طباعة هذه الصفحة

احتفال الجزائريـين بـرأس السنـة الهجريـة:

عادات وتقاليد تكرّس التآزر والتآخي

فتيحة / ك.


في كل سنة من مثل هذا اليوم يحتفل الجزائريون على غرار باقي الأمة الإسلامية بأول يوم من السنة الهجرية، إلى جانب كونها عطلة مدفوعة الأجر، فهي مناسبة تتميز بكثير من العادات والتقاليد  حافظ المجتمع عليها منذ قرون طويلة لأنها جزء لا يتجزأ من هويتنا الحضارية....
تجولت «الشعب» في بعض شوارع العاصمة لتسأل المواطنين عن  طريقة احتفائهم بليلة رأس السنة الهجرية، فكانت لنا هذه الآراء التي أجمعت بأن المناسبة فرصة لاجتماع العائلة في جلسة يسودها الحب والإخاء.

ليلة مميزة.....

تركية ـ ب، 55 سنة سيدة التقينا بها في سوق «كلوزال «تتبعض من اجل ليلة اول السنة الهجرية سألناها عن العادات التي تميزها فقالت: «لليلة رأس السنة الهجرية أهمية كبيرة في المجتمع الجزائري لأنها تعبر عن انتمائه الى الأمة الإسلامية ومدى  افتخاره بذلك، لذلك نجد ان كل منطقة  تميزها عادات وتقاليد تعكس الاهتمام الكبير بهذه الليلة المباركة، حيث يجتمع فيها شمل العائلة كبيرا وصغيرا لتجديد الروابط الأسرية التي أصبحت محدودة جدا في السنوات الأخيرة، الأمر الذي جعل من المناسبات الدينية فرصة ذهبية وقوية لإحيائها واعطائها دفعة جديدة لبعثها من جديد، ليشعر الفرد بانتمائه الأسري والاجتماعي».
أضافت تركية قائلة: «كانت والدتي تتستعد للمناسبة بأيام عديدة، تقوم بتحضير الرشتة بنفسها بعجنها وتقطيعها ثم تضعها تجف في سطح المنزل، لتجمعها وتطبخها لتكون وجبة عشاء ليلة رأس العام الهجري، وطبعا يأتي في تلك الليلة الكثير من الأقارب يجلسون في حلقة يتبادلون اطراف الحديث حول طبق الرشتة ونحن الفتيات نساعد النسوة في المطبخ، وكانت بالنسبة لنا مناسبة للسمر واللعب والتعلم ، ...كانت أيام تفوح برائحة الماضي الجميل، لذلك أحاول ترسيخ هذه العادات لدى ابنائي واحفادي التي تتعدى طبقا مميزا على مائدة العشاء بقدر ما هي عادات ترسخ الحب والتآخي والتسامح والتآزر في المجتمع وهي بذلك تحقق المبادئ السمحة لديننا الحنيف.

تمر وحلويات ترمى على رأس صغار الأطفال

يمينة - ش 45 سنة، موظفة في احدى المؤسسات العمومية، قالت عن المناسبة: «شكل عمل المرأة في السنوات الأخيرة سببا مباشرا في تقلص العلاقات الاسرية لأنها في اغلب الوقت مرتبطة بمواعيد عمل تمنعها من التواصل مع العائلة الكبيرة، وما زاد الطين بلة الفتور الذي تعرفه مثل هذه  العلاقات، ولكن من جهتي أحاول ان تكون مثل هذه المناسبات موعدا مهما لاجتماع العائلة خاصة وانها عطلة مدفوعة الأجر وهذه السنة تزامنها مع يوم الخميس جعل العطلة الاسبوعية مطولة ما سيسمح لنا بالذهاب الى زيارة الأقارب.
 اما عن العادات التي تتميز بها ليلة رأس السنة الهجرية أضافت استطردت يمينة قائلة: «أنا على غرار الأسر الجزائرية أخصصها بطبق خاص بالمناسبات الا وهو الكسكسي الى جانب الشاي والمكسرات وكذا سهرة مميزة مع الأهل نتجاذب فيها أطراف الحديث بعيدا عن أعباء الحياة واثقالها»، لا حظت قائلة: «هذه المناسبة على عكس مناسبات كثيرة لا تلقى الاهتمام الكبير من بعض وسائل الإعلام خاصة وان رأس السنة الميلادية يحتفل به بكثير من الأبهة.. فترى المحلات مزينة في ابهى حلة وصانعو الحلويات يتفننون في طهي ما لذ وطاب، بالاضافة الى اعلانات هنا وهناك للتهنئة بالمناسبة ويخصصون لها حفلات خاصة، ولكن رأس السنة الهجرية لا تتعدى عند الكثيرين سوى كونها عطلة مدفوعة الأجر وهذا امر مؤلم لأن المجتمع عبر قرون طويلة خصّ هذه المناسبة بعادات وتقاليد تنم عن اعتزازه و افتخاره بها».
     محمد أمين 25 سنة، طالب جامعي بكلية الاعلام والاتصال، سألتها «الشعب» عن المناسبة فقال: «بالنسبة لي رأس السنة الهجرية مناسبة لاجتماع العائلة، فاليوم يأتي اخوتي وزوجاتهم لتناول وجبة العشاء معنا والتي ستكون مميزة، ولن يغيب عن قائمة الطعام طبق الرشتة الذي أحبه كثيرا، ولكن أرى خصوصية هذه السنة أن والدي عادا بصحة جيدة من رحلة الحج وهو الأمر الذي غطى على كل شيء منذ وصلهما الى ارض الوطن بسلام خاصة مع كل تلك الاحداث المؤلمة التي حدثت في الحج».
واكد محمد امين في حديثه الى «الشعب» ان والدته ومنذ سنوات طويلة لا تؤخر الاحتفال بهذه المناسبة فإلى جانب طبق الرشتة تخضب اطراف شعر الفتيات الصغيرات بالحناء حتى يصبح طويلا وجميلا، كما تحضر «القصعة» او الجفنة التي تضع داخلها اصغر اطفالها وترمي عليه خليطا من  التمر وبعض المكسرات والحلويات والعلكة والشكولاطة بحضور كبار العائلة لتوزع عليهم بعد ذلك، ويقام هذا الاحتفال كل سنة حسب محمد امين في جو عائلي حميمي وفرح وسرور كبيرين،متمنين قضاء سنة هجرية جديدة مليئة بالنجاحات والسعادة.

تحضيرات تبدأ من ثاني أيام عيد الأضحى

فريال سعد، 40 سنة وجدناها بساحة الشهداء سألناها عن مناسبة رأس السنة الهجرية فأجابت: «المناسبة مهمة بالنسبة لي لأنها فرصة لاجتماع جميع افراد العائلة حول مائدة عشاء واحدة، وقضاء سهرة مميزة  لساعات متأخرة من الليل يتبادلون خلالها اطراف الحديث حول مائدة الشاي والمكسرات خاصة وانها عطلة مدفوعة الأجر».
استطردت فريال سعد  قائلة: «جئت الى ساحة الشهداء لاقتناء بعض ما احتاجه للاحتفال بليلة راس السنة الهجرية، لأنني امرأة عاملة ولا اجد الوقت الكافي لتحضير التشخشوخة لذلك اشتريها جاهزة الى جانب بعض الحلويات كالقريوش، الصامصة وحبات من البقلاوة لقضاء سهرة ممتعة مع اهل زوجي، وهم على خلاف ما عهدته يحضرون طبقا خاصا لليلة رأس السنة الهجرية وهو عبارة عن التعمير الذي يتكون من الكسكسي والدجاج المحشي باللحم المفروم، لأنهم من اقصى الغرب الجزائري وكذا القصعة. « ......ورغم ان كل منطقة تحتفل بعادات وتقاليد خاصة فنحن نجد التشخشوخة في بسكرة، والتريدة في الشرق الجزائري والكسكسي في الغرب الجزائري والرشتة في العاصمة الا انها جميعا تؤرخ لمجتمع يريد ان يحافظ على هويته وانتمائه الحضاري بتوريثها الى الاجيال القادمة ورغم هبوب رياح تغريب قوية الا انه ما يزال يقاوم بشدة لان حياة اي امة في تميزها».
نصيرة – ت 36 سنة، تحدثت الى «الشعب» عن العادات التي تميز رأس السنة الهجرية فقالت: «بعيدا عن العجائن التي غالبا ما تكون سيدة المائدة ليلة رأس السنة الهجرية تقوم والدتي بتحضير طبق مميز في هذه المناسبة ولا أظن ان الكثيرين يعرفونه، لأن التحضير لهذه الليلة يبدأ في اول ثاني ايام عيد الأضحى، فعندما يقوم والدي بتقسيم الأضحية يضع جانبا فخذا ليجمد الى غاية رأس السنة الهجرية أين تقوم والدتي بإخراجه من المجمد ليلة من قبل ليذوب ويصبح جاهزا لنزع العظام منه، بعد ذلك يفرش في صينية ويتبل بالسمن والثوم والفلفل الاسود دون ان ننسى الملح، بعد ذلك يلف ويربط بخيط «الطرّاح» ليلف حوله ورق الألومينيوم ثم يدخل الى الفرن لتحميره،...، بعد ما يقارب الساعة والنصف نخرجه من الفرن للنزع عنه ورق الألومينيوم وندخل مرة اخرى ليكتسب اللون الذهبي وبعدها نضعه في صحن خاص ونقطعه الى دوائر، وبالصحة والشفاء هذا اهم ما يميز هذه المناسبة عندنا، اما في السهرة فيجتمع كل افراد العائلة حتى اخوتي المستقلون بحياتهم لنتحدث في امور الحياة ونسترجع ذكريات الطفولة التي نرويها لأبنائهم الذين يجدون متعة كبيرة في سماعها لأنهم عاجزون عن تخيل اوليائهم صغارا اشقياء».

دروس للأجيال  

هذه بعض العادات التي تميز احتفال العائلة الجزائرية بمناسبة رأس الهجرية وبعيد عن كل ما يقال تبقى المناسبات الدينية ذات طابع خاص لما تحضى به من اهتمام من المجتمع لأنه يضعها في خانة المقدسة، وان كان الكثيرون يتفقون عن انواع الطعام التي تطهى في المناسبة الا انها ايضا سلوكات اساسها الاخوة والتآزر والتعاون، ففي بعض المناطق من القبائل الكبرى فإن السكان يذبحون عجلا ويوزع لحمه على جميع اهل القرية في عادة يسمونها «الوعدة»، وان كانت كذلك او كانت عبارة عن دعوة الاقارب على وجبة العشاء هي في الأساس واحدة لأنها تنادي بوحدة المجتمع وتآخيه وتلاحم مختلف أطيافه وطبقاته اغنياء وفقراء.
ولعل هذه التقاليد تعكس الوعي الذي تميز به اجدادنا وفهمهم الصحيح للإسلام الذي ينادي بالمبادئ السمحة، كما يعكس كذلك اعتزازهم بانتمائهم، فرغم كل ما عانوه  من محاولات الاحتلال والغزو استطاعوا الحفاظ على هويتهم وهو بالنسبة لي كما تضيف  اكبر درس يمكن للأجيال تعلمه لأنه اساس البقاء والوجود وسط الأمم.