طباعة هذه الصفحة

بلا تفاصيل ولا تقاسيم

المرأة «الخارقة»، «رفعة شمّة» ورمضان

فتيحة كلواز

تعوّدنا التعرف على أسماء سيدات عبر مختلف وسائل الإعلام، قدّمن بصمة في مجتمع يبحث كل يوم عن نجمة تمد الناظر اليها نورا تنير دربا ظن الكثير منّا ضياعه في مسالك الحياة الوعرة، سنتحدّث اليوم عن المرأة في رمضان كيف تصبح في ثلاثين يوما القوّة الخارقة التي تتحمّل كل الأعباء الاجتماعية للشّهر الفضيل، فعليها أن تكون العاملة المواظبة والزوجة الحانية والأم المسؤولة وربة البيت المبدعة والصائمة التائبة إلى ربّها، كل ذلك يجب أن تقدّمه دون أي شكوى أو فظاظة أو تذمّر لأنّها ولسبب بسيط جدا «امرأة».
تحتاج تلك السيدة التي لا تعرف عن رمضان سوى الأعباء، الأعمال والواجبات المنزلية والعملية الى بورتريه لأن الشهر وإن كان للصيام والعبادة هو عندنا وفي كثير من الدول الإسلامية إلى أعباء وواجبات اجتماعية تقريبا لا علاقة لها بالجوهر الديني للشهر، والأمر أن المعادلة مقلوبة بالنسبة للرجل لأنه غالبا ما يكون شهرا للنوم من أول ساعات اليوم إلى آخر ساعاته بمعنى آخر من آذان الفجر إلى اذان المغرب، لأنّه وإن كانت قوته الجسدية أكبر بكثير من تلك التي تميز المرأة إلا أنه لا يتحمل الأعباء التي تتحملها «الضلع الأعوج» في رمضان.
«التدخين»، «الشمة» والوهن والتعب هم أهم الحجج التي يتمسّك بها «هو» لإعطاء هذا السلوك تفسيرا منطقيا، ولكن الأهم الذي سمعته وقرأته هو امتلاكه صفة أساسية ومحورية لا يمكن للمرأة بلوغها وإن شقت عباب البحر ألا وهي «رجل»؟؟، نعم كونه رجل يعطيه الحق النوم نهارا والسهر ليلا بينما صفة «امرأة» تلزم «هي» بالوقوف أكثر من نصف اليوم قبل الإفطار وربعه بعده فقط لتحضر كل متطلبات راحة ذاك النائم.
والمهم من كل ذلك أن المرأة رغم كل ما تقوم به على حساب صحتها وعبادتها فقط لإرضاء تقاليد وعادات تكاد تعطي ذك الرجل صفة الكمال المطلق، المرأة إذا اليوم هي امرأة بلا وجه وبلا اسم لأنّها في كل واحدة من هذا المجتمع الذي يجعل منها الكائن الخارق باجتماع صفتين متناقضتين فيها، فهي من جهة ناقصة عقلا ودينا، ومن جهة الخارقة التي تتحمل كل شيء، والأدهى والأمر أنه رغم كل تلك الأعباء والالتزامات الاجتماعية أصبح الرجل عندنا يتحجّج بالمساواة ليرمي بكل مسؤولياته على المرأة، ويحمّلها مسؤولية الفشل في أي مجال كان، وبعدما كانت المرأة تعاني من انحصار الوقت والزحمة المرورية والغلاء طفت على السطح معاناة أخرى هو خروج زميلها في العمل إلى عطلة في رمضان لأنّه لا يستطيع العمل دون تدخين سيجارة أو «رفعة شمّة»، ولن يتوان في التلاعب بكل شيء فقط ليبقى هو نائما طوال اليوم الرمضاني لأنه وبكل بساطة «نائم».
لا أفهم لماذا تُطالَب المرأة بكل شيء رغم كل ما تبذله على الأرض من مجهودات؟ فإن كانت مطلّقة تتحمّل هي أعباء تربية الطفل والتكفل بمسؤولياته رغم أنها قد ترمى إلى الشارع بسبب ذلك؟ فلا زوج يغار على شرف بناته ولا الأهل يحنّون على ابنتهم التي تركها زوج لامسؤول في منتصف الطريق، وإن كانت زوجة عليها أن تتحمّل كل السلوكيات التي تصاحب الشهر الفضيل التي غالبا ما تخرج عن الإطار الطبيعي لما يجب أن يتحلّى به الصائم.
تعمل قوّتنا الناعمة إذا في صمت رهيب مستسلمة لكل المسؤوليات الاجتماعية، وويحها إن أخطأت حتى وإن كان الخطأ بسيطا لأن العواقب قد تكون وخيمة عليها وعلى الأسرة كاملة، فكثير من النساء وجدن أنفسهن مطلّقات بسبب ملح زائد أو ناقص في إحدى الأطباق الرمضانية، وبعضهن يجدن أنفسهن في المستشفى أو بيت أهلهن بسبب نرفزة زوج لم يطق أكل «الشربة» دون «مطلوع سخون» كان طوال اليوم وهو نائم يحلم بطعمه في فمه...؟؟؟، وأخريات رسّمن «رفعة الشمة» ضرة لهنّ تكون في رمضان السبب المباشر في سوء معاملة الزوج «الصائم» لهنّ، وكم من امرأة وامرأة تعاني الأمرين في الشهر الفضيل.
هي معادلة صعبة لا يمكن حلّها لأن المجتمع عندنا يساوي بين «رفعة شمة» والمرأة رغم اختلافهما الجوهري، فتلك ترمى بعد استنفاذ مخزونها من النيكوتين، وترمى الثانية بعد انتهاء تاريخ صلاحيتها الاجتماعية رغم أن الإسلام أعطاها كل الحقوق التي تجعل منها ملكة في أي مكان تكون فيه.