طباعة هذه الصفحة

المهارات الإرشاديـة

دعامة أساسية لبناء مجتمع سويّ

مسعودة براهمية

 خرج الملتقى الوطني حول “المهارات الإرشادية – التكوين والممارسة”، بمخرجات هامة، تواكب التطورات المستمرة في قطاع الإرشاد والتوجيه، سواء من خلال توصيات عملية قابلة للتنفيذ أومن خلال استشراف آفاق جديدة لممارسات أكثر فاعلية.

أجمع المشاركون على ضرورة وضع استراتيجية وطنية متكاملة للإرشاد، ترتكز على التعاون بين مختلف المؤسسات لضمان استدامة هذه الجهود وتحقيق تأثير واسع يشمل جميع المجالات، بما فيها التربية، الصحة، التعليم، التكوين المهني، بما يضمن وصول الخدمات إلى كافة الفئات والمستويات.
كما شكّل الحدث الذي نظّمه مخبر “التربية والتطور – فرقة البحث التعليم والتكوين” بحر الأسبوع الماضي بالتنسيق مع قسم علوم التربية على مستوى مكتبة العلوم الاجتماعية بجامعة وهران 2، فرصة لتبادل الخبرات واستعراض أفضل الاستراتيجيات المعتمدة، ممّا يسهم في إثراء المعرفة وتعزيز آليات العمل الإرشادي.
وعرف الملتقى مشاركة نوعية من باحثين أكاديميين وممارسين حضوريا وعن بعد من مختلف الجامعات الجزائرية، أبرزها جامعة تلمسان وجامعة وهران، إلى جانب ممثلين عن قطاعات التربية، التعليم العالي، والتكوين والتعليم المهنيين.
شملت هذه المداخلات أبرز القضايا والتحديات المرتبطة بمهنة الإرشاد والتوجيه، ولعل أهمها مهارات الاستماع والإنصات في الإرشاد النفسي، إضافة إلى برمجة مواضيع إرشادية موجهة لأسر الأطفال المصابين بطيف التوحد، ما يعكس تنوعا في المحاور المطروحة وأهمية تلبية احتياجات مختلف الفئات المستفيدة.
كما ناقشت الجلسات جودة مخرجات التعليم العالي في مجالي الإرشاد المدرسي والمهني، إلى جانب دراسة تناولت ظاهرة “الإدمان الإلكتروني وتحوله إلى التعلم الإلكتروني”، فضلا عن مواضيع أخرى ذات أهمية، تناولتها الجلسات بالتحليل العميق، بهدف تطوير منظومة الإرشاد والتوجيه، والاستفادة من أحدث الأبحاث والتجارب العلمية في هذا المجال.
وشملت المساهمات الأخرى عرضا حول مرافقة المتكون قبل وأثناء وبعد التعليم المهني، قدمه المستشار الرئيسي ماموني محمد، بالإضافة إلى برامج إرشادية تهدف إلى التخفيف من الضغط النفسي على أولياء الأطفال ذوي الإعاقة العقلية.
وتركزت النقاشات على تعزيز كفاءة المختصين والارتقاء بجودة الخدمات الإرشادية، عبر محاور رئيسية: الإرشاد النفسي، التربوي، الاجتماعي، والمهني، نظرا لأهميتها في تلبية احتياجات المجتمع.

الإرشاد والتّوجيه..موضوع ملح

 أكّد عميد كلية العلوم الاجتماعية بجامعة وهران 2، بوزيدي الهواري، أنّ هذا الملتقى يشكل فضاءً علميا متعدد التخصصات، إذ يضم مشاركين من مجالات علم النفس، الأرطفونيا، علوم التربية، الإعلام الآلي، الفلسفة، والأدب”.
وأضاف بوزيدي في تصريح لـ “الشعب”، أنّ “الطابع البيني لهذا الحدث يتيح تداخل الرؤى الأكاديمية المختلفة، مما يسهم في معالجة القضايا الراهنة بمنهج شامل يعزز التكامل المعرفي”.
وأوضح البروفيسور بوزيدي، أنّ “الحاجة الملحة لتنظيم مثل هذه الفعاليات، تفرضها طبيعة الموضوع المطروح، والذي يتناول أهمية الصحة النفسية والعقلية في الفضاءات المهنية، خاصة داخل مؤسسات التعليم والتكوين”.
وعاد عميد الجامعة ليؤكد على أنّ “الدور الحيوي للإرشاد والتوجيه في دعم الأفراد وتنميتهم، مع التركيز على أهمية التكوين المتخصص لضمان ممارسة ناجحة في هذا المجال”.
وأوضح العميد أنّ “تدريب المتخصصين في مجال الإرشاد يجب أن يتم وفق احتياجات المجتمع، مع التركيز على البرامج الأكثر طلبا لضمان توفير خدمات متكاملة تلبي المتطلبات المتزايدة وتعزز الكفاءة المهنية في هذا المجال”.

مهارات الإرشادية..حجر الأساس

 حول أهمية الحدث أيضا، أكدت الطالبة هوارية بن دومه، المتخصصة في الإرشاد والتوجيه، أن “المهارات الإرشادية، تعد حجر الأساس لنجاح المختص في هذا المجال، باعتبارها الوسيلة التي تمكنه من بناء علاقات إرشادية فعالة وتحقيق الأهداف المرجوة”.
وقالت هوارية: “إن المهارات الإرشادية ليست مجرد تقنيات، بل هي جوهر التفاعل المهني بين المرشد والمسترشد، فهي تتيح الإصغاء الفعال، التعاطف، وفهم أعمق لمشكلات الأفراد، مما يساعدهم في اتخاذ قرارات مناسبة وتطوير شخصياتهم ومهاراتهم المهنية”.
وأضافت أن “المهارات الإرشادية، لا تقتصر فقط على تحسين التواصل، بل تمتد لتشمل تعديل السلوكيات السلبية وتعزيز الإيجابية، حيث يستطيع المرشد من خلال مهارات التوجيه أن يساعد المسترشد في إعادة تشكيل أنماط التفكير غير السوية وتبني عادات صحية أكثر إيجابية”.
كما أكدت على “أهمية هذه المهارات في التعامل مع التنوع الثقافي والاجتماعي”، مشيرة إلى أن “فهم خلفيات المسترشدين المختلفة والتفاعل معها بحساسية واحترام يساهم في إنجاح العملية الإرشادية وتحقيق نتائج ملموسة”.

الإرشاد في المقاولاتية..دور جوهري

من جانبها، أكدت الدكتورة عقيلة عليم، المتخصصة في الإرشاد والتوجيه وأستاذة في قسم علوم التربية وعضوفي مخبر البحث “تربية وتطور”، والمكلفة بالتنسيق والإعلام في هذا الملتقى، أن “المهارات الإرشادية تلعب دورا جوهريا في مجال المقاولاتية لضمان ديمومة المؤسسة الاقتصادية”. وأضافت أن “موضوع الملتقى، الذي يتمحور حول المهارات الإرشادية بين التكوين والممارسة، يعد من القضايا المهمة، التي تستقطب اهتمام الباحثين والممارسين”، معتبرة أن “الجامعة تعد قاطرة المجتمع عبر برامجها التكوينية التي تستجيب لهذه الاحتياجات”.
وأشارت إلى أن “أهداف الملتقى تتمثل في تقويم برامج التكوين في مجال الإرشاد بالاستناد إلى التغذية الراجعة التي يقدمها الممارسون، بهدف تحسين جودة الأداء وتكييفه مع متطلبات المجتمع بمختلف فئاته ومستوياته”، مبرزة “الحاجة الملحة للإرشاد في مختلف المجالات، بما في ذلك التربية والصحة والتعليم والمجال المهني”.
كما نوهت بأن “موضوع مداخلاتها الموسومة بـ “المهارات الارشادية في مجال المقاولاتية والمؤسسة الاقتصادية، يعد من القضايا الراهنة نظرا للتوجه السياسي، الهادف إلى دعم خريجي الجامعات ومؤسسات التكوين المهني لفتح مشاريعهم المصغرة، مما يساهم في خلق الثروة وإحداث فرص عمل جديدة”.
وفي هذا السياق، أكدت الدكتورة عليم عقيلة، أن “الجامعة تواكب هذا التوجه من خلال تعزيز دور الإرشاد في دعم هذه السياسات، لضمان تحقيق أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية”.

من الإدمان الإلكتروني إلى التّعلّم الرّقمي

 في الموضوع نفسه، أكد الدكتور عبد الرزاق إبراهيم، مدير دار الذكاء الاصطناعي بجامعة وهران 2، ورئيس جمعية “شباب وهران” الثقافية، في مداخلته الموسومة بـ “من الإدمان الإلكتروني إلى التعلم الرقمي”.
خلال هذه المداخلة، استعرض تجربته في جمعية شباب وهران، حيث رافقت الناشئة وساهمت في إبعادهم عن مخاطر العولمة الرقمية، لا سيما الإدمان الإلكتروني، عبر التعلم الرقمي.
وكشفت عن مشاريع متعددة نفذتها الجمعية خلال السنوات الأخيرة، سواء في مجال التعلم الرقمي أو التعليم عن بعد، خصوصا خلال جائحة كورونا، إضافة إلى تدريب الأطفال والشباب على مهارات البرمجة والروبوت التعليمي، بهدف تحويلهم إلى منتجين للتكنولوجيا بدلًا من أن يكونوا مجرد مستهلكين سلبيين.
كما قدّم أرقاما وإحصائيات دقيقة عن استخدام الأجهزة الذكية والشاشات الإلكترونية، مسلطًا الضوء على المعدلات العالمية لاستهلاك هذه الوسائط في عام 2025.
وكشف الدكتور عن عدد من المشاريع التي نفذتها الجمعية لتعزيز التعلم الرقمي، مثل “مبرمج جونيور”، “نادي الطفل المبدع”، وبرامج التعليم الإلكتروني” و«الروبوت التعليمي”.
كما تطرقت إلى مشاريع أخرى للتعليم عن بعد، خاصة خلال فترة كورونا، مثل مبادرة “متطور كوفيد”، “مخيمات القرآن”، “قناديل المولد”، و«قناديل المعرفة”، والتي نُظّمت جميعها إلكترونيا عن بعد، وكان لها أثر إيجابي على الأطفال المشاركين.
على الصعيد الوطني، أشار الدكتور إبراهيم إلى أن “الجزائر تحصي نحو 32 مليون مستخدم للإنترنت، أي بنسبة 68 % من السكان، وهي أقل بقليل من المعدل العالمي”.
«إلا أنه منذ عامي 2014 و2015، حدثت فجوة رقمية كبيرة في المجتمع الجزائري، خصوصا مع انتشار شبكة الهاتف النقال، مما أدى إلى ارتفاع هائل في عدد المستخدمين بالملايين، بعدما كانت بمئات الآلاف في السنوات السابقة”.
«أما عالميا، فقد قدّر متوسط استخدام الإنترنت اليومي بحوالي 3 ساعات ونصف، في حين بلغ استخدام الوسائط الاجتماعية نحو ساعتين و38 دقيقة”.