسية وفي آخر غرفة لها في أعماقها يتجلّى نهر جوفي بمياه عذبة شديدة الصفاء يمتد على مسافات معتبرة.
إنّ هذه المنحة الربانية الطبيعية التي حبا الله بها بلدية أُكْس “الحمامات”، تجعلها قبلة سياحية منفردة، حيث أنّ تهيئة أُكْس “الفوقانية” بطريقة علمية تضمن حفاظ المنطقة على موروثها الإنساني وطابعها العمراني وغاباتها وينابيعها، ستجعلها حتما منتجعا سياحيا بامتياز، يقول دقايشية، مشيرا إلى أنّ الاستثمار الفلاحي في أكس “الحمامات” يجب أن يرتكز على الزراعات التي اعتمدها أجدادنا والتي أعطت أكلها، كزراعة التين، العنب، الرمان واللوز. وفي سياق حديثه، دعا المتحدّث الجهات المخوّل لها تنمية السياحة والزراعة والموارد المائية القيام ببرنامج استثنائي لتثمين خيرات هذه المنطقة وإخراجها من الظلّ لفتح فرص العمل للشباب خاصة وإخراجه من براثن البطالة.

قطب سياحي متميّز.. يتأهّب..

 وفي إطار تهيئة منطقة يوكوس وجعلها قطبا سياحيا متميّزا بالنظر إلى المقوّمات الطبيعية والأثرية التي تحوز عليها المنطقة والتي تنقصها بشكل ملحوظ عمليات تهيئة واسعة تشمل كافة المرافق، تقول مديرة السياحة والصناعات التقليدية بتبسة، أمينة بلغيث، إنّ دراسة تهيئة القرية القديمة يوكوس منتهية بنسبة 100 بالمائة، في انتظار رفع التجميد عن عملية الإنجاز التي رصد لها مبلغ مالي معتبر، سنقوم من خلاله بإعادة الاعتبار لتلك المنطقة وجعلها متنفّسا للعائلات التبسية.
وتضيف المديرة أنّ القرية القديمة يوكوس تعتبر ضمن المسار الطبيعي السياحي للولاية، وهي مقصد للزوار من كلّ بلديات تبسة، حيث تجسّد فيها السياحة الجبلية، كما توجد بالقرية منطقة أثرية ضمن هذا المسار بحسب الخريطة السياحية المتواجدة لدى القطاع، مشيرة إلى أنّه فور رفع التجميد ستشرع مديرية السياحة والصناعات التقليدية بتجسيد المشروع واستكمال الإجراءات مباشرة، على غرار مشروع “مخيّمات صفصاف الوسرى” والتي ستضفي حركية بتلك المنطقة لما للمشروع من أثر إيجابي وحيوي وجعله متنفّسا للعائلات والشباب.
وأضافت محدّثتنا أنّ مديرية السياحة تعمل فور رفع التجميد، على إضافة كلّ المرافق التي تهم السائح والزائر بمنطقة يوكوس القديمة، حيث من المبرمج استحداث نقاط استراحة وفضاءات ألعاب ومطاعم وكلّ المرافق الضرورية لتلبية حاجيات السائح المحلي والسائح الأجنبي، وكذا ترميم وجهات المنازل وتهيئة الطريق المؤدّية إلى القرية القديمة.
وأشارت محدّثتنا إلى أنّ عملية إعادة الاعتبار لمنطقة يوكوس القديمة، جاءت تنفيذا لمطلب سكان المنطقة وكلّ سكان تبسة، وهو أيضا تجسيد لرؤية القطاع على اعتبار أنّها منطقة سياحية بامتياز، حيث تعرف توافد مئات العائلات خاصة خلال فصلي الربيع والصيف، لتكون مقصدا سياحيا من أجل الاستمتاع بمناظر الطبيعة وبالهواء النقي والمياه العذبة التي تشتهر بها المنطقة.

وأكّدت مديرة السياحة أنّ السلطات المحلية للولاية، أعطت الأهمية البالغة لتجسيد هذا المشروع وعملت على اقتراح رفع التجميد عن المشروع للوزارات المعنية، حرصا على إعادة الاعتبار لهذه المنطقة الطبيعية الأثرية والسياحية المتميّزة، والتي تستحق - حسب بلغيث - أن تكون وجهة سياحية تضفي حركية وديناميكية تجارية لمداخيل البلدية.
وقالت في ختام حديثها: “ندرك جيدا كمسؤولين عن قطاع السياحة والصناعات التقليدية بتبسة أنّ مشروع إعادة الاعتبار للمنطقة القديمة يوكوس، هو مشروع استراتيجي سيكون له أثر مالي وتنموي كبير على المنطقة، بعد رفع التجميد وتجسيده سيسلّم مباشرة لمصالح البلدية حتى تتكفّل بمتابعته”.
 وأضافت: “تتمتع المنطقة السياحية يوكوس بمنابع ماء صافية تعدّ جزءًا أساسيًا من جاذبيتها الطبيعية، هذه المنابع ليست فقط مصدرًا للمياه النقية والصحية، بل تشكّل أيضًا مركزًا لجذب العائلات والزوار، فلا يمكن إنكار أنّ يوكوس تمثل وجهة سياحية متكاملة تجمع بين جمال الطبيعة الخلاّبة وتنوّع المعالم الطبيعية كالمنابع والمغارات، ممّا يجعلها مقصدًا مثاليًا للزوار الذين يتطلّعون للاستمتاع بتجربة سياحية فريدة في المنطقة في انتظار التفاتة فعلية من السلطات لتهيئتها”.