طباعة هذه الصفحة

«ايكوسيم».... والأصدقاء العشرون

تقول أسطورة يونانية بأن هرقل اليوناني العظيم ابن الإله جوبيتر كان مبحرا في إحدى رحلاته الطويلة من أجل تحقيق إحدى عجائبه المثيرة منها الفصل بين جبال سكا لبي ـ وجبال أبيك - ولما وصل هرقل العظيم وأصحابه العشرون إلى المكان الذي تقوم عليه الجزائر العاصمة حاليا، توقفوا لأخذ قسطا من الراحة بعد رحلة بحرية شاقة، وبعد معاينة قصيرة أعجب رفاق هرقل العشرون بالمكان وما حول المكان ووجدوا أنها منطقة مناسبة للراحة والهدوء ولم لا اللاستقرار... وبعد تفكير وتشاور فيما بينهم قرروا البقاء... أما هرقل العظيم ابن الإله ـ جوبيتر - فقد تابع رحلته البحرية إلى أن بلغ البرزخ الذي يفصل بين شبه جزيرة ـ أيبيريا - والمغرب الأقصى فشقه، وبذلك حقق معجزته ووصل بين البحرينّ وظلّ هذا المضيق يعرف باسم  «عمود هرقل» ـ جبل طارق حاليا - لقرون عديدة..
 أما رفاقه العشرون الذين انفصلوا عنه فقد اتفقوا فيما بينهم على بناء مدينة وأطلقوا عليها اسم «إيكوسيم» أي مدينة العشرين.. ولكن كل هذا ليس إلا مجرد أسطورة.
في سنة 1940 عثر علماء الآثار في حي ـ باب الجزيرة - على 158 قطعة نقدية، معظمها من الرصاص والباقي من البرونز سكت في مابين القرن الثاني والأول قبل الميلاد، يحمل أحد وجوهها صورة لامرأة على رأسها تاج وأمامها رمز النصر، وعلى الوجه الثاني نقشت صورة رجل واقف على قاعدة صخرية ومتوج بتاج له ثلاث أسنة تشبه الأشعة توحي إلى هيئة الإله الفينيقي ـ بعل يكسوه قميص ويتدلى على كتفه الأيسر خرج من جلد حيوان، وقد كتب على الوجه من القطع النقدية كلمة :إيكوسيم -   ikosim «... وبذلك تمّ العثور ولأول مرة في الأبحاث الأركيولوجية على الاسم القديم للمدينة، وهو اسم فينيقي..
 كان الهدف الأساسي للفينيقيين من بناء مدينة ـ إيكوسيم ـ هو بناء ميناء تأوي إليه السفن التجارية للراحة والتزود بما تحتاجه من مياه، وتكوين محطة تجارية يبادل فيها الفينيقيون بضائعهم ببضائع الأهالي.
 وقد أحسن الفينيقيون في اختيار الموقع الذي تحول إلى سوق رائجة تأتي إليها البضائع من البر والبحر، وتحول الميناء البسيط إلى مدينة تجارية ذات صيت في حوض البحر المتوسط يقصدها التجار من البر، وهم الأهالي البربر حاملين إليها بضائعهم من أصواف وعاج وجلود وإنتاج حيواني، ويقصدها التجار من البحر حاملين إليها الأواني الزجاجية والفخارية والأصباغ والعطور والأسلحة والمنسوجات. وكان لهذا النشاط التجاري أثره على تعمير ـ إيكوسيم - حيث أصبح مع مرور الوقت من أهم المدن الشاطئية للتجمعات السكانية يزدحم فيها الأهالي والفينيقيون الذين تمّكنوا أخيرا من ربطها سياسيا واقتصاديا بمدينة قرطاجة، حتى لا يتركوا أي ثغرة لليونانيين، وهم من أكبر منافسيهم في حوض البحر الأبيض المتوسط... وقد اتخذ الفينيقيون من محطاتهم التجارية مستعمرات ومراكز الانطلاق وللإشراف والسيطرة السياسية والتجارية. وقد دامت هذه السيادة فترة من الزمن تزيد عن الخمسة قرون. وهي الفترة التي كانت تنموا وتتبلور فيها، في شبه جزيرة إيطاليا قوة جديدة هي القوة الرومانية، التي كانت تنتظر الوقت المناسب واللحظة الحاسمة للانقضاض على الدولتين العجوزين من يونان وفينيقيين.