طباعة هذه الصفحة

إرادة «هـنَّ» روّضــت آلامـه

نساء جعلن من سرطان الثّدي نقطة تحوّل إلى الأفضل

استطلاع: فتيحة ــ ك

 تجربة تكـتب تفاصيلها نسـاء رفضنّ البقـاء على هـامش المجتمــع

عند اختصار الحياة في كلمة واحدة يصبح من الصعب كتابة تفاصيل أيامها لأنها بدايته ونهايته ستكونان متشابهتان تماما متعلقتان بسرطان الثدي، ولكن نفخة أمل واحدة في رماد روح خامدة ستشعل إرادة مستسلمة لقدرها لتهب إلى فوق لتتحوّل في لحظة من بقايا إنسان إلى عزيمة تكسر الجبال لتعيش غدا أفضل.
التقت «الشعب» ثلاث نساء رضاهنّ بقضاء الله وقدره منحهن القوة ليكن كتلة من الطاقة الايجابية، ما جعلهنّ مثالا يحتذي به ورغم معاناتهن مع مرض العصر إلا أنهنّ أثبتنّ أن المرض لا يهزم إلا الضعفاء.

«كشـف  في داخلــي امرأة لم أعرفهـا مـــن قبـل»

«حفيان نادية»، سيدة في الـ 58 سنة ، عاشت لسنوات طويلة بصفة عادية كمعلمة وزوجة وابنة، ولكن في سنة 2005 طرق باب حياتها زائر غير مرغوب فيه ليدخلها عنوة، ويصبح أحد المحاور المهمة فيها بل «نادية» قبله ليست نفسها تلك بعده، ففي زيارة عادية لبعض العائلة خارج العاصمة وبينما هي في الحمام اكتشفت وجود تيبس أو (حبة) في ثديها ما جعلها تزور طبيبة مختصة في أمراض النساء بمجرد عودتها إلى منزلها، الأخيرة نصحتها بزيارة طبيب مختص في حالتها وهناك طلب منها إجراء تصوير ضوئي و»ماموغرافيا»، عندها اكتشفت إصابتها بسرطان الثدي الذي أجبرها على إجراء عملية جراحية لاستئصال الورم و بعدها الخضوع لجلسات العلاج الكيميائي، طبعا في تلك الفترة عاشت كل تفاصيل العلاج من هزال الجسم، تساقط الشعر، التعب وكل التأثيرات الجانبية  التي تصاحب المريض في تلك الفترة.
قالت «حفيان نادية» بكلمات تعكس الثقة والقوة التي تسكن داخلها أنها تقبلت المرض في أول لحظة علمت فيها بإصابتها بل كانت أكثر قوة من المحيط الذي بكى كثيرا عليها عند معرفته بالخبر، ولكنها في المقابل وجدت بجانبها زوجا لم يتخلى عنها في محنتها وزملاء عمل لم ينسوا العشرة التي جمعتهم في مكان العمل بل حتى تلامذتها كانوا هم كذلك معها رغم صغر سنهم لأنها كانت دائما بالنسبة لهم الأستاذة التي تفانت من أجلهم ومن أجل مستقبلهم، وهذه جرعة ثقة لا يُستهان بتأثيرها على نفسيتها وشخصيتها، بل هي عامل فاصل في معركتها ضد سرطان الثدي.
بعد خضوعها للعملية استفادت من عطلة مرضية طويلة الأمد، حدّد الطبيب مدتها بثلاث سنوات كاملة، الأمر الذي جعلها تفكر في طريقة لتملأ بها الفراغ الذي لم تعهده من قبل، فما كان منها سوى البدء في عمل جديد يسمو بإنسانيتها بل وصفته بالدواء الذي طالما احتاجت إليه في محنتها، لذلك بدأت في زيارة المرضى في المستشفيات وفي مختلف المناسبات تشتري لهم هدايا وتذهب لتتحدث معهم
وتخبرهم بما عانته من قبل، وأنها اليوم معهم جالسة وكأنها لم تمرض من قبل،
ولكن القدر أراد أن يمتحنها مجددا وأصيب ثديها الثاني بالسرطان في 2013، ولكنها كما كانت دائما صابرة ومتصبّرة ولم تخضع لمعاناتها بل زادتها ثقة في أن الأجل لا يكتبه سرطان أو مرض بل هو ساعة في علم الغيب لكل واحد منّا كرَّةٌ فيها.
وإن كان المرض بالنسبة للبعض انتكاس هو بالنسبة لها باب فتحت لفعل الخير ومساعدة الآخرين، لذلك انضمت إلى جمعية «الفجر» لتكون متطوعة فيها، وفي نفس الوقت مريضة تتلقى المساعدة، ولعل أهمها مجموعة الكلام التي تحلي فيها المريضات للتحدث عن مرضهنّ ومعاناتهنّ اليومية معه، ففي كثير من المراد تجد «نادية» نفسها أحسن من كثيرات خاصة تلك اللواتي يتخلى عنهن الزوج عند إصابتهنّ بالمرض معلنون عدم صلاحيتها كزوجة، كتلك التي تخلى عنها زوجها عندما علم بإصابتها بسرطان الثدي، حيث أصبح ينفق على نفسه فقط أما أبناءه الستة وزوجته المريضة، فلا يبالي بهم رغم انه يعيش معهم في بيت واحد.
«السّرطان علّمني الحلم»

«لونيسي نادية»، امرأة أخرى التقتها «الشعب» لتتحدث عن معركتها مع سرطان الثدي الذي كان السبب في تغير حياتها ونظرتها إليها، فكانت إصابتها في 2015 مرحلة جديدة لم تعرفها من قبل خاصة بعد تخلي العائلة عنها.
وفي هذا الصدد قالت «لونيسي نادية»: «بعد وفاة والدتي بشهرين تقريبا شعرت بألم شديد في ثديي الأيسر ما جعلني أزور الطبيب لمعرفة السبب أين طلب منها إجراء ماموغرافيا أين كشفت النتائج إصابتي بسرطان الثدي، لذلك طلب مني الطبيب تحاليل أخرى تخص نسيج الخلايا وبعد بحث مضن وجدت مخبرا في باب الواد لإجرائها بعد أيام ظهرت النتائج، والمفاجأة أنها مغايرة تماما للتشخيص الأول، فقد أكدت إصابتي بتورم بسيط (حبة) غير سرطاني ولكن رغم ذلك وجّهني الطبيب إلى مصلحة بيار وماري كوري لمكافحة السرطان بمستشفى مصطفى باشا الجامعي لاستئصاله».
في اليوم المحدّد لإجراء العملية توجّعت «نادية» إلى المستشفى حتى يتم تحضيرها للعملية، ولكن الطبيب الجرّاح الذي كان من المفترض أن يشرف عليها لم يأتي لذلك غيم جرّاح آخر والذي رفض إجراء العملية، وعند استفسارها عن السبب أخبرها أنها مصابة بسرطان الثدي، وعليها إحضار ورقة قبل العملية للبدء في العلاج الكيميائي مباشرة بعد الانتهاء منها، كان وقع الخبر عليها كبيرا وشديدا فقد ارتفع ضغط دمها وأصيبت بحالة من التوتر الشديد ما استدعى إلغاء العملية وإعادة فحصها وطلب منها إعادة تصوير الرنين المغناطيسي (IRM) الذي كشف إصابة الثدي بورم، ولكن في الجهة السفلية من الثدي على عكس تشخيص الطبيب ما أدخله في حيرة، ولكن بعد تحاليل شاملة تم تحديد موعد العملية بعد ثلاثة أشهر، أجرت العملية لتجد نفسها وحدها بعد تخلي والدها عنها، ولكن جمعية «الفجر» كانت عائلتها التي وقفت بجانبها، ومنحتها الثقة في نفسها من أجل تجاوز محنتها لأنها الوحيدة التي ساعدتها ماديا ومعنويا جعلها تتحول من مريضة إلى متطوعة تساعد من هنّ مثلها يعانين سرطان الثدي، خاصة وأن بعضهنّ لا يستطعن تجاوز ألمهنّ ومرضهنّ.

«رحلتي مع السّرطان بدأت في 23 سنـــــة»

اشتركت مع «نادية حفيان» و»نادية لونيسي» في كونها عانت من مرض السرطان لم يكن في الثدي إلا أنه سكن دمها وارتبط اسمه به حتى شفيت منه تماما لتعود إلى حياتها من بعيد، عيونها الخضراء تأخذ الناظر إليها في أعماق روحها التي روضت لسانها على ترديد كلمة زكاة نفس لتكون مرادفة للمرض، لذلك استطاعت رغم صغر سنها أن تتجاوز السرطان.
هي فتاة في مقتبل العمر لم يتجاوز عمرها الـ 28 سنة اصطدمت مع المرض في 2013 أين كانت تبلغ 23 سنة، زارت الطبيب لشكها في إصابتها بالتهاب في الحنجرة ولكن التحاليل الطبية أفضت إلى التأكد من إصابتها بورم في حنجرتها استدعى خضوعها لعملية جراحية لاستئصاله، ولكن بعد عشرين يوما فقط بدأ تورم يظهر على رقبتها، فحصها الطبيب وأخبرها أنها تورمات ستة يجب استئصالها بسرعة بمستشفى مصطفى باشا، وبالفعل بدأت في العلاج الكيميائي ولكن وفاة والدتها قلب حياتها رأساً على عقب لأنها كانت السند الذي منحها القوة لمواجهة المرض، وأدخلتها في غيبوبة مدة شهر كامل، ما أدى إلى تطور حالتها الصحية وتغلغل السرطان إلى رئتها بـ 5 سم، واكتشاف إصابتها بسرطان الدم، الأمر الذي جعل طبيبتها المشرفة على حالتها تطلب منها الذهاب إلى المغرب أو فرنسا ولكن إمكاناتها المادية منعتها من ذلك.
وحتى تتفادى الطبيبة انتكاستها صحيا ضاعفت من علاجها الكيميائي، وبالفعل في سنة 2015 شفيت من المرض تماما ولكنها بقيت مرتبطة بعالم الصحة أين تطوعت في جمعية «الفجر» لمساعدة المرضى بعد أن كانت رفيقتها في رحلتها مع المرض، واليوم هي بجانب شقيقتها التي أصيبت بسرطان الثدي لتعلمها أن الأمل دائما موجود والشفاء حقيقة وليس حلما.

في الأخـــــــير

تلك نساء ثلاث اختلفت أعمارهن واجتمعت قوة إرادتهن في محاربة كلمة سرطان، التي أصبحت مرادفة للخروج من الفعالية الاجتماعية، هنّ نساء قاومن المرض وجعلنه خطوة مهمة في حياتهن تكشفت معها إرادة قوية لم يعرفنها في أنفسهن من قبل، لتكن مع مرور الوقت أكثر إنسانية وأكثر عطاء للآخر لأن المرض علمهن أنّ الإنسان قوي بالآخر.