طباعة هذه الصفحة

طرائف في الشّهر الفضيل بالبليدة تنقلها «الشعب»

صائمون يتعرّضون لمواقف كوميدية ساخرة تتحوّل إلى نكـت رمضـانية

البليدة: لينة ياسمين

كلّما حلّ شهر البركة، تجد الصائمون والصائمات يجتهدون في أن يحظوا بحسنات ودرجات، يرتقون بها في طاعاتهم وعبادتهم، ويفوزون  رضا المولى وكرمه بمجازاتهم بالحسنات والفضل الكبير. وفي خضم المشهد الإيماني والعبادة ومظاهر التقوى، يحدث أن يقع صائمون في مشاهد طريفة ومضحكة، تشبه تلك المواقف الساخرة والفكاهية، التي تظهر في الأفلام الكوميدية والسكاتشات أو حكايا الشخصيتين  الأسطوريتين «جحا « وحيله و»أشعب» وطمعه، حتى أن الرائي والشاهد يتخيلها أنها حدثت عن قصد أو تمثيل، لنشر البسمة على وجوه المراهقين من الجوع والعطش.
وقفت «الشعب» وعاشت بعضا من تلك المواقف المضحكة، وقعت في رمضان الجاري ورمضانات سابقة، وعادت لتحكيها في سرد طريف.

الطّرفة الأولى: في لحظات «طومبا» تتحوّل إلى «بومبا»
كان الجميع يتوجّه بقلوب خاشعة إلى القبلة، يصلون نافلة التراويح لنيل الفضل والأجر الحسن، اصطف المصلون بمسجد وسط المدينة، وبالكاد كان فيه موضع ومكان فارغ لشخص آخر، كبّر الإمام وأنصت الجميع لتلاوة عطرة عذبة ارتقت بأرواح المصلين وأسعدتهم، وفرغ الإمام من الركعة الأولى ثم الثانية، وكبر من جديد للركعة الثالثة، كانت الأنوار خافتة لأن نافلة قيام الليل يفضّل فيها المصلون خفت الأنوار للخشوع أكثر وإضفاء جو من التركيز، وقرأ الإمام فاتحة الكتاب، وأردف يقرأ سورة من كتابه الكريم، ودون إنذار مسبق حدثت ضجة في الخلف، بل كانت في مصلى النساء، صراخ وكلام مبهم ارتفع، وما هي إلا ثوان حتى تحول الجامع الى جري وهروب في كل الاتجاهات.
 لم يمض إلا قليل من الوقت حتى لم يبق أحد بالجامع، بل بعض أصحاب الدكاكين بالجوار أغلقوا متاجرهم وأسرعوا في الهروب والاختفاء، وبدأ من بالخارج يسأل ما الذي حدث، وكان الجواب مضحكا إلى حد أن بعضهم اعتقد بأنه تمثيل لمشهد من مشاهد الكاميرا المخفية، وتبين أن مصليا وهو قائم خاشع لفت نظره إلى مخلوق رمادي أغبر صغير يمر بين رجليه، قفز في الهواء ونادى فأر فأر فأر، وقفز الثاني بالقرب منه وتراجع إلى الوراء، ونادى أيضا «طومبا»، أي بمعنى جرذون، وتهاوت في رمشة عين بقية الصفوف، وتداعت وكأنها أحجار الدومينو، لأن البعض البعيد عن موقع الحادث من المصلين، التقطت مسامعه «بومبا» أي قنبلة» وليس «طومبا»، وبعد علم الجميع بالخبر، ضحكوا على الموقف الذي أحرج  مصلين، وفاز الفأر الذي كان يبحث عن طريق إلى جحره، وضاع بين أقدام المصلين، واستنفر الكل في  كاميرا لم تكن موجودة ولم تصوّر المشهد، وعاد بعض من المصلين واصطفوا وراء الإمام وأكملوا صلاتهم وقلوبهم ترتعش من الضحك.

الطرفة الثانية: بسبب نومه آذان المغرب والافطار في غير وقته  
كانت الحرارة جد عالية، إلى حد أن السماء خلت من  طيور « الدوري» المشاكس والحمام الزاجل، وخفت حركة السير وخروج الناس، إلا في ظهور خافت وباهت وقليل، ترى زبونا يشتري خبزا وآخر ظهر في صمت أمام بائع الحشائش، وطلب حزمة قسبرة وحبات ليمون، ليلطف بهم طعم الشوربة أو الحريرة، وغير بعيد عن بائع القسبرة قصد زبون ثالث بائع الزلابية ورابع بائع خبز أو كسرة المطلوع، وما هي إلا لحظات حتى اختفوا في سرعة بين سراب الأرض  وعادوا إلى بيوتهم، فيما بعض من الشيوخ تظلل بمكان تحت أوراق الشجر من حرارة الشمس الحارقة، ينتظرون في صبر مرور الوقت.
 في خضم المشهد الساكن والهدوء الشديدين، ارتفع في فضاء المدينة صوت المؤذن وكبّر وهلّل ونادى إلى الصلاة والفلاح، وختمها بتكبيرة طويلة عريضة، التفت بسببها من كانوا أمام الحوانيت والمتاجر وبدت الحيرة على ملامحهم، ما الذي جرى؟! قد صلينا منذ ساعة صلاة العصر، والوقت ليس بالغروب، ما الذي حدث للمؤذن؟ ولو لم تكن الشمس تطل في كبد السماء، لظن الناس أن وقت الإفطار والغروب حان، وها هو المؤذن الصائم يعلنها في الآذان، ولم تمض على حيرة الناس إلا دقائق حتى عاد المؤذن وأعلن في الناس عن خطأ في احتساب الوقت، والمغرب ما يزال حينه فلا تفطروا، وضحك من كان شاهدا على مزحة كادت أن تفطر الناس، وتبين أن المؤذن غرق في النوم ولما استفاق من مقصورته المظلمة بوسط الجامع، ونظر في الساعة التي تعطل رقاصها في ساعة توافقت مع ميعاد آذان المغرب، سارع إلى الآذان دون وعي وهو يظن أن الوقت تأخر عن الناس وغفل.
الطرفة الثالثة: السحور
استفاق «محمد» وقصد الحمام واغتسل بماء بارد يذهب به النعاس من عينيه، وقصد المطبخ وكم كانت فرحته كبيرة عندما وجد نفسه الوحيد المستيقظ، فالكل كان يغط في نوم عميق وهو سبقهم، فتح الثلاجة وأخرج  طعاما تبقى من وجبة الإفطار، وقطع قليلا من البطيخ وسكب لبنا باردا منعشا، وبدأ يأكل بنهم ولذة وبروية وهدوء حتى لا يوقظ النائمين من أفراد عائلته، أنهى أكله وختمها بجرعات من ماء بارد منعش وحمد الله، وقصد غرفة المعيشة «الصالون» وأشعل التلفاز، وضبطه على القناة الوطنية ينتظر موعد آذان الفجر ليتأكد أكثر من الوقت، وعاد إلى الحمام واغتسل وتوضأ وعاد الى الصالون وافترش حصيرة للصلاة ينتظر المؤذن يعلن دخول وقت الصبح، ولم تمر على اعتداله جالسا إلا دقيقتان، حتى سمع الإمام يسوي بين المصلين ويقول: «قوموا إلى الصّلاة يرحمكم الله»، وأخذ جهاز التحكم للتلفاز وبدأ يبحث عن آذان  بقنوات أخرى، لكن من دون فائدة، وتأكد بأنه تسحر بعد وقت الإمساك وشبع، وهنا أدرك لماذا كان الجميع يغطون في نوم عميق، لأن الكل  تسحّر بينما كان نائما، غلبه النعاس وعجز عن الاستفاق حينما كان الجميع يأكلون وجبة السحور. أطفأ «محمد» التلفاز وصلى الصبح وبين أسنانه بقايا من طعام لذيذ ظل يستطعمه وعاد إلى فراشه يكمل أحلامه.
الطّرفة الرابعة: «آي آي آي» آذانه وقت الافطار
حل وقت الإفطار وغربت الشمس واختفت أشعتها الحارقة، وعمّ سكون وهدوء شديدين، لا حركة في الشارع لا بين المركبات ولا بين المارة إلا واحدة أو اثنتان أو شخص يجري وبيده كيس «شربات» أو علبة قلب اللوز تأخر أصحابها في الوصول الى بيوتهم، وبينما الجميع ينتبه بإمعان وينتظر موعد الآذان، تعالت صرخة ألم من مكبر صوت جامع الحي «آي آي آي»، واستمر التأوه لثوان ثم انقطع الحس، وتوقف الصوت ولم يفهم الصائمون ما الذي حدث، لماذا لم يؤذن ويعلن وقت الإفطار؟ أين هو المؤذن وما سر هذا الصوت الغريب من مكبر المسجد الجامع؟ لم ينتظر بعض من الصائمون وأفطروا مثلما اعتادوا في الوقت المحدد، واعتقدوا أن خللا بمكبر الصوت منع رفع اذان المغرب والافطار.
لما كانت صلاة العشاء والتراويح تقدم بعض من المصلين من إمامهم وسألوه في فضول عن السبب من وراء عدم الآذان، وما سر الصوت الصادر من المسجد عبر مكبر الصوت، ضحك الإمام حتى بانت أضراسه وكشف يقول أن المؤذن الشيخ «الزوبير» تعرض لتكهرب حينما لامس الميكروفون وهو يريد أن يؤذن في الناس عن موعد الافطار، وأنه بدل أن يكبر راح يتأوه ويصرخ لشدة ألم التكهرب، وأنه من حسن الحظ لم يكن الأمر بالخطير، وإلا كان «الشيخ الزوبير» في عداد الموتى، وضحك الفضوليون ولم يتوقّفوا.