طباعة هذه الصفحة

قسنطينة عبق التّاريخ والحضارة

قسنطينة: مفيدة طريفي

طقوس رمضانية مرسّخة في الذّاكرة الشّعبية
الزلابية، النوقة والصامصة تزيّن مائدة العائلات
أنغام المالوف والعيساوة تطبع سهريات مدينة الصّخر العتيق

تشتهر عاصمة الشّرق الجزائري بعاداتها وتقاليدها الضّاربة في عمق التّاريخ والحضارة التي لم تندثر مع مرور الزمن، قسنطينة اليوم تعيش أجواء الشهر المعظم بطقوس وعادات مرسّخة في الذاكرة لا يمحوها الزمن. بمجرّد تجوّلك بأزقّة وشوارع المدينة العتيقة تراودك فكرة معايشة الزمن القديم الذي تشكّله بقايا سيرتا، هي أطلال عادات وتقاليد المدينة الجميلة التي لم يتخل  عنها سكانها. تقاليد تساهم في استمرارها، هي مدينة تتزيّن بجمال أصالتها المتأجّجة من طيبة سكانها، «الشعب» تقف عند هذه الطّقوس وتنقلها بأدق التّفاصيل.

سيرتا اليوم تحتفل بالشّهر الفضيل وسط نفحات المدينة القديمة المتمثلة في أزقة السويقة، القصبة، رحبة الصوف، سوق العصر، الشارع وسيدي جليس، حيث ترى رمضانيات قسنطينة من زاوية أخرى، هي زاوية تكلهلها شوارع لا تخلو من المساجد العتيقة وزوايا تعلو منها تراتيل الذكر وآيات القرآن الكريم.
أزقّة تتزيّن بأجود تقاليد الحياة الرمضانية بدءاً من دكاكين قديمة تعرض أقدم الحلويات على غرار حلوى النوقة، المقرقشات، الكوكاوية والصامصة، لتأخذك رائحة القهوة الزكية نحو دكان صغير يعرض أجود حبوب البن. هذا الدكان الذي قيل إنّه من أعتق الدكاكين بالمدينة ولا يزال القسنطيني ورغم المتغيرات والتطورات يفضّل وجهته، ويفضّل نكهة قهوة السويقة التي علقت بها ذكريات سيرتا العتيقة.
 على طول شوارع قسنطينة، تجد نفسك وسط مدينة جل أزقّتها قديمة تروي عبق التّاريخ والحضارات المتعاقبة وعاداتها وتقاليدها.
في جولة قادتنا إلى إحدى أزقة المدينة والتي انطلقت من حي «سيدي جليس» العتيق، الذي يشتهر بصنع الزلابية والنوقة الشهية التي تصنع بالمكان منذ قدم الزمان، وتعتبر سوقا مموّلا لكافة التجار المختصين في بيع هذه الحلوى التي تنفرد بها مدينة قسنطينة تتراءى لك هذه الصور الحية والمشاهد الخالدة.
نفس الديكور يلمس برحبة الصوف والقصبة، حيث  تستمر رواية شوارع المدينة التي تصل إلى سوق العصر، الذي يعتبر من أقدم أسواق مدينة الصخر العتيق الذي يوفر كافة المتطلبات للمواطن البسيط.
إنّها المدينة التي تستمتع برمضان، وتتسامر بلياليه وسهراته طيلة شهر كامل.
كل السكان على قول واحد وجواب واحد، كلّما سألتهم: «قسنطينة أضحت لا تنام بقدوم ليالي الشهر الكريم، خاصة مع توفر خط الترامواي الذي يعتبر وسيلة نقل جيدة للمواطن القاطن على مشارف المدينة، حيث فسح المجال له للخروج والاستمتاع بليالي وسهرات شهر الرّحمة ..».
نغمات المالوف والعيساوة في كل مكان
 تلاحظ هذا بمجرد خروجك ليلا، عدد كبير للمواطنين الجالسين على طاولات المقاهي والمطاعم التي أضحت تعجّ بالعائلات، يجلسون يستمعون للنغمات والمقاطع الغنائية المتسلّلة عن المسرح الجهوي، هذا الركح الذي يعرض سهرات فنية جميلة تضفي عليها نغمات المالوف والعيساوة جمالا، وهي ذات الوضعية التي تجدها تقام في عديد نقاط المدينة، يضاف إليها حفلات مالك حداد ومسرح الهواء الطلق، هذا الصّرح الذي أضاف للمدينة رونقا وزادها ديناميكية وحركية، ووفّرت للعائلات المتعطّشة لمثل هذه السهرات والحفلات الفنية مجالا للترفيه والاستجمام.
 لا ننسى البرنامج الثري الذي يقدّمه الديوان الوطني للثقافة والإعلام بالقاعة الكبرى «أحمد باي»، والتي انطلقت مع بداية الشهر الكريم حيث عرف ركح «الزينيث» مرور أسماء فنية متميزة على غرار الفنانة القديرة «نعيمة الجزائرية»، «سليم الفرقاني»، «محمد السقني»، وغيرهم من نجوم الطرب الذين صنعوا سهرات رمضان، هذه السهرات التي لا تزال متواصلة بعد أيام العيد.
أحمد باي، ملاية نساء سيدي راشد قهوة النجمة..حكايات لا تنتهي
 قسنطينة هذه المدينة العتيقة التي تحس وأنت في حضرتها المضيافة بجود سكانها وأصالة عاداتها وتقاليدها، تحس وأنت تتجوّل وسط لياليها يراودك شعور بأنك تحاور زمن أحمد باي وتعانق ملاية نساء سيدي راشد، وترتشف قهوة «النجمة» الأصيلة بشارع العربي بن مهيدي أين يتجمّع سكان الحي العتيق نسمات الماضي ويتبادلون قصص الحياة، لتجذبك أضواء المحلات المفتوحة التي يتوافد عليها المواطنين والعائلات قصد اقتناء ملابس العيد لأطفالهم هذه الاستعدادات التي اتسمت بالنوعية والكمية وكذا الغلاء الساحق للأسعار، هي ليالي رمضان بقسنطينة التي تضفي عليها الاستعدادات الخاصة بعيد الفطر ذوقا مميزا وأجواء فريدة.
 الاستعدادات لعيد الفطر بين غلاء الأسعار وبهجة الأطفال
إلى جانب السّهرات الرمضانية تحوّلت اهتمامات العائلات القسنطينية مع اقتراب عيد الفطر المبارك إلى انشغال آخر، ألا وهو اقتناء بذلة العيد الجديدة التي تحوّلت إلى كابوس حقيقي عنوانه غلاء وتضارب الأسعار.
قفزت الأسعار في يوم وليلة إلى أعلى المستويات، تتجاوز وقدرة المواطن البسيط الذي يطمح إلى إدخال الفرحة الى قلوب أطفاله، حيث أكّد أحد المواطنين بوسط المدينة لـ «الشعب»، أنّه بصدد التوجه نحو المحلات التجارية لشراء بعض المقتنيات استعدادا لعيد الفطر من بينها متطلبات الحلويات وما تحتاجه السينية القسنطينية، وكذا اقتناء بذلة العيد للأطفال. وهي مصاريف أثقلت كاهل العائلات.
قالت لنا سيدة صادفناها بإحدى المحلات لبيع الملابس الجاهزة، أن سعر البذلة الواحدة لطفل في الثالثة من عمره تتجاوز ٦ آلاف دج، فما بالك أن تكسو 4 أطفال خاصة عندما تكون العائلة محدودة الدخل. هي إذن الفرحة التي ينتظرها الأطفال والمعاناة التي يعيشها الأولياء في توفير ما يحتاجه الأبناء لتبقى العائلات الجزائرية رهينة الزيادة في الأسعار في جل المناسبات، التي تعتبر فرصة للباعة لتحقيق الربح السريع دون حسيب أو رقيب.