طباعة هذه الصفحة

حدث يوم 22 رمضان

اغتيال البروفيسور جيلالي اليابس على يد الغدر

فتيحة كلواز

في مثل هذا اليوم من 22 رمضان من سنة 1993، اغتيل المفكر البروفيسور جيلالي اليابس أمام مقر سكناه أين كان يستعد للذهاب إلى العمل في الجامعة، تعلّقت تلك الحادثة في ذاكرتي لأنّها ترسّخت بأسئلة لم أعرف جوابها إلا بعد سنوات طويلة كانت للتجربة فيها الدور الأساسي في فك طلاسمها.
في يوم الثلاثاء 16 مارس 1993 توجّهت إلى ثانوية حسيبة بن بوعلي للبنات بالقبة لألتحق بصفي، ولكن في طريقي إليها لاحظت سكونا غريبا أدخل في قلبي حزنا غريبا خاصة وأنّ علامات الحسرة كانت بادية على وجوه المارة، ومع اقترابي إلى الثانوية لاحظت التواجد المكثف لسيارات الشرطة التي كانت تعيش حينها فترة صعبة جدا اختلط فيها الحابل بالنابل.
ومع دخولي القسم ساد صمت رهيب كسره إعلان الأستاذة بأنّنا لن ندرس سوى ساعتين فقط ثم نعود إلى المنزل حتى يتمكنّوا من الالتحاق ببيت جيلالي اليابس الغير البعيد من الثانوية. أتذكّر أنّنا لم نشعر بالسّعادة التي عادة ما يشعر بها الطالب عند إخباره بتوقف الدراسة أو غياب الأستاذ لأنّنا كطالبات لم نستطع فعل شيء أو المشاركة فيما قام به الأساتذة، بل طلبوا منّا التوجه إلى المنزل مباشرة.
ورغم مرور السنوات إلاّ أنّني أتذكّر الحادثة في  كل مرة أجد فيها نفسي أمام ثانوية حسيبة بن بوعلي للبنات، لأنها كانت بالنسبة لي مرتبطة بسؤال مهم هو لماذا يقتل العالم والمفكر وهو أعزل لا يحمل سلاحا ليحمي نفسه؟؟! لكن الاجابة أدركتها بعد سنوات قليلة فقط، فالعلم أعظم سلاح لأنه يصنع المستقبل.
هذا المفكّر الذي استطاع التنظير للمستقبل لم يحبذ يوما ترك منزله العائلي ليعيش وسط أبناء حيه، الذين تعوّدوا منه الاحترام والتواضع رغم رصيده العلمي الكبير في علم الاجتماع الذي أهّله ليكون وزير التعليم العالي والجامعات في 1991، ثم بعد سنتين من هذا التعيين عين مديرا للمعهد الوطني للدراسات الاستراتيجية الشاملة I.N.S.E.G، وقد أشرف على دراسة مستقبلية سميت «جزائر 2005»، هدفها حصر إمكانيات الجزائر وبناء توقع علمي كفيل بإخراج البلد من عنق الزجاجة، والمضي قدما لضمان مستقبل أجيال ما بعد البترول، وفي ظل تسيير أزمة ناتجة عن مؤثرات خارجية أكثر ما هي داخلية صرفة. هو الرجل الذي جعل من العلم سلاحه لمحاربة الجهل كانت نهايته على يد الظلام، الذي يخشى النور والمعرفة منذ أن خلق الانسان هي طوق النجاة لحياة أفضل ومتكاملة بين دين ودنيا، يعيش بهما في سلام مع الروح والذات.