طباعة هذه الصفحة

عشية حلول الشهر الكريم بباتنة

عائلات الأوراس في سباق مع الزمن لاستكمال تحضيرات استقباله

باتنة: لموشي حمزة

أصبح من الصعب هذه الأيام التجوّل بأريحية في أسواق عاصمة الأوراس باتنة، فرغم الارتفاع الشديد لدرجات الحرارة إلا أن الحركة غير العادية للسيدات من مختلف الأعمار يحملن قففا مليئة بمختلف الأكياس، حتى أصبح المرور ببعض الأحياء التي بها محلات تجارية متخصصة في بيع الأواني والتوابل، أمرا مستحيلا خاصة بالنسبة للرجال، بسبب الإقبال الكبير للنساء على اقتناء مختلف المواد الاستهلاكية، لتحضير مائدة رمضان بولايات الأوراس المعروفة وطنيا بغناها في شهر رمضان بأشهر وأشهى الأطباق.
تستعد العائلات الأوراسية على غرار كل العائلات الجزائرية لاستقبال الشهر الفضيل، الذي لم تعد تفصلنا عنه سوى أيام قليلة جدا كل بطريقتها الخاصة، غير أنها تتفق جميعا على أهمية التحضيرات المسبقة لاستقبال هذا الضيف العزيز الذي يزورها مرة في السنة ليكون فرصة للعبادة والتضامن وتبادل الزيارات وعودة أواصر صلة الرحم  وغيرها من العادات الاجتماعية والتقاليد التي تتميز بها الجزائر، وتفضل النساء بباتنة التحضير لشهر رمضان خلال النصف الثاني من شهر شعبان حتى يتفرغن في رمضان الكريم لتحضير مختلف الأطباق التي لا تشاهدها على موائد سكانها سوى في رمضان المعظم.
عمليات تنظيف واسعة للمنازل
وقفت جريدة «الشعب»، على التحضيرات التي تقوم بها عائلات سكان الأوراس خلال جولة استطلاعية قادتها إلى بعض الأسواق الشعبية أين لفت انتباهنا «تهافت» النساء على اقتناء مختلف المستلزمات، حيث أشارت بعض من تحدثنا إليهن أن شهر رمضان بباتنة له نكهة خاصة تدخر لأجله العائلات مبالغ مالية معتبرة لصرفها قبل وأثناء الشهر الذي يستلزم مصاريف إضافية لا تحتاج إليها العائلات خلال الأشهر الأخرى حسب ما أفادت به السيدة «د.ل» التي وجدناها منهكة وسط المدينة تقتني بعض التوابل، وأشارت إلى أنها اعتادت طلاء منزلها تقريبا كل سنة، خاصة المطبخ وغرفة الاستقبال لتكون ملتقى الأهل والأقارب وحتى الجيران خلال تبادل الزيارات المسائية، كما أكدت لنا إحدى السيدات وجدناها مع والدتها بسوق مجاور أنها ستصوم رمضان هذا العام بمنزل والدها كون زوجها منخرط بالجيش الوطني الشعبي ولم يتمكن من الصيام بالمنزل العائلي برفقتها هذع السنة، لذا قررت مشاركة والدتها في كل التحضيرات الخاصة بهذا الحدث الديني الهام.
كما يأتي تنظيف المنزل كأولوية للعائلات التي لم تستطع طلاء المنزل، أما السيدة «ب.م» فأخبرتنا بأنها ادخرت مبلغا معتبرا اشترت به أرائك جديدة وأفرشه لاستقبال الشهر الكريم.
الأواني الفخارية سيدة الموائد رمضانية
بات من الواضح أن عادات كثيرة تغيرت في تحضيرات سكان باتنة لرمضان، حيث طفت في السطح  ظاهرة جديدة غزت جيوب الأوراسين، تتعلق بإنفاق مصاريف إضافية من أجل تغيير عديد الأواني المنزلية خاصة تلك التي تستعمل في تزين مائدة رمضان ، الأمر الذي قادنا إلى سوق»84» الشعبي بقلب الولاية، أين وقفنا على مشاهد لعشرات النساء اللائي أثقلت الأواني الجديدة خاصة الفخارية منها كواهلهن ومنهن من دخلنا في «شجارات وملاسنات» مع الباعة من آجل استلام طلبياتهن المتأخرة وكلهن تتحجج بأنها أول من دفعت القسط الأول من تلك المجموعة المتكاملة من عدة صحون.
تركنا النسوة يتدافعن وانتقلنا إلى محل مجاور غير تجارته من بيع الإكسسوارات المنزلية إلى محل لبيع الأواني الفخارية التي تكون سيدة المائدة الأوراسية لما تضيفه من نكهة مميزة على طبق الشربة بالفريك رغم أسعارها الملتهبة هذه الأيام، حيث يزيد سعر صحن من الفخار متوسط الحجم عن 550 دج، وإن كان صنع تلك الأواني من الفخار سببا مقنعا للتهافت عليها، فلا ترى السيدة «و.ب» مبررا  لشراء أواني جديدة وإن كانت الموجودة في البيت أصلا جديدة، ولكنها مجبرة للرضوخ لضغوط بناتها اللائي اجبرنها على الخروج في هذه الحرارة الشديدة لشراء مجموعة من الأواني الزجاجية لاستخدامها خلال شهر رمضان.
وقد لفت انتباهنا خلال جولتنا عودة الأسواق الفوضوية للظهور والنشاط بكثرة قبيل أيام من حلول شهر الكريم، رغم تعليمات البلدية وخرجاتها الميدانية رفقة القوة العمومية لوضع حدّ لاحتلال التجار للأرصفة فأغلبية النقاط التجارية السوداء التي حاربتها مديرية التجارة بالتنسيق مع مصالح الأمن وبلدية باتنة عادت من جديد رغم الحملات المتكرّرة التي تشنها فرق وأعوان المراقبة التابعة لمديرية التجارة.
التوابل تنعش و العطور الروحانية تزين الأسواق الشعبية
لعلّ من أبرز تحضيرات الشهر الفضيل هو الإكثار من زيارة الأسواق الشعبية، خاصة تلك التي تشتهر ببيع التوابل، حيث قادتنا زيارتنا الخاطفة لبعض محلات بيع التوابل بسوق «الرحبة»، حيث أشار أحد التجار أن التحضير لمثل هذه الأيام استغرق منه وقتا طويلا من جمع أجود وأجدّد أنواع التوابل خاصة تلك التي أصبحت العائلة الأوراسية تعتمد عليها في تحضير أطباق شهر رمضان الكريم  كالفلفل الأحمر والأسود وزريعة البسباس.... وغيرها من التوابل التي تحرص أغلب النسوة التي تصادف تواجدنا معهنّ على أن تكون جديدة حيث ترفض اغلبهن شراء التوابل الموجودة في الأكياس بحجة قدمها، وانتهاء مدة صلاحيتها، وتؤكد في هذا الشأن إحدى السيدات لجريدة «الشعب»، أنها تقوم قبل شهر من قدوم رمضان الفضيل بشراء الكسبر الطبيعي وتنقيته في المنزل ثم القيام بطحنه لدى بائع التوابل ثم إعادة غربلته وإعادة طحنه مرة أخرى، حيث ترفض بشدة شراء الكسبر المطحون مباشرة لأنه حسبها مليء بالحجارة وبعض الأغصان وعديد الأمور التي تفسد نكهته الطبيعية، ونفس الشأن بالنسبة للفريك وهو «سيد» طبق الشربة فلابد حسب ذات المتحدثة أن يتم شراء القمح بداية ثم تكرر نفس عملية تحضير الكسبر، فلم نعد نثق هذه الأيام في كل ما يباع، فلو كان طبق الشوربة في الأيام العادية فلا أحد من أفراد العائلة سيحتج ولكن في شهر رمضان الكريم لا أقبل أن يتناول أحد أفراد عائلتي شربة غير التي تعودوا عليها منذ سنين خلت.
وتزامنا مع «اكتساح» السيدات لمحلات بيع التوابل فؤجئنا باحتكار الرجال لمحلات بيع أعمدة العطور الروحانية كالعنبر مثلا، وهنا أكد لنا احد الرجال أن منزله يتحول خلال شهر رمضان إلى روضة عطرة بفضل عطر العنبر الذي يغزو كل غرف المنزل بعد الإفطار مباشرة، وعن سبب هذا الإصرار في تحويل المنزل إلى «حديقة للعنبر» أكد لنا محدثنا أن ذلك يضفي نوعا مميزا من الأجواء الروحانية التي لا تضاهيها أجواء أخرى في رمضان.
وغير بعيد عن محلات التوابل انتقلنا إلى الجهة الأخرى من الشارع بعد أن فجأنا «صراخ» إحدى السيدات في الهاتف النقال وهي تطالب زوجها بالتريث في عدم شراء كيسي الدقيق واشترطت حضورها الشخصي  لذلك، قبل أن تحذره من تحمل العواقب في شراء دقيق لا يصلح لتحضير «المطلوع» أو «كسرة الخميرة» أو «خبزالدار»، لتقطع المكالمة مباشرة وتتوجه بالحديث لإحدى مرافقاتها بأنها لن تتحمل هذا العام تبعات تسرع زوجها في شراء دقيق لا يصلح حسبها لكسرة الخميرة التي تعتبر ضرورية لتناول الشربة ولا يمكن الاستغناء عنها.
كما أكد لنا أحد الباعة أن الاختصاص مهم جدا في بيع لوازم معينة على غرار مستلزمات تحضير بعض الأطباق بعينها كالطاجين لحلو كالزبيب والبرقوق والمشمش المجفف وغيرها وبالنسبة للبوراك فلا بد من توفر «الديول» لأن أغلب نساء الأوراس حاليا يرفضنّ صناعة البوراك من أوراق الشخشوخة كما كنا سابقا وإن كانت هذه العادة التقليدية الأصيلة لم تندثر نهائيا بعد، ولكن جيل الشابات اليوم يجدن صعوبة كبيرة في تحضيرها بسبب ضيق الوقت والعدد الكبير من الأطباق العصرية التي تزين بها المائدة.
للجانب الروحي نصيب أيضا
وبعيدا عن التحضيرات المادية لاستقبال سيد أشهر السنة الذي تغلق فيه أبواب النار وتفتح فيه أبواب الجنة، هناك الكثير من العائلات الأوراسية التي تتفرغ للتحضيرات الروحية والمعنوية كالاستعداد لصيام رمضان إيمانا واحتسابا، والمشاركة في حملات تنظيف المساجد، إلى جانب التطوع في مطاعم الرحمة، إضافة إلى الحرص على حضور كل حلقات الذكر والدروس القرآنية التي تسبق صلاة التراويح، التي يتنافس رجال ونساء باتنة على أدائها بالحرص على التواجد وراء أمام حافظ وجيد الصوت والتلاوة.