طباعة هذه الصفحة

المرأة والعمل

بين مؤيـد ومعــارض... وغالبا مايكون الطفل ضحية

بن النوي ــ ت

جميل أن يساهم الجميع في ترقية المرأة، وأن يعطي لها مكانتها الخاصة، كأم، أخت، زوجة، عاملة، مسؤولة، مدرسة وغيرها من الأدوار .
وجميل أيضا أن تشارك المرأة الرجل، من أجل تقاسم أعباء الحياة، وتجد  ضالتها من خلال الظفر بمنصب عمل يليق بها وبمستواها، لتبني لنفسها فضاء واسعا من العلاقات الإنسانية، لكن كل هذا مجرد سرد لأفكار قد لا تتحقق في مجتمعنا، خاصة أمام الهجوم الشرس للحضارة الغربية الدخيلة علينا ،  في حين أن ديننا الحنيف  كرم المرأة واعاد لها  حقوقها.
لتسليط الأضواء على الظاهرة، نقلنا لكم هذه الآراء للإحاطة بالموضوع.

“أحتفظ بتقاليد عائلتي”
"صالح"، موظف في الإدارة يقول: "رأيي في الموضوع لا يخرج عن دائرة رأي الأغلبية، حتى لا أتهم بأني رجعي ولا أعترف بحقوق المرأة، فزوجتي موظفة في الإدارة، وهي متحصله على شهادة جامعية، فكان شرطها قبل الزواج أن أعدها بالسماح لها بالعمل، لأن ذلك كان حلمها منذ الصغر، فوافقت، لأنني كنت أراها مناسبة لي ولأفكاري، بغية بناء أسرة مستقبلية، فتم ذلك، وهي الآن تعمل بشكل طبيعي، وأثمرت علاقتنا بإنجاب طفلين، ونحاول معا تربيتهما حسب الظروف المحيطة بنا. لكن مقارنة مع تربيتي حينما كنت صغيرا، فهي مختلفة تماما، فكانت الوالدة هي التي تتولى رعايتي وتربيتي، وتكد من أجلي، إلى أن أصبحت رجلا ومتخرجا من الجامعة. والجميل في هذا حسب قوله "أنني أحتفظ بتقاليد عائلتي"، وأنا متمسك بها، لأنها جزء من حياتي الشخصية، أما كوني رب عائلة، اكتشفت بأنني أحمل كل أعباء أولادي، وأصبحت بين الحين والآخر ألعب دور الأم في البيت وفي أوقات فراغي، وزوجتي، إما تتحجج بأنها تعاني من التعب أو أنها مشغولة، أو أن لديها عمل تقوم به أو...
"وفي جانب آخر، وجدت أن أولادي في حقيقة الأمر ينقصهم حنان الأم، التي تحولت مع مرور الأيام إلى رجل آلي لا تهتم إطلاقا بأبنائها، فهذا أمر ندمت عليه كثيرا، وفي نفس الوقت لا أريد أن أخسرها، لأنها تساعدني كثيرا في تلبية حاجيات الأسرة المادية، وبعد سنوات وصلت إلى نتيجة حتمية أن مهمة المرأة في بيتها وهي ترعى أولادها وتتولى شؤون أسرتها، أما الرجل فعليه أن يتحمل الأعباء الخارجية، لكن لا يجب أن يفهم قصدي بأنني ضد عمل المرأة ، لا ، كلا ، فأنا أريد فقط ان أوضح  أن  عمل المرأة له أشياء ايجابية مثل مساعدة الرجل في تحمل الأعباء المادية، اما عن الأشياء السلبية فتثمل  في حرمان الأطفال من حنان الأب والأم، وقد يولد بمرور الزمن إهمال تربيتهم بصورة غير مباشرة، خاصة إذا كان الأمر يتعلق بتركهم لدى مربية أطفال وفي رعاية الآخرين، فيولد لدى الطفل شعور آخر يختلف عن تلك التي يكتسبها فطريا من والديه، وبالتالي ينمو لديهم إحساس جديد قد يدفعه في المستقبل إلى أعمال عنف وغيرها".
حق سلب منها
"نورة" معلمة لها رأي في الموضوع تقول: "دعني أولا أوضح أن عمل المرأة هو حقها الشرعي، فقد سلب منها بسبب الجهل وطغيان الرجل عليها، وكذا راجع إلى المناخ الذي تولد فيه المرأة، وبطبيعة الحال يختلف الأمر إذا كان في الدول المتخلفة أو الدول المتقدمة، وهذا لاشك أنه يؤثر كثيرا على الحالة النفسية والسيكولوجية للمرأة، اعتبارا من منظور التربية التي أنشأت بها، كما أن تعلم النساء، ودخولهن الجامعة، سمح ببروز جيل جديد منهن، يحاولن حاليا فرض رأيهن في المجتمع".
وأضافت "نورة" قائلة: "عمل المرأة يعتبر تمردا داخل المجتمع، لأنها وبكل بساطة تنافس الرجل في قيادته لهذا المجتمع، وقد أثبتت التجارب أن المرأة كيان قائم بذاته، فهي عنصر إيجابي ولها كامل الحقوق التي يتمتع بها الرجل، ولعل تربّعها على أعلى المناصب المختلفة، ومشاركتها في الحروب، وتحمّلها لأعباء تربية أولادها وغيرها من الأمور تبين أنها حقيقة أن دورها إيجابي جدا خارج البيت أيضا، لكن ألا ترى أنها تقاسم الرجل في ذلك، فكلاهما يتمتعان بنفس الحقوق في حياتهما الزوجية، ولا مجال للقول أن المرأة بقيت حبيسة الملذات؟ هذا صحيح، فكلاهما يجتمعان حول هدف واحد، وهو ما ينتج عنهما من نسل أي بنين وبنات، وهنا يشتركان في المصلحة، ولا أنكر ذلك ، لكن على الرجل أن يعترف بالمرأة كيانا ووجدانا، وتفكيرا، وأن لها الحق أن تفرض نفسها بعلمها وأفكارها وبتربيتها، وعفتها في المجتمع، وعلى هذا الأخير الاعتراف ضمنيا بذلك، ولا سبيل للإنكار أو الجحود، فالرجل يعلم علم اليقين أن لولا المرأة لما وجد هو بالذات، فالمرأة هي أم، زوجة، أخت..، لكن أحيانا يتمرد الرجل أو العكس تتمرد المرأة لجمالها أو منصبها أو جاهها، وتحاول أن تخترق عالم الرجولة، لتعوض زوجها، وهنا يبرز العصيان، وتبدأ الأسرة في حالة غليان، أضف إلى ذلك تربية الأولاد قد تشكل جانبا آخر من الاختلاف بين الزوج وزوجته".

الجانب القانوني يتكفل بقضايا الأسرة
 أما "كريمة" وهي محامية فتقول: "حقيقة أن المجتمع الحالي يعيش أوضاعا صعبة سواء من حيث الاستقرار الاجتماعي والأسري، أو من حيث الحفاظ على بنيته المتكاملة التي لا انفصام لها، فالمشرع الجزائري وضع كل الحلول لمثل هذه المشاكل في قانون الأحوال الشخصية، وفي قانون الأسرة ، وحتى في قانون الإجراءات المدنية، فالجانب القانوني  يتكفل بجميع القضايا المطروحة، لكن غاليا ما تحدث مشاكل جانبية أو ثانوية أو فرعية، قد تكون سببا مباشرا في تدهور العلاقات الزوجية أو الأسرية، وبالتالي يؤدي ذلك حتما إلى التفكك الأسري، ناهيك عن مشكل الإرث والوراثة وغيرها، فهي لا تعد ولا تحصى".
وأضافت: "لذا فإن بعض القضايا المطروحة بين زوجين، بسبب رفض الزوج عمل زوجته أو يحاول بتركها في البيت بدون عمل، أو تراجعه عن وعده في هذا الأمر، وبالتالي هناك نساء لا يستسلمن للأمر الواقع، ويحاولن فرض رأيهن كعدم التخلي عن فكرة العمل لسبب أو لآخر، وهنا يبدأ الجدال وتبدأ مسيرة المحكمة وللأسف الشديد. على كل فإن المحكمة قبل الفصل في مثل هذه الأمور، تسعى سعيها للمصالحة بينهما كخطوة أولى، تتكرر المحاولة، إلى حين القبول بها أو تحويل القضية إلى محكمة الأحوال الشخصية، وبالتالي تبدأ الأسرة بالتفكك، وحرمان الأبناء من حنان الأم والأبوة، ويدخل الصراع ليحتدم وينتهي في آخر المطاف بالطلاق، وهذه نتيجة غير مرغوبة فيها، فالمشرع الجزائري  عالج جميع الجوانب القانونية، حتى يحافظ كل طرف على حقوقه المدنية دون أن يكون على حساب الآخر، فالمصالحة تبقى الوسيلة المثلى لأي خلاف عائلي أو أسري".
ومن خلال هذا الاستطلاع، اكتشفنا أنّ الخلافات الأسرية في غالبا الأحيان، تعود إلى الاختلافات الناجمة عن سوء تقدير الطرف الآخر في الأفكار والرؤية نحو الأشياء،  ونحن اليوم ما أحوجنا إلى الاستقرار النفسي والاجتماعي حفاظا على قدسية الأسرة الكفيلة الوحيدة لناء المجتمع.