طباعة هذه الصفحة

التشرد في الجزائر

رجال، نساء وأطفال يتخذون الشوارع مأوى لهم

دليلة أوزيان

تشرد الرجال والنساء بأطفالهن تحولت إلى ظاهرة حقيقية في شوارع العاصمة ونلاحظها بشكل جلي على طول الأقواس الممتدة من ساحة الشهداء، زيغود يوسف، بور سعيد، عبان رمضان بالاضافة إلى شارع عميروش. وقد أصبحت الظاهرة بمرور السنوات ملفتة حقا للانتباه ومثيرة للدهش،ة طارحة سؤالا جوهريا كيف أصبحت بهذه الحدة؟ وأين هو دور السلطات المعنية للتكفل بمثل هذه الحالات التي أصبحت حقا تثير القلق بسبب الانعكاسات السلبية التي تترتّب عنها كالسرقة، الانحراف والاجرام بالاضافة إلى آفات اجتماعية أخرى لا تقلّ خطورة؟

وعن أسباب انتشار الظاهرة، أرجعها الأخصائيون الاجتماعيون إلى تنقل سكان القرى والمداشر باتجاه العاصمة للظفر بمنصب عمل قار ومسكن لائق يضمن لهم الحد الأدنى من الحياة الكريمة ورغد العيش ليجدوا أنفسهم في نهاية المطاف عجزة ومشرّدون، يبيتون في العراء في مختلف الشوارع المذكورة آنفا.
 ظغوطات وراء المأساة                                              
  وفي هذا الصدد، صادفنا العديد من الحالات، اقتربنا من إحداهن في أحد شوارع عميروش، رفضت الحديث معنا لكن بإصرار منّا تمكنّا من انتزاع بعض معاناتها...هي امراة في العقد الرابع من عمرها، أخبرتنا أنّها كانت متزوجة ومستقرة في إحدى مداشر تيارت، وأنّ زوجها طردها من البيت ليتسنّى له الزواج بامراة ثانية، فظل يمارس عليها ظغوطاته وفي أحيان أخرى يضربها دافعا إياها الخروج من البيت. وأضافت في سياق حديثها أنّ والدها هو الآخر لم يرغب في أن تبقى معهم في البيت بحجة أنّها رفضت تسليم بناتها الثلاتة لزوجها، فوجدت نفسها في تنقل دائم وتوقّف بها المقام في شارع عميروش رفقة أطفالها.
أما الحالة الثانية فهو رجل في الخمسينات، قال أنه منذ أن ارتبط بشريكة حياته منذ أكثر من عشر سنوات إلاّ أنّ صهره لم يكف يوما من تصرفاته وسلوكاته الاستفزازية، بالاضافة إلى الملاحظات التي كان يكرّرها دائما على مسامعه بأنّه حان الوقت بأن يستقر في بيت خاص به يعيش فيه رفقة زوجته وأبنائه معزّزا مكرّما، لأنّه مهما طال به المقام في بيت الغير فهو يبقى مجرد ضيف.
وأضاف في سياق حديثه أنّه ملّ من هذا الوضع، الأمر الذي دفعه لإهمال زوجته وأبنائه والعيش في أقواس زيغود يوسف بالعاصمة. وفي سؤالنا عن كيفية ممارسته لحياته اليومية والتحاقه بمقر عمله بشكل منتظم خاصة وأنّه يشغل منصبا إداريا هاما في إحدى المؤسسات العمومية، أجابنا أنّه حريص على أناقته اليومية، لذلك فهو يتردد كثيرا على المرش المجاور للمكان الذي يبيت فيه للاغتسال وأيضا تنظيف ملابسه بالشكل اللائق، ويقول أنّ ما ساعده على ذلك هو العلاقة الحميمية التي تربطه بصاحب المرش، الذي لا يتوان أبدا في مده يد العون خاصة بعد اطلاعه على ظروفه القاهرة.
 الايجار مشكل لا يستهان به                                                                       
أما بشأن الحالة الثالثة فتكاد تكون متشابهة مع الحالة السالفة الذكر، بل قد تكون أسوا منها ويتعلق الأمر برب أسرة، كان يستأجر بيتا يمتلكه شخص يستعمل جميع الحيل للنيل من جيبه والاستحواذ على ما يتقضاه من أجر شهري، وكان في كل مرة يرفع من ثمن الكراء إلى إن بلغ الحد الجنوني، ولأنّه لا يملك المال الكافي لكراء بيت آخر خاصة في ظل ارتفاع الأسعار، فقد اضطر لمغادرة الشقة برفقة أطفاله بإحدى الشوارع الضيقة ببور سعيد، هذا الوضع البائس الذي يعاني منه وزوجته وأطفاله الثلاثة منذ حوالي سنتين لم تحرك السلطات المحلية التي اتصل بها مرات عديدة، أين أودع ملفات طلبات السكن لديها للاستفادة من مسكن لكن لا حياة لمن تنادي، ورغم ما يبذله من جهود لحماية أسرته من مخاطر الشارع إلاّ أنّ هاجس الخوف بانقضاض أحد المجرمين عليهم يسيطر عليه دائما
ويجعله مستيقظا ليلا ونهارا، ويواصل حديثه قائلا: ''إنّ هذه الفئة المنحرفة لا تستثني أحدا، فهي تعتدي على ضحاياها حتى داخل بيوتها فما عسانا نحن نعمل في مثل هذا الوضع المتدهور والخطير؟''.