طباعة هذه الصفحة

رمضان في بلادهم

مسابقات للخيل وطبق الغائب والنذور..سماته في أذربيجان

لرمضان في قلوب سكان اذربيجان مكانة كبيرة حكومة، وشعباً، فالدولة - رغم توجهها العلماني – تدعم مساعي زيادة الوعي الديني لمواطني البلاد، وتخصص أوقاتًا في التلفزيون الحكومي لتقديم برامجَ ومسلسلاتٍ دينية عن هذه المناسبة المباركة، ويتم عمل برامج للتوعية الدينية بأحكام الصيام، والصلاة، والزكاة، تحت إشراف المفتي الرسمي للبلاد، وتزداد جرعات بث البرامج الدينية، وكذا التلاوات القرآنية المختارة لأشهر قراء العالم الإسلامي، تشعرك بأنك في إحدى الدول العربية، يساعد على هذا الشعور أن الشعب الآذري يشبه إلى حد كبير الشعوب العربية، في عاداتها، وتقاليدها، وشجاعتها، وكرمها، ونخوتها، وحبها، وإحسانها للجار.
وإذا ما أقبل الشهر الكريم وجدت أن الشعب الآذري، يمارس طقساً فلكولورياً، فريداً، للاحتفال باستقبال هذا الشهر المقدس لديهم، إذ يقيمون مهرجانات، ومسابقات، للخيل فيما بينهم، تمتد لأكثر من أسبوع قبل بداية الشهر، ويتبادلون فيه التهاني بشكل كبير. 
 وللشعب الآذري المسلم عادة يتفرد بها عن كل شعوب الدنيا، في هذا الشهر الكريم، وهي عادة (الوفاء بالنذور)، فإذا كان أحدهم قد قطع على نفسه نذرًا عندما كان واقعًا في أزمة ما، فإنه يوفي بنذره خلال هذا الشهر الكريم، سواء بزيادة العبادة، أوبكثرة الدعاء، أو بنذر صيام أيام أخر بعد رمضان، كما يقدم للفقراء مما وهبه الله من الخير، وأسبغ عليه من النعم.
ولشهر الكريم عند الآذريين قداسة وحرمة خاصة، فهم يحرصون فيه على أن يجتهدوا أكثر بالالتزام بالتسامح، والتغافر، وسموالروح والأخلاق، والبعد عن نقائصها، ونواقضها، ونسيان أسباب الخلاف، والشقاق، والتناحر، ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا.     وللجود والكرم عندهم طقوس وعادات، فالأسر المتجاورة تتبادل إهداء الأطعمة والحلوى فيما بينها، حتى تكاد تتشابه موائد الجيران جميعاً، وللفقراء والمساكين النصيب الأكبر مما تجود به بيوت الآذريين، حتى وإن تباعدت المسافةُ فيما بينهم هذه المرة.
تتجمَّع العائلات الآذرية قبل الإفطار ويقوم أحد الأشخاص من كبار السن وممن يقرأون العربية، بتلاوة القرآن أمام نفر من الشباب الذين لا يفهمون العربية ويشرح لهم معاني الآيات من خلال ترجمتها إلى اللغة الآذرية، وكذلك يتحلقون لدراسة علوم الدين المختلفة، في مشهد رائع للتواصل، والتراحم، فإذا ما غربت شمس النهار، وارتفع آذان المغرب، وتعلقت القلوب برجاء القبول، كان للتمر واللبن السبق في كسر ساعات الصوم، ولطبق الشوربة مكانة أساسية في المائدة الرمضانية هناك، فلا يبتدأ الطعام إلا به. ومن أشهر الأطعمة والمأكولات الآذرية الرمضانية، (الضلحة)، وهي خليط من ورق العنب، ولحم الضأن، والبصل، والخضروات، والحمص المبلل، والتوابل، أما الـ (بلوف) أي «الرز» فهوطبق رئيسي يتمتع بشعبية كبيرة، وهناك الـ (قاوورما) الذي يُطبَخ من لحم الدجاج والبقر وشحم الكلية والبيض والسمك ولحم الطيور والبصل والدقيق والفواكه المجففة والزعفران والبهارات والخضراوات، وأيضاً هناك أنواع عديدة من الأسماك مثل «سمك كوكو» المدخن.
 وتتنوع أصناف المائدة الآذرية بتنوع أساليب المطبخ الأذربيجاني - وهو مزيج من المطبخ الروسي والتركي -  والذي يعتمد بشكل كبير على التقاليد القديمة، والطبخات الشرقية.
والغائب عن المائدة الأذربيجانية (دوماً له نائب)، فعادة (الطبق الزائد)، أو (طبق الغائب)، هي عادة آذرية أصيلة، فإن غبت أوتأخرت قليلاً، فلا تقلق، فـ (طبق الغائب) في انتظارك.
أما عن الليالي الرمضانية في باكو العاصمة، فتتجلى بإقامة صلاة القيام (التراويح)، بالمسجد التركي الذي تم إنشاؤه في أوائل التسعينيات حيث يقبل مئات المواطنين الآذريين، على أداء هذه الصلاة..أضف إلى ذلك المواطنين الأتراك وأعضاء الجاليات الإسلامية الذين يقومون بتنظيم إفطار جماعي يشبه موائد الرحمن في دول العالم الإسلامي منذ أذان المغرب حتى السحور قبل أذان الفجر، كما تقوم بعض سفارات الدول الإسلامية بتوزيع بعض الكتيبات والإمساكيات الإسلامية على مواطني أذربيجان توضح لهم فضل الشهر الكريم وتوقيت الإفطار والسحور.
سيظل شهر رمضان لدي كل شعوب العالم الإسلامي، على اختلاف ثقافاتها، وتركيباتها العرقية المختلفة، هوالمظهر الأكثر رواجاً، وتسويقاً لسلوكيات تلك لشعوب، التعبدية، والاجتماعية، ومدى تمسكها بتلك الهوية الدينية في موسم، تُرفعُ فيه العبادة والعمل الصالح إلى الله، وتستقبل فيه عيداً، تزينه سعادة الإحساس بقبول تلك العبادات.