طباعة هذه الصفحة

تلقين المناسك وتعظيمها في مأدبة الحجّ..

أفـراح وزغاريـد في حفـل توديع الحجــّاج بالبليــدة

أحمد حفاف

ما زالت تركيبات المجتمع بولاية البليدة تُعظّم شعيرة الحجّ، باعتباره الركن الخامس للإسلام والذي فرضه الله عزّ وجلّ على من يستطيع، أيّ الشخص الميسور الحال الذي يملك التكلفة المالية، فضلا عن مقدرته الجسدية لمجابهة عناء السفر وتأدية مناسك هاته الفريضة.

يظهر هذا السلوك جليا لما تُطلق النساء العنان للزغاريد احتفالا بفوز أحد أقاربهنّ في القرعة لاختيار سفراء الجزائر إلى مكة، وقبل السفر إلى البقاع المقدسة يجتمع الشخص الذي سيحج بأقربائه وجيرانه ومعارفه في مأدبة عشاء، فيكون عريس الحفل أين يبدأ تعظيم الشعيرة قبل الشروع في تأديتها بالمكان المخصص لها، فهذا الحفل دلالة واضحة على رغبة الجميع وأملهم في أن يحالفهم الحظ مستقبلا كي يصبحوا حُجاجا أيضا.
حول هذا الاحتفال تقول سعاد زفوني المختصة في التراث:« قبل أن نتحدث عن كيفية توديع الشخص الذي سيحج إلى بيت الله، فمن عادات منطقتنا أن يشتري كل من يتأهب لتأدية الحج ملابس بيضاء وكل المستلزمات الأخرى مثل المنشفات لابد أن تكون بيضاء”، قبل أن تستحضر مشهدا ميز البليدة في الماضي: “ كما تعلمون فإن البليدة كانت رائدة في صناعة الجلود والأحذية من قبل الحرفيين، وقبل موعد السفر كان الحجاج يشترون حقائب صغيرة من الجلد يستخدمونها لوضع كل وثائقهم مثل جواز السفر”.
ومن عادات المنطقة أيضا - تقول زفاني- أن تكون مأدبة العشاء التي يُقيمها الشخص الذي سيحج من “النعمة” في إشارة إلى طبق من العجين، وخصت ذات الناشطة الجمعوية بالذكر الأكلتين التقليديتين المشهورتين في المنطقة “ الرشتا” بالدجاج، أو الكسكسي باللحم، وفي هذه المناسبة يحرص من حظي بشرف زيارة بيت الله الحرام على مسامحة من تخاصم معهم والتصالح معهم، كما يحرص أيضا على تسديد ديونه-أوضحت تقول.
 وقالت زفوني إن مأدبة العشاء التقليدي غالبا ما تقام ليلة السفر، وقبل ذلك يكون الحاج قد حضر نفسه جيدا، ويأخذ ضمن أغراضه بعض الحلويات يٌقدمها له بعض أقاربه أو جيرانه كهدايا، كما يحتاط هو الآخر ويأخذ معه كل ما يحتاجه من وسائل النظافة والعطور ليتطيب بها ويتجمل لله، فضلا عن الأغذية التي يمكن تخزينها مثل التمور أو الفواكه المجففة.
 ومن العادات التي كانت تُميز توديع الحجاج في البليدة واندثرت تقول زفوني التي تشغل موظفة بمؤسسة الفنون لولاية البليدة: “في السابق كان طلبة الزوايا والمدارس القرآنية يسهرون وهم يقرأون القرآن، فضلا عن شروحات يتلقاها الشخص الذي سيحج من قبل من سبقه في تأدية هذه الفريضة ومن فقهه الله في الدين، لكن مع الأسف لقد اعتبر بعضهم ترتيل القرآن بدعة، ولم يبق لهاته العادة أثرا منذ توقفها في فترة التسعينيات”.
في وقتنا الحالي لم تعد الأحياء العتيقة مثل “الجون” و«الدويرات” تفتقد لهؤلاء “الطلبة” بـ(ضم الواو) الذين كانوا يرتلون القرآن ثم يحصلون على مكافأة مالية تشجيعا لهم على حفظه وتلاوته وتعلم أحكامه..