طباعة هذه الصفحة

الحبوب تخسر سنويا المزيد من المساحات أمام نشاط الكروم

مزارع نموذجية لإنتاج البذور في محاولة لإعادة إحياءالإختصاص

بومرداس..ز/ كمال

اختزل أحد الفلاحين متحدثا لـ»الشعب» عن واقع شعبة الحبوب والمحاصيل الكبرى بولاية بومرداس بتعليقه «إذا أردت أن تعرف مصير زراعة الحبوب والبقوليات بكافة مناطق ولاية بومرداس ونحن في أعز فترة الحصاد والدرس التي حفظ عليها الأجداد لعقود من الزمن بوسائل بدائية وتقليدية، ابحث عن مشهد آلات الحصاد التي كانت تجوب الحقول المنبسطة والمساحات الجبلية في القرى وفي درجة حرارة مرتفعة، فكانت تصنع الحدث الفلاحي الجماعي عند جني المحصول الغذائي الأساسي وهل من الممكن مشاهدة اليوم هذه الصورة؟ واسأل شباب اليوم هل يعرف هذه الوسائل والآلات التي أدخلت المتحف تتويجا للسياسة الممنهجة في إدارة القطاع الفلاحي؟.
        
كلام عقلاني مستخلص من تجربة مريرة اختزلت اليوم واقع شعبة الحبوب بكل أنواعها الصلب واللين والمخصص لأعلاف الحيوانات ليس بولاية بومرداس لوحدها بل في أغلب ولايات الوطن خاصة الساحلية منها، بعدما تخلت الدولة عن إدارة القطاع وتسيير المستثمرات الفلاحية الكبرى التي كانت متخصّصة في إنتاج الحبوب والبذور الجزائرية الأصل المعروفة محليا «بالسنبلة السوداء»، ثم منحت لمجموعات بغرض التسيير المستقل لكن اغلبها حول عن نشاطها الطبيعي وأخرى أتى عليها الاسمنت وحولت إلى عقار صناعي وبنايات، وما تبقى منها استحوذت عليها الأنشطة الفلاحية التجارية سريعة التلف خاصة زراعة الكروم.
منذ حوالي ثلاثة عقود أي من مطلع التسعينيات فقدت مساحات شعبة الحبوب بولاية بومرداس آلاف الهكتارات لصالح شعبة إنتاج عنب المائدة لم تسلم منها حتى الأراضي الجبلية التي كانت مخصصة للحبوب وإنتاج أعلاف الحيوانات بسبب غياب مياه السقي، بل امتد العبث بالأراضي الفلاحية والمحاصيل الزراعية الرئيسية بهذه المناطق الى تخريب ونزع آلاف الهكتارات من أشجار التين وأشجار الزيتون متوارثة عن أجيال عديدة لغرس أشجار الكروم في سياسة فلاحية اثبت الزمن فشلها نتيجة صعوبة تأقلم النشاط مع الظروف الطبيعية وغياب مياه السقي، وبالتالي فقد القطاع الفلاحي محصولا استراتيجيا وحلت الكوارث البيئية بحسب الخبراء، خاصة على الطرقات الناجمة عن انزلاقات التربة وخير مثال على ذلك منطقة الكوانين بالناصرية، حيث فشلت كل محاولات تهيئة الطريق الولائي بعد نزع أشجار الزيتون لزرع الكروم وفي غياب تام للقائمين على القطاع.
آخر الأرقام تقريبا الخاصة بالموسم الفلاحي الماضي، تشير التقارير الصادرة عن مديرية المصالح الفلاحية لبومرداس، أن شعبة الحبوب فقدت خلال موسم واحد 500 هكتار تقريبا، حيث تراجعت من من 5 آلاف هكتار مزروعة بمختلف الحبوب والبقوليات إلى حدود 4 آلاف هكتار لصالح شعبة انتاج عنب المائدة التي تسيطر على أزيد من نصف المساحة الفلاحية الصالحة للزراعة المقدرة بـ63 ألف هكتار، فقد شهد الموم الفلاحي لسنة 2017 / 2018 زرع مساحة على طول 4100 هكتار شملت 3622 هكتار من القمح الصلب، 650 هكتار من القمح اللين، 257 هكتار من الشعير و172 هكتار من مادة الخرطال، فيما قدر محصول الإنتاج بحوالي 113900 قنطار بمعدلات لا تتجاوز 25 قنطار في الهكتار.
أما عن أسباب تراجع النشاط إنتاج فهي كثيرة ومتعددة وكثيرا ما لخصها رئيس المجلس المهني المشترك لشعبة الحبوب والتقنيين في زحف شعبة الكروم على المساحات الفلاحية، مشكل السقي الفلاحي لمواجهة تذبذب سقوط الأمطار وصعوبة اقتناء العتاد الفلاحي، إضافة إلى ارتفاع تكاليف الأسمدة التي تزيد عن 600 دينار للقنطار، مقابل ضعف المردودية التي تتراوح ما بين 15 الى 20 قنطار في الهكتار، في حين تشير المعايير أنها لا تنزل عن 40 قنطار في الهكتار وكلها عوامل جعلت الفلاحين يستغنون عن نشاط غير مربح بلا امتيازات.
وبالرغم من هذه الوضعية الصعبة التي تعيشها شعبة إنتاج الحبوب بولاية بومرداس التي تراجعت في سلم الأولويات، إلا أن التجارب القاسية المستخلصة من سياسة التهور والاستخفاف بأهمية هذا القطاع الاستراتيجي الذي انعكس سلبا على اقتصاد البلاد وارتفاع فاتورة الاستيراد، قد دفع في السنوات الأخيرة القائمين على القطاع وحتى الفلاحين أنفسهم إلى الإدراك بأهمية العودة مجددا إلى النشاط عن طريق توسيع المساحات واستصلاح أخرى، مع رفع نسبة الدعم لاقتناء العتاد والمرافقة طيلة الموسم منذ انطلاق حملة الحرث والبذر خاصة ما تعلق بانتقاء البذور من المخابر والمستثمرات النموذجية التي بدأت تظهر بعدة مناطق منها خميس الخشنة، حمادي، برج منايل وغيرها مما زاد من المساحة المخصصة للبذور الى حوالي 800 هكتار.