طباعة هذه الصفحة

أكلات تقليدية، سهرات وتبادل الزيارات

عادات وتقاليد راسخة تبقي لرمضان نكهته وأجوائه الروحانية في عنابة

عنابة: هدى بوعطيح

ما تزال العديد من العادات والتقاليد تطبع العائلات العنابية، والتي لا غنى عنها خلال الشهر الفضيل، حيث ما تزال أغلب الأسر متمسكة بما توارثته عن أبائها وأجدادها، وهو ما يصنع نكهة مميزة لرمضان سواء على مائدة الإفطار أو خلال السهرات، لا سيما العائلات التي تسعى إلى تمتين روابط الأسرة وتجسيد صلة الرحم في هذا الشهر الفضيل..

تتجلى هذه العادات والتقاليد على وجه الخصوص بالأحياء الشعبية والأزقات القديمة، والتي ما تزال محافظة على ما توارثته عن أبائها وأجدادها، خاصة ما يطلق عليه بـ»لمة رمضان»، حيث لا تتوانى العديد من العائلات العنابية في دعوة الأهل والأصدقاء وحتى الجيران للالتفاف حول مائدة مزينة بمختلف الأطباق الرمضانية، سواء التي تشتهر بها «بونة»، أو الأطباق المعروفة في الجزائر بأكملها، ولا تتأخر هذه العائلات في تكريم ضيوفها بما لذ وطاب من مأكولات، معتبرين الهدف من هذه القعدات ليس فقط الترفيه والتسلية، وإنما لم شمل الأصدقاء والأحباب، وتربية الأجيال على تقاليدنا الشعبية العريقة، حتى لا تكون هناك عادات دخيلة علينا.
الجاري، البوراك، والمرقة حلوة.. سلاطين المائدة
ويعد طبق «الجاري» أو شربة الفريك الطبق الرئيس على مائدة سكان بونة طيلة الشهر الفضيل، إلى جانب البوراك العنابي الشهير، الذي يعد هو أيضا سلطان المائدة، فلا غنى عنه، ولا استغناء عليهما ولا رمضان بدونهما، لا سيما وأن مدينة عنابة تشتهر بشوربة تختلف في مذاقها عن أكلات المدن الأخرى، وبـ»بوراك» مميز تتفنن المرأة العنابية في تشكيله والتنويع في محتواه لتقديمه كطبق رئيسي، إذ تعتمد أغلب الأسر العنابية في حشو هذه الأكلة على البطاطا المهروسة والبصل واللحم المرحي، والجبن والزيتون، إضافة إلى حشيش البقدونس، ليضاف إليه في الأخير حبة أو حبتي بيض حسب رغبة الفرد، مع العلم أن هناك من يفضل أن يكون البيض غير مطهو بالكامل، أو كما يقول العنابيون «نص طياب» وآخرون يفضلون طهوه كاملا، وهو ما يجعل شكل البوراك يأخذ حجما كبيرا ويعتبر وجبة غذائية كاملة.
كما لا تتوانى الأسر العنابية في تقديم وجبات أخرى إلى جانب البوراك والشربة، على غرار شخشوخة «الظفر» التي تتميز بها بونة، وتعتبر هي الأخرى سيدة المائدة، لا سيما خلال احتفالية «ليلة النصف» من رمضان أو خلال دعوة أشخاص للإفطار، مع طبق «مرقة حلوة» أو «طاجين الحلو» كما يطلق عليه سكان العاصمة.
«تبادل الأكلات الرمضانية بين الأهل والجيران»
من العادات التي ما تزال أيضا تحتفظ بها بعض الأسر في عنابة، تبادل الأطباق بين الجيران، حيث لا يمكن أن تفوت بعض العائلات فرصة الإفطار دون أن يتذوق جيرانهم المقربون ما تفننت في إعداده، وهو ما أكدته «الحاجة صليحة» التي تأسفت في بادئ الأمر لاندثار هذه العادة لدى عديد الأسر في الجزائر، بحيث بقيت بعض العائلات فقط محافظة عليها، مشيرة إلى أن هذه العادات توارثتها عن عائلتها وهي ترغب في أن تستمر لدى أحفادها حتى لا تختفي تماما عن سكان الجزائر المعروفين بكرمهم وحسن الضيافة، قائلة بأنه لا يحلو الشهر الفضيل دون أن تكون العائلة ملتمة، أو أن يتذوق جيرانك ما رزقك الله به من نعيم، كما تأسفت «الحاجة» كما ينادونها والبالغة من العمر 82 سنة، عن ظاهرة غياب الأبناء عن مائدة رمضان بعد الزواج، حيث يفضلون الإفطار بمفردهم، قائلة بأنها ترغم أبنائها الثلاثة وأحفادها للالتفاف حول مائدة رمضان واحدة.
وتسرد الحاجة صليحة» لـ»الشعب» كيف كان أيضا لرمضان نكهته «زمان» كما قالت، حين كانت العائلات تجتمع بعد أداء صلاة التراويح للتسامر، حيث كان الرجال يجتمعون في أزقة «بلاص دارم»، في حين يجتمع النسوة في «وسط الدار» على صينية قلب اللوز والشاي والزلابية ومختلف الحلويات الرمضانية، والتسامر وتجاذب أطراف الحديث إلى غاية منتصف الليل وأحيانا إلى وقت السحور، حيث يتقاسمن في أغلب الأحيان أيضا طبق السحور فيما بينهم.
استقبال الشهر الفضيل بتنظيف المنازل والمساجد
كما تحدثت «الحاجة» عن الأجواء في عنابة قبيل رمضان والتي تتسم لدى العائلات العنابية بتنظيف ربة البيت لمنزلها، أو طلائه إن تطلب الأمر ذلك، وتزيينه، إلى جانب شراء مختلف المستلزمات الخاصة بالشهر الفضيل على غرار الفريك لتحضير الشربة والتوابل المتنوعة، وتتفنن في طهو أوراق البوراك.. كما يستعد العنابيون لرمضان بتنظيف المساجد وتزيينها بالأضواء الملونة وغسل السجاد لاستقبال المصلين لأداء صلاة التراويح، وهو العمل الذي تشترك فيه النساء والرجال والشباب وحتى الأطفال.
وتمنت «الحاجة صليحة» أن تبقى العائلات الجزائرية بأكملها، وليس فقط العنابية محافظة على تراث وعادات الأجداد وترسيخها لدى الأجيال القادمة، حتى يبقى لرمضان نكهته الخاصة وأجوائه الروحانية القائمة على المودة وصلة الرحم والتصدق على المحتاجين.