طباعة هذه الصفحة

العطور المعبأة

ثمنها البخس يفتك بصحة مستعمليها

استطلاع: فتيحة /ك

 الأسواق الفوضوية والموازية المكان المفضل لترويجها

هي علامات عالمية تباع في عبوات بأحجام مختلفة يحدّدها السعر الذي يطلبه الزبون السعيد بالثمن الزهيد وبالصفقة الرابحة التي عقدها في اقتناء عطر ذاع صيته بين المشاهير بأقل التكاليف الممكنة، في الاستطلاع التالي رصدت «الشعب» آراء المواطنين في العطور المعبئة التي أثبتت التحاليل أنها غير مطابقة للمواصفات المعمول بها.


«بعد سنوات من استعمالها أصبت بالحساسية»
محمد شوماني، محاسب في إحدى الشركات الخاصة، أجاب عن سؤال «الشعب» حول العطور المعبأة قائلا: «عرفت محلات بيع العطور المعبأة انتشارا كبيرا في العشر سنوات الأخيرة بسبب الإقبال اللافت عليها فمن الصغار إلى الكبار، يبحث الجميع عن العلامات العالمية بأزهد الأثمان ولعلّها الطريقة التي ابتكرها الجزائري من أجل التعطُر بعلامات ارتبط اسمها بمشاهير العالم من فنانين وممثلين بأقل تكلفة، ولن يختلف اثنان في أن الأمر تجاوز المعقول فحتى الأغنياء صاروا ينافسون محدودي الدخل في هذا».
وأضاف محمد قائلا: «كنت واحدا من أولئك الذين تستهويهم هذه المنتجات، فقد كنت أشتري قارورة بـ 500دج من عطري المفضل كل شهر، ولكن مع مرور السنوات أصبت بنوع من الحساسية منعه الطبيب المختص عني بسببها، بل أكثر من ذلك بعد إجراء التحاليل اخبرني أن هذا النوع من العطور هو السبب، فيما حصل لي خاصة وأنها مجهولة المصدر وإن أكد بعض مستورديها أنهم يجلبونها من فرنسا وغيرها من الدول الأوربية».
جلال، شاب لا يتعدى عمره عشرون سنة، هو أحد الباعة الذين يعملون في الشوارع للترويج لمثل هذه المنتجات، وجدناه على جسر 2 ماي يحاول استمالة المارة لشراء عطره المعبأ في عبوات تشبه القلم بثمن بخس لا يتعدى 250 دج، سألناه إن كان هناك إقبال عليها فقال: «منذ سنتين عملت في احد محلات العطور بباب الزوار أين تعلمت الطريقة التي يتمّ بها تحضير العطر حسب طلب ورغبة الزبائن الذين كانوا من مختلف الطبقات الاجتماعية والمستويات الثقافية فكلهم يبحثون عن العلامة العالمية بأقل سعر ممكن، ورغم الفارق الكبير بين سعرها الحقيقي في السوق وبين ما تقدمه محلات بيع العطور المعبأة لم يجد الزبون حرجا ولم يتساءل عن سببه فكل ما يريده هو قارورة تحمل في داخلها اسما عالميا يتفاخر به أمام زملائه وأصدقائه».
و أضاف جلال قائلا: «عملي في ذاك المحل جعلني اطلع على طريقة تحضيرها عن قرب، فقد كان صاحب المحل يذهب بين الفينة والأخرى إلى الخارج لإحضار المادة الولية أو المادة الخام للعطر، كان يستوردها في براميل كبيرة تشبه الصهاريج، والغريب أنك لن تجد أي كتابة عليها تدلُك عن مصدرها أو البلد الذي استوردت منه، أتذكر أن صاحب المحل كان يعيد تعبئتها في براميل اصغر ليوزعها على مجموعة محلات العطور التي يملكها، ثم نقوم بوضعها في قارورات زجاجية تحمل كل واحدة اسم علامة عالمية لعرضها على الزبائن في المحل، وهناك يتم تحضير العطر أمامه بإضافة الكمية الكحول التي يريدها وحسب التركيز الذي يطلبه».
 في ذات السياق، واصل جلال حديثه إلى «الشعب» قائلا: «كنت قبل عملي في هذا المجال أقتني هذا النوع من العطور ولكن بعد اطلاعي على أسرار استيراده وتعبئته أصبحت أفضل شراء الأصلي وإن غلا ثمنه، فهو على الأقل مجرب في المخابر وعلى قارورته تجد كل المعلومات الضرورية عن مكوناته والشركة المنتجة له، خاصة بعد أن جاءت إحدى السيدات شاكية من المنتج إلى صاحب المحل الذي رفض الإصغاء لها أو إعطاءها تعويضها لأنها لا تملك دليلا على أن العطر من محله، فالقارورات المستعملة لا تملك أي إشارة إلى المحل الذي تصنعه، أتذكر تلك المرأة التي احمرت رقبتها بعد استعمالها للعطر وأخبرتنا أنها أصيبت بحروق على بشرتها استدعت تدخل طبيب الجلد لتفادي الأسوأ».

«طرق ملتوية لتسويقها وبيعها»
نزيهة 34 سنة، موظفة كان لها رأيها في الموضوع قائلة: «كنت لسنوات طويلة من الزبونات الوفيات لهذا النوع من العطور المقلدة لأنها تمنحك الرائحة الفواحة والسعر المناسب في نفس الوقت ولكن مع مرور الوقت أصبت بحساسية في الجلد كان سببها تلك العطور التي تنافس العلامات العالمية في الأسواق الجزائرية، والغريب أن الكثير من القصص تحاك حولها ولكن عند سماعي لإحدى المعلومات توقفت وبصفة نهائية عن استعمالها، فقد اخبرني احد معارفي أنهم يضيفون «البول» أكرمكم الله إليها لإعطائها اللون المناسب للعطر، كان الأمر بالنسبة لي رهيبا، لأنني لم اصدق إن الغش يصل إلى هذا الحد، سألت طبيب الجلد الذي أتابع عنده حالتي الصحية فأكد الأمر وقال أن هناك بعض الحالات بقيت في المستشفى لشهور بسبب تلك العطور المقلدة التي لا تحترم المطابقة في المكونات، خاصة وأن البعض يستوردها بطريقة مشبوهة من الصين ويدخلها بطرق ملتوية إلى الأسواق الجزائرية».
وأضافت نزيهة قائلة: «كان عليّ من البداية عدم إهمال فارق السعر بين العطور الأصلية أو العلامات العالمية والعطور المقلدة لا يمكن أن يصل الفارق إلى أكثر من 10 آلاف دج، ولكننا كمستهلكين تعودنا البحث عن الأرخص دون البحث عن آثاره الصحية أو مكوناته أو طريقة تحضيره، فحتى الكحول المستعمل يجب مراقبته لأنه أنواع كثيرة القليل منه يصلح ليستعمل في صناعة العطور، هذه المعلومات لم أكن اعرفها من قبل ولكن إصابتي بالحساسية منحني الفرصة لزيارة الطبيب الذي أطلعني على الكثير من المشاكل الصحية، خاصة المتعلقة بالجلد والبشرة التي يعانيها من هم مثلي من الباحثين عن عطر عالمي بثمن بخس».
سميرة – ب، 40 سنة، قالت عن الموضوع: «أتساءل دائما عن سبب بقاء مثل تلك المحلات تمارس نشاطها رغم كل ما يحوم حولها من إشاعات ومن إصابات بالحروق والحساسية بسبب ما تبيعه من عطور، بل وصل بالبعض إلى رش العطر على يدك عنوة في الشارع دون طلب إذن، وكأنه اعتداء صارخ على حريتك، فلا يسأل صاحبها عن رغبتك من عدمها في وضعه، لتجد نفسك ملزما بشم تلك الرائحة وليس العطر والتي غالبا ما تتحوّل الى رائحة كريهة عند تفاعلها مع الحرارة والعرق، وهذا أمر فظيع وغير مقبول تماما، فلو كان العطر ملائما لما بيع في الشوارع وفي الأسواق الموازية، ورغم معرفة الجميع والجهات المعنية بالأمر لا احد يتحرك لإنهاء تلك الانتهاكات ضد المستهلك الذي وجد نفسه مسلوب الحق في الاختيار لتبقى هذه العطور هي محاولة مضللة لإغرائه».
حذار مواد تدمّر جمالك ..!
نصيرة شرقي مختصة في التخذير والإنعاش بالمستشفى الجامعي مصطفى باشا أشارت في حديثها إلى «الشعب» الى المشاكل الصحية المرتبطة بهذا النوع من العطور المقلدة قائلة: «الاستعمال العشوائي للعطور المقلدة جعل من اغلبها مادة مضرة تتسبب في الكثير من المشاكل الصحية بدء بالحساسية التي تعرف انتشارا رهيبا وسط المستهلكين الذين أراهم يتحملون المسؤولية
في انتشار مثل هذه التجارة التي تكون على حساب صحتهم، لأنهم أهم طرف في معادلة العرض والطلب ورغم التحذيرات المستمرة منها من طرف السلطات المعنية خاصة مواد التجميل كالعطور والماكياج التي تباع في الأسواق الموازية وفي ظروف حفظ غير قانونية، فعلى المرأة أن تعي أنها بشرائها من تلك الأماكن تتلاعب بجمالها لأنها تدمر بشرتها وجلدها بمواد مقلدة ضارة لا نعرف مكوناتها الحقيقية، واستغرب من تلك المرأة التي تشتري قلما عيون مقلد بـ 200 دج وتضعه في عينها دون خوف من العمى أو من أي حساسية تصيبها، وأستعجب من تلك السيدة التي تشتري عطرا بـ250 دج وتضعه على جلدها رغم أن العبوة لا تحمل أي إشارة إلى اسم المنتج أو المستورد أو حتى مكوناته، وتشتريه من مراهق أرغمها على شرائه من الشارع بإلحاحه ووضعه له عليها دون طلب منها، تشتريه تضعه هي وصغارها دون علم منها أن مكوناته المجهولة تصل إلى مركبات الجلد والدماغ ولا تعلم أنها ربما قد تكون سببا في مشاكل صحية جدية لها ولأبنائها».
 واستطردت نصيرة شرقي قائلة: «ليست المرأة المعنية الوحيدة بهذا المنتج فالرجل كذلك من الزبائن المميزين لمحلات العطور المقلّدة، ورغم كل التحذيرات التي يطلقها الأطباء، إلا أن الثمن الزهيد عمى بصيرة المستهلك عن الأضرار الممكن حدوثها، ويجب أن يعلم هؤلاء أن المستورد يقوم باستيراد المادة الخام للعطور غالبا من الصين وفق قائمة معينة من المكونات والتي
تكون بأرخص الأثمان ثم يؤتى بها إلى الجزائر لتباع على أنها مادة مطابقة أو خام للعلامة العالمية، وقد وصل ببعضهم إلى استعمال «البول» اكرمكم الله لتثبيت العطر لاحتوائه على مادة «اليوريا المثبتة» ولعلها الحقيقة التي يجهلها أكثر مستعملي مثل هذه العطور التي هي في الحقيقة غطاء للربح السريع والسهل».
تصل إلى المستهلك بطرق ملتوية
كشف محفوظ حرزلي رئيس الاتحاد الوطني لحماية المستهلك لـ «الشعب» أن العطور المقلدة التي تباع في محلات خاصة أو في الشوارع تتسبب في كثير من الأحيان في مشاكل صحية كالحساسية وحروق الجلد، وأرجع السبب إلى مكوناتها المجهولة لأنها تعبأ في أماكن خاصة طبعا دون وضع أي إشارة أو ملصق للتعريف بالمنتج وصاحبه والمواد التي صنع منها لذلك هي غير مطابقة للمواصفات العالمية وإن كان صاحبها يروج لها على أساس أنها مصنوعة من مادة خام لإحدى العلامات العالمية.
والملاحظ حسب محفوظ حرزلّي أن مثل هذه السلع تلقى رواجا كبيرا في الأسواق الموازية والفوضوية التي تعدّ المكان المناسب لتسويقها وبيعها وإقناع المستهلك باقتنائها من خلال الترويج لثمنها الزهيد مقارنة بسعرالأصلية، لذلك حذّر النساء من شرائها لأنها في اتصال مباشر مع جلدها أو بشرتها ما يشكل خطرا على صحتها، وفي المقابل شرح أن التحايل ليس من الدولة المصدرة بل من المستورد الذي يحدد معايير خاصة للسلع المنتجة تكون اقل سعرا وغير مكلفة، ما يجعل النوعية المتوفرة في السوق غير مطابقة للمواصفات العالمية وإن كانت مقلدة.