طباعة هذه الصفحة

“الشعب” تزور الطّبعـة الرّابعـة بمنتزه الصابـلات

”متحف في الشّارع” ينعش يوميات العائلات العاصمية في موسم الاصطياف

فنيــدس بـــن بلــة

ورشات وأنشطة تروّج لأهمية المتحف في السياحة والاقتصاد

صنعت تظاهرة “متحف في الشّارع” الحدث الثقافي، يتوافد عليها الزوار في صيفيات العاصمة، وزادتها قيمة واعتبارا اختيار المكان والزمان.
الطّبعة الرابعة من التظاهرة التي تتواصل بمنتزه الصابلات، تحت إشراف وزارة الثقافة ومتحف باردو بالتعاون مع ولاية العاصمة وبلدية الجزائر الوسطى، وجهة للمصطافين الذي اطلعوا على ما تتضمّنه المتاحف الـ 16 عبر الوطني وجهودها المضنية في سبيل التعريف بكنوزها الحاملة لمضمون هوية، أصالة وحضارة عريقة. “الشعب” زارت التظاهرة بكورنيش العاصمة، رصدت نشاطها ونقلت آراء مسيّري المتاحف حول أفضل السبل  وأقوى الخيارات لتكريس ثقافة سياحية ما أحوجنا إليها في هذا الظرف المالي والاقتصادي الصعب.

باردو أروع البنايات المعمارية
 قال السيد عيساوي محمد لنا أنّ متحف الباردو حاضر في كل تظاهرات “متحف في الشارع” منذ انطلاقتها في أوت 2013 بساحة البريد المركزي بمشاركة متاحف العاصمة والمدية، بالإضافة إلى ضيفي الشرف المدرسة الوطنية للصيانة وحفظ الممتلكات الثقافية والمركز الوطني للفنون الثقافية حصن 23. والهدف تعريف الزوار بما يحتويه المتحف وما يسعى إليه في معركة حفظ الذاكرة الجماعية. وهي معركة يحسب رهانها بإشراك المواطن وجعله طرفا أساسيا في معادلة تامين كنوز الجزائر من النهب والتهريب، وغيرها من الجرائم التي تطالها بلا توقف.
مع العلم أنّ متحف الباردو المشيد في أواخر القرن الـ 18 من أروع البنايات المعمارية لمدينة الجزائر، وقد أدرج بعد الاستقلال متحفا وطنيا عام 1985 ما أكسبه تصنيفا مزدوجا كمعلم محمي يحتوي على مجموعة أثرية تعود إلى فترة ما قبل التاريخ، وله قسم ثاني تحدث عنه السيد عيساوي يشمل تحف الاثنوغرافيا التي تؤرّخ الثقافات والمجتمعات التي عاشت في الجزائر.
ذكر السيد عيساوي بخصوصية متحف باردو، وهو يروي بنشوة المراحل التي قطعها، معيدا الى الأذهان الرواية التي تقول أن بناءه تم على يد الأمير عمر المنفي من تونس، وأدخلت عليه تعديلات من مالكه الفرنسي بيار جودي قبل تحويله الى متحف لاثنوغرافيا وما قبل التاريخ في مئوية الاحتلال الفرنسي للجزائر.
وقال السيد عيساوي، إن كل هذه المسائل جديرة بأن يتعرّف عليها المواطن الواجب عليه كسر حالة التردد والعزوف للتعايش مع التحف بصفته الهوية والذاكرة، والنشاط المنظّم بالصابلات المختتم يوم 29 أوت الجاري يدخل في هذا الإطار.
”الأهقار”..متحف على الهواء
من جهته، قال بن عبد الله محمد مستشار ثقافي بالديوان الوطني للحظيرة الثقافية “الأهقار” في تصريحه لـ “الشعب”، إنّ الرسالة المروّجة للزائر بوجهة الصابلات تتمثل في معرفة ما يحتويه المتحف من موروث ثقافي مادي ولا مادي ومنشورات ومطبوعات بعضها معروض للتسويق.
وقال بن عبد الله إنّ “الأهقار” أكبر متحف على الهواء الطلق يروّج بالتظاهرة، إلى السياحة الثقافة الحلقة الأضعف. ويعرض “الأهقار” مواقع أثرية تؤرخ لحقب عريقة منها أقدم موقع عالمي لاختراع وتطوير الفخار 10 آلاف سنة يضاف لها نقوش ورسومات صخرية والمعالم الجنائزية حاملة الأسرار والألغاز ما تستدعي من بحوث لتفكيكها واطلاع المواطن بها.
وراح بن عبد الله يسرد علينا الهياكل المعمارية التي تضمنها الاهقار التي تعود إلى 6 آلاف سنة، مجيبة على المشكّكين في حضارة الجزائر العميقة وهويتها وأصالتها الضاربة في أعماق التاريخ.
«ناصر الدين دينيه”..الفن التّشكيلي صنع هنا
وتدخّلت نويبات زبيدة محافظ التراث بمتحف ناصر الدين دينيه ببوسعادة في المسيلة للحديث بمرارة عن عزوف المواطن غير المقبول عن المتاحف رغم أهميتها ودلالاتها وأبعادها ومضامينها. وقالت بحرقة لـ “الشعب”: “لدينا في الجزائر ثقافة متحفية ناقصة. وكل التحركات والنشاطات على ضوء التظاهرة الجارية بمنتزه الصابلات تصب في سد هذه الفجوة والترويج لثقافة حب المتاحف، زياراتها والتمعن في محتوياتها بعيدا عن المرور مرور الكرام”.
وانصبّت زبيدة جل اهتمامها على النشء مرافعة لزيارات اطفال المدارس إلى المتاحف التي تزودهم بمعارف يحتاجونها عن جزائر الماضي، الحاضر والمستقبل.
وعن أي خيار ممكن لكسب المتحف الوظيفة الاقتصادية في الظرف الراهن المتميز بتراجع مخيف لأسعار البترول، قالت زبيدة إن هذا التحدي يمكن رفعه من خلال ثقافة مجتمعية تدرك ما للمرفق الثقافي من قيمة واعتبار ومصدر حضارة وليس مجرد هيكل بلا روح.
وترى زبيدة أنّ هذه المهمة مسؤولية متقاسمة بين مختلف مكونات المجتمع، ولا تقع على عاتق المتحف وحده وترديد آخرين للعبارة المألوفة “تخطي راسي”.
ونذكر أنّ المتحف العمومي ناصر الدين دينيه أنشئ بقرار وزاري سنة 1969 وفاء لذكرى الفنان ديني، الذي زهد في حياة الترف بباريس، وأحبّ قطعة من أرض الجزائر وسكنا حيا وميتا. وتتمثل في بوسعادة التي قال عنها الراحل مقولته المشهورة: “لو كانت الجنة في الأرض لكانت بوسعادة، ولو كانت في السماء لكانت فوق سماء بوسعادة”.
متحف ناصر الدين دينيه رغم ضيق مكانه ببوسعادة يشكّل وجهة للسياحة الثقافية، يتوافد عليه الأجانب بالخصوص وكلهم شغفا في تتبع آثار الفنان المعجزة الذي أبدع في رسم لوحات تشكيلية آية في الجمال. لوحات للرسام دينيه خرّيج مدرسة الفنون الجميلة بباريس قبل استقراره ببوسعادة التي غيّرت مجرى حياته ورؤيته للجزائر الأخرى غير المروجة في الخطاب الاستعماري الفرنسي والصورة النمطية المرسخة في الرأي العام. 12 لوحة أصلية للفنان دينيه وأغراضه الشخصية تظهر للملأ مكانة هذه الشخصية التي تجاوزت شهرتها الحدود.
وغير بعيد عن جناح دينيه، تضمّنت قاعة عرض لوحات من الفن التشكيلي لكبار ما أنجبتهم الجزائر في هذا الحقل الثقافي العجيب قاهر الحدود مقرّب المسافات أمثال إسياخم، علي خوجة، عائشة حداد، محمد لوعيل وآخرين زادوا لمتحف بوسعادة ساحرية وإغراء، وعزّزوا المقصد السياحي الثقافي.
تسيير إنجازات المشاريع..الهندسة المعمارية قبل كل شيء
لكن في تظاهرة “متحف في الشارع” التي كسّرت الحواجز البيروقراطية، ومدّت جسور التّواصل والاتصال مع المواطن،لاحظنا مشاركة مؤسسات أخرى لها علاقة بهذا المرفق الذاكرة، من هذه الوكالة الوطنية لتسيير إنجازات المشاريع الكبرى للثقافة.
وقال زدام عبد العالي رئيس دائرة الاعلام والاتصال لـ “الشعب”: “إنّ الوكالة طرف أساسي في معادلة النهوض بالمرافق محل الحديث من خلال تكليف الوزارة الوصية لها بتسيير إنجازات المتاحف بهندسة معمارية تزيد وجهتها إشعاعا وجاذبية وجمالا”.
وأعطى زدام أمثلة عن مشاريع قيد الدراسة وأخرى بصدد الانجاز، ضاربا المثل بمتحف الفنون الحديثة الذي يوشك على الانتهاء والتسليم.
وضرب زدام مثالا حيّا آخرا عن المركز العربي للآثار بتيبازة قيد الانجاز، مشيرا إلى أنّ أعمال الوكالة التي تحرص دوما على ان تكون ذي مواصفات وتخضع لمعايير، محل الاهتمام والعناية والتقدير”.
«متحف في الشّارع” وجد ضالته في المحيط المفتوح، متجاوبا مع المتغيرات غايتها إعطاء صورة أكثر استشراقا لدى عامة الناس. التظاهرة التي جمعت المتاحف من مختلف جهات الوطن اتّفقت على رسالة واحدة موحّدة: أنّ التحف المعروضة في أجنحة المشاركين، واللوحات الفنية، والرسومات والنقوش والمطبوعات ومجموعات المنحوتات والفنون التزيينية وغيرها هي كلها تترجم  أصالة وهوية، والمحافظة عليها حماية للذاكرة الجماعية.