مع انطلاق امتحانات شهادة البكالوريا، تبرز بولاية الجلفة مبادرات تضامنية لافتة، تتمثل في فتح عدد من المساجد أبوابها أمام المترشحين، لتكون فضاء للراحة والمذاكرة بين الفترتين الصباحية والمسائية، خاصة للطلبة القادمين من بلديات ومناطق ريفية بعيدة عن مراكز الامتحان.
أعلنت مساجد منها “زيد بن ثابت” و«الرحمن” بحي 5 جويلية عن تسخير فضاءاتها لفائدة مترشحي البكالوريا، ذكورا وإناثا، من خلال تخصيص طوابق منفصلة، واستقبال التلاميذ وتوفير مياه باردة ووجبات خفيفة، بدعم من محسنين ومتبرعين، في أجواء هادئة تساعد على التركيز وتخفف من ضغط الامتحانات.
ولأن كثيرا من المترشحين لا يقطنون بالقرب من مراكز الامتحان، فقد شكلت هذه المبادرات بالنسبة إليهم ملاذا حقيقيا، كما يؤكد عدد من الممتحنين الأحرار.
يقول كريم، مترشح حر “هذه المرة الثانية التي أجتاز فيها شهادة البكالوريا. أقيم حاليا عند أقاربي في مدينة الجلفة، وأتذكر أنه في المرة السابقة دلني أحدهم على المسجد. توضّأت وصليت، ثم جلست أراجع في هدوء، وشعرت براحة لم أجدها في أي مكان آخر”.
أما أيمن، وهو طالب جامعي حاليا، فيسترجع تجربته قائلا “أتذكّر أنّي دخلت المسجد فوجدت الماء البارد، ثم جاءني أحد المتطوعين وسألني إن كنت قد تغديت. وبعد قليل قدم لي سندويتش. جزاه الله خيرا”.
فيما يقول مترشّح آخر “سأتوجه غدا إلى مدينة عين وسارة لاجتياز الامتحان، وأتذكر أن أصدقائي الذين اجتازوا البكالوريا قبلي كانوا ينصحونني بالذهاب إلى المسجد بين الفترتين للمراجعة والراحة، وأكدوا أن التجربة فعلا مريحة ومفيدة”.
ولم تستثن هذه المبادرات المترشحات، حيث خصصت لهن أجنحة منفصلة بإشراف نساء متطوعات من الجمعيات الدينية، ما أتاح لكثير من التلميذات المراجعة في ظروف ملائمة وهادئة.
وما يميز هذه الالتفاتات أنها تتجاوز توفير الفضاء المريح، إلى تقديم دعم نفسي ومعنوي بالغ الأهمية، إذ يحرص بعض الأئمة، خلال الدروس الليلية أو الفترات الفاصلة، على بث كلمات تشجيعية وتعزيز الثقة في نفوس المترشحين، بما يعينهم على مواجهة ضغط الامتحانات بثبات وطمأنينة.
ولقيت هذه المبادرات استحسانا واسعا من الأولياء وأفراد المجتمع، لما توفّره من بيئة نفسية مريحة لأبنائهم، خصوصا لأولئك الذين يقطعون مسافات طويلة، أو يفتقرون إلى أماكن مناسبة للاستراحة.
وتظل هذه المبادرات نموذجا يحتذى به فيما يمكن أن تقدمه المساجد من أدوار اجتماعية وتربوية فاعلة، خصوصا في مراحل مفصلية من حياة التلاميذ، مثل اجتياز شهادة البكالوريا.