طباعة هذه الصفحة

10 آلاف زائر و 400 فارس في الموعد بغليزان

وعدة سيدي امحمد بن عودة... طقوس ترفض الذوبان

الشلف/و.ي. أعرايبي

عمق التاريخ وثقافة لإصلاح ذات البين في شهادة تنقلها “ الشعب”

 لم تعد وعدة سيدي امحمد بن عودة التي أقامها سكان ولاية غليزان على إمتداد أسبوع  كامل بغليزان للمأكل والمشرب والممارسة التجارية بقدر ما اتخذت منحى للتلاحم وإصلاح ذات البين وممارسة الطقوس الثقافية وإبراز ثراء العادات التي عايشها الزوار عن قرب من كل ربوع الوطن في ظل الأمن والإنجازات المحققة “ الشعب” عاشت  الأجواء هذه ورصدت تفاصيلها في استطلاع ميداني.
صورة المحفل الكبيرالذي سهلت الطرقات المعبدة والإنارة العمومية  على الزوار مهمة الوصول اليها توحي بان المنطقة تنبض بعبق التاريخ ما جعل  تخاصم النوم طيلة أسبوع كامل اتصبح لياليها بيضاء بدون منازع ، سادت خلالها  الحركة والنشاط الذي صنع ديكوره الرجال والنساء وبنات وأطفال من فئات عمرية مختلفة مزجت صور موزايكية حملت عنوانا” الفرحة والتبرك ولم الشمل وإصلاح ذات البين في طقوس عكست تاريخ منطقة وهمة سكان أعطوا لغليزان رسالة السلم والتآخي”.
الوقفة مع الولي الصالح “سيدي أمحمد بن عودة” قاهر الإسبان في تنس ومزغران والمرسى الكبير بوهران  الذي يعود ميلاده 972 هـ ومن أسرة شريفة، يحمل اسمه الكامل امحمد بن يحي بن عبد العزيز ويكنى أمحمد بن عودة نسبة لمربيته عودة  بنت سدي أمحمد بن علي المجاجي المعروف بإبن بهلول وهي بلدة سيدي امحمد بن علي حاليا بولاية غيلزان صاحب زاوية  مجاجة بولاية الشلف .
هذا الولي الصالح الذي كسب قلوب سكان المنطقة  بورعه وشجاعته، ظلت عند الحاج لزرق و هو من أعيان مدينة غليزان القدوة -حسب ما صريح به لـ “الشعب” – و ذكّر بشهامة الرجل وخصاله الحميدة التي جعلت منه رمزا محبا للخير والفقراء معاديا للظلم والطغيان ، كافح ضد الإسبان ولقنهم درسا في الإستبسال والدفاع عن الدين والأرض والحرمات.
  اكد  الشيخ لزرق لـ “ الشعب”  انه لا يتأخر عن هذا الموعد منذ سنوات طويلة، قائلا:«: أن إقامة الذبائح وتوزيع لحومها على الزوار عادة ورثناها أبا عن جد ، وأنت كما ترى نستقبل أحد أثرياء وأعيان  ولاية عين الدفلى الحاج عبد القادر شاشو الذي لا يتأخر في مساعدة الفقراء وتوزيع ما يسمى بـ “الزيارة” على بعض الفقراء في زيارة لسيدي أمحمد بن عودة، و هذا من شيم الرجال هنا بمنطقتنا وباقي زوار ولايات الوطن الذين يجدون كل الظروف والتسهيلات من السلطات الولائية لقضاء أسبوعا كاملا على الوجه الذي تشاهدونه اليوم”.
أما بخصوص الحاج محمد الذي ينتمي إلى زاوية العامرة بعين الدفلى والذي استقر هنا بغليزان منذ سنوات، فإن الفرصة المواتية لترسيخ قيم الكرم والصدقة والإطعام والجمع بين العائلات للتعارف وإصلاح ذات البين ، وزرع الفرحة وذكر نعم الله ،وهي قيم متجذرة في المجتمع الجزائري على حد  قوله، فنصب الخيمة المعروفة هنا بطولها الذي يفوق 500مترا لها طقوسها حيث لا تتم العملية إلا بعد عراك محتدم وشرس بالعصي دون أن يتعرض أي شخص لجروح .

400 فارس و الاف الزوار من جميع ربوع الوطن

و يشرف على الجانب التنظيمي للوعدة   أبناء العائلة والمتطوعون الذين يعرضون خدماتهم بدون مقابل، لانهم  يجدون المتعة في خدمة الزوار الفرحة والمزاح ، فيفتحون لك قلوبهم على مصرعيها : “نحن هكذا ربانا شيوخنا “ يشير الحاج العربي وهو يفتح ذراعيه لمعانقة زائر من العاصمة رفقة زوجته وأبناءه ليليا وريان وصبرينة الذين ألقوا بأجسامهم النحيفة على الأغطية التي زينت الخيمة الزرقاء المفتوحة الجوانب.
تنقلنا من خيمة إلى خيمة ومن فضاء إلى فضاء تقطعه أمكنة جعلت لسباق الخيول التي انتظمت في عدة فرق يتقدمها شيخ الفرقة الذي ينظم المسلك ويحرس على تأمينه نظرا للعدد الهائل من الزوار الذين يعدون بالألاف، و عن عدد الفرسان في سؤال فجائي للشيخ:’ أكثر من 400فارس ومن عدة ولايات، هذا عرس كبير” قال شيخ الفرقة.
وخلافا لتلك المشاهد والصور،تتزاحم الأروقة التجارية بالمأكولات الشعبية من “برويل وحامضة ورفيس والفول المرحي” وغيرها مما تعجنه أنامل العجائز اللواتي وجدن في وعدة الولي الصالح فرصة لتسويق منتوجاتهن وإظهار براعتهن في المنتوج التقليدي، زيادة على إنتاج زيت الزيتون بالطريقة التقليدية  الذي تعرف بها الولاية في الناحية الغربية من البلاد،كما زينتها معروضات من التمور والفواكه وأدوات الرياضة التقليدية كالعصي ودارئات الوجه والرأس وواقيات الصدور التي تحمي صاحبها من وقع الضربات التي تعيده الى الأيام الملحمية للمنطقة.
وعلى غرار المظاهر التجارية تحتل الألبسة التقليدية للنساء المعروفة بـ “ لباس” والقشابة الغليزانية ونظيراتها من الولايات الأخرى مجالا للسياحة والتمتع بأشكال السروج المرفوعة على أخشاب مثبة وكأنها المنسج الصوفي التقليدي النايلي،كما ارتسمت في عمق رحبة الولي الصالح  كواكب من حلقات المديح الشعبي لتراث مداشر الولاية التي تتعالى أصواتها بطبوع مختلفة تشنف الأذان وتنعش الروح وترقص النفوس التي تعالى صيحاتها من أفواه الشيوخ والشباب وزغاريد النساء على حد سواء.

المحفل ...ر حلة العمر

المحفل رحلة في ترجمة مشاعر الزوار الجياشة وطيبة سكان غليزان الذين صنعوا الفرجة في جو تضامني وأخوي يكشف عن حالة الأمن التي يتمتع بها هؤلاء بعد ما نغص المجرمون خلال سنوات الإرهاب حياتهم ، وكاد أن يسرق منهم البسمة وخفة الروح التي يتمتع بها سكان البلدة على مر السنين، فمن ضيع محفل الرحلة فقد ضيع الكثير.