طباعة هذه الصفحة

رمضان مميز هذا العام بسطيف

الترامواي وحديقة التسلية وإخفاق الوفاق وفيضانات

سطيف: نورالدين بوطغان

منذ أيام فقط حل على الأمة شهر الصيام والقيام ،شهر تمتزج فيه النفحات الربانية بسلسلة من عادات وتقاليد ضاربة في أعماق الضمير الجمعي الجزائري ،شهر جعله الله عز وجل كله خيرا على الأمة ،أيام معدودات تغير من طبيعة الحياة، لتضفي عليها بهجة وحيوية لا مثيل لها .

ويبقى شهر رمضان المعظم هو الشهر الوحيد الذي تتميز فيه كل منطقة من بلادنا بعاداتها وتقاليدها المتوارثة عن الأجداد ،وهي العادات التي تحرص العائلات على احترامها ،والتقيد بها دائما ، وتحويلها الى الأجيال،ولا تؤثر في ذلك اي ظروف، مهما كانت،  بما فيها صعوبة العيش لدى الكثير من العائلات ،وهذا بفضل التدابير التي تتخذ، وكذا لعمليات التضامن التي تشهدها كل مناطق البلاد مع الفقراء وذوي الدخل المحدود.
أربعة أحداث مميزة
لكن رمضان هذا العام بولاية سطيف تميز عن السنوات السابقة بمجموعة من الأحداث التي تبقى في ذاكرة مواطنيه ،ولعل أولها وأهمها على الإطلاق هو انطلاق ترامواي سطيف بعد 3 سنوات من الأشغال ،حيث تم تدشينه في الذكرى 73 لأحداث 8ماي 1945 من طرف وزير النقل عبدالغني زعلان ،وقد أعطى هذا المشروع نفسا جديدا ومنظرا متميزا لعاصمة الهضاب العليا،أما الحدث الثاني، فيتمثل في افتتاح حديقة التسلية بوسط المدينة، في نفس التاريخ ، بعد إعادة تهيئتها، اثر انتهاء الأشغال بها والتي دامت سنتين أغلقت فيها الحديقة أبوابها أمام قاصديها من سكان المدينة ومن المدن المجاورة، وقد كلفت العملية حوالي 1 مليار دج ،في حين يبقى إخفاق وفاق سطيف ،هذا العام في مسيرته الكروية، علامة مميزة، حيث صادف حلول الشهر المبارك مع آخر يوم في البطولة المحترفة التي لم يتمكن فيها أبناء النسر الأسود من المحافظة على اللقب، وتم ترتيبهم في المرتبة الثامنة ،وهو ما لم يعشه الفريق منذ عدة سنوات ، إضافة الى انه تم إقصاء الوفاق من كأس الجمهورية في الدور 16، مع تسجيل انهزامين في أول لقاءين للفريق في منافسة رابطة أبطال افريقيا في دور المجموعات، وهي الاجواء التي خلفت استياء المواطنين بالولاية خاصة أنصار الوفاق الذين عبروا عن تذمرهم، يبقى الحدث الرابع، و هو تسجيل فيضانات عارمة في أول أيام الشهر المبارك قبيل الإفطار، بعدة مناطق من الولاية، خاصة بمدينة عين الكبيرة ،اين خلفت مقتل شخص وفقدان آخر وخسائر مادية معتبرة.
عادات وتقاليد أصيلة
و يتميز شهر رمضان المبارك، بمنطقة سطيف وضواحيها بنكهة خاصة ،على غرار اغلب مناطق الجزائر ، تطبعها عادات اصيلة يلتزم بها معظم السكان ، يحافظون عليها عبر الأجيال ،ولهذا فهم يشعرون ببهجة كبيرة لقدومه كبارا وصغارا ،ويفضل الكثير من أبناء المنطقة قضاء أيام الشهر الفضيل في أحضان العائلة الكبيرة في المدن، وحتى في الأرياف ،حيث يفضلون ان تجتمع العائلة حول مائدة رمضانية واحدة ،ولهذا نجد الكثير من مغتربي المنطقة يعودون لها خلال الشهر الفضيل  ،ومعظمهم من سكان المنطقة الشمالية الغربية، وحتى العاملين في الولايات الأخرى من الوطن ،والذين يفضل كثير منهم تسبيق العطلة الصيفية ، حتى يشعروا فعلا بطعم الصيام في أحضان العائلة..
كرونولوجيا أيام رمضان
ويشترك سكان عاصمة الهضاب في استقبال اليوم الأول من رمضان بطبق الشربة الألذ وطنيا، حسب سكان المنطقة ،خاصة وأنهم يضيفون له قبل التقديم كمية لا بأس بها من الكزبرة والبقدونس والفلفل الحارالطازج مقطعين ،ما يعطي للطبق نكهة رائعة، و كذا الطجين الحلو، المكون من مرق بالزبيب والبرقوق والمشمش الجاف، حتى يكون حسبهم رمضان حلوا في باقي أيامه، وهناك من يضيف طبق اللحم المفروم (الكفتة).
وتسهر العائلات، قدر المستطاع، على الاستغناء عن الخبز وتعويضه بالمطلوع، والذي كان الخبز الأساسي للسكان قبل عقود، ليحل محله خبز المخابز، بسبب التحولات الاجتماعية العميقة في المجتمع، والمطلوع كما هو معروف، كسرة مصنوعة من السميد، بإضافة الخميرة، بحيث لا يفرطون في ذلك حتى ولو اضطروا الى شرائها، لتعرض في العديد من المحلات بأسعار مرتفعة نسبيا.
ويفضل أهل سطيف افتتاح إفطارهم، أثناء رفع آذان المغرب ،بحبات من الرطب او التمر، مع قليل من اللبن او الحليب ليؤدوا صلاة المغرب في المسجد ،او في البيت ،بعدها يتوجهوا إلى مائدة الإفطار الذي يفتتحونه بالشربة ،ثم الطبق الثاني، الذي قد يكون طبق الزيتون ،او عصيدة البطاطا، والكفتة والمثوم  وأحيانا البوراك كطبق رئيسي ،او أطباق في الفرن متنوعة ،حسب إمكانيات كل عائلة ، وهو ما أصبحت تلجّأ اليه العائلات أكثر فأكثر، واغلب العائلات تحضر شكشوكة الفلفل الحار  ،او ما يعرف بالحميس ، وبعدها السلطة، ليختموا إفطارهم ببعض الفاكهة المتوفرة، والمشروبات الغازية، كما يحرصون على احياء ليلة منتصف رمضان بإعداد طبق الكسكسي .
«السهرية « الجلسة العائلية في ليالي رمضان
وعقب الانتهاء من الإفطار والاستراحة، يشد الرجال الرحال إلى المساجد، وحتى بعض النساء لأداء صلاة التراويح في جو من الخشوع ،لتكون العودة بعدها إلى البيت، بعد المرور على  محلات الحلويات الشرقية لجلب بعض الحلوى ،مثل الزلابية  بأنواعها ،وقلب اللوز المعروفة باسم الهريسة ، لاستكمال السهرة التي تدعى السهرية ،حيث تقدم بعض الحلويات والشاي والفواكه ،ويحرصون ان يكون ذلك في جو عائلي، حيث يحل الضيوف او الجيران لقضاء السهرة الرمضانية.
وقد انتشرت، في السنوات الأخيرة، ظاهرة جديدة في ليالي رمضان، تدخل ضمن العادات والتقاليد الحديثة التي دخلت المنطقة، منذ عدة سنوات بهذه المناسبة، تتمثل في انتشار باعة الشواء في الأحياء، وحتى المحلات المتخصصة فيه ، وتلقى إقبالا متزايدا عاما بعد عام ، حيث وصل الأمر الى أن الكثير من الصائمين يتسحرون بالشواء ،قبل العودة الى البيت.
«الإطعام» عادة رمضانية راسخة
كما يتعين التذكير ان السطايفية، كثيرا ما يدعون بعضهم البعض للإفطار بين العائلات او الجيران والأصدقاء، ويلحون على ذلك، معتبرين ذلك من الصدقة ،التي يزيد ثوابها في هذا الشهر الفضيل ،وأحسن دليل على الكرم السطايفي، تلك المبادرات العديدة التي يقوم بها بعض المحسنين بفتح مراكز إفطار في أحياء متعددة من المدينة ،وحتى المدن المجاورة للفقراء وعابري السبيل ،وهي مبادرة جد طيبة اشتهرت بها مدينة سطيف ومدن أخرى من الولاية .
وبعد النوم، يستيقظ الصائمون قبيل الفجر لتناول السحور، والمكون في العادة من المسفوف بالزبيب واللبن او الرائب، وبعدها يتوجهون للمساجد لأداء صلاة الصبح جماعة، ثم قراءة ما تيسر من القران الكريم داخله او في البيت، وتنتشر بالبيوت طيلة الشهر الكريم  في العديد من البيوت  ظاهرة الاستماع الى القران الكريم من أفضل قراء العالم الإسلامي،وهي الظاهرة التي تلاحظ، حتى في الكثير من المحلات ،وحافلات النقل العمومي.
وكتشجيع للأطفال الصغار على الصيام ،تحضر العائلات له الإفطار الذي يرغب فيه ،مع تقديم هدية بسيطة مفاجئة له تقدم له بعد الإفطار مباشرة تشجيعا له، ويضطر الأولياء لتوقيف أبنائهم عن الصيام، عندما يلاحظون التعب بسبب الإقبال المتزايد على الصيام رغم عدم وجوبه عليهم، ويبدي الأطفال رغبة كبيرة في إيقاظهم للسحور حتى، ولو كانوا غير معنيين به ليعيشوا تلك اللحظات.