طباعة هذه الصفحة

إجراءات مشدّدة لتعزيز الأمن البيئي وحماية الغطاء الغابي

وهران..منظومة متكاملة للحفاظ على البهاء الأخضر

مسعودة براهمية

 لجان عملياتية في جميع الدّوائر والبلديات لتنفيذ المخطّط 

قيود صارمة للأنشطة المسبّبة للحرائق بقوّة القانون

ونحن على مشارف عيد الأضحى المبارك، تستعد العائلات والأفراد لقضاء لحظات ممتعة في أحضان الطبيعة، ممّا يستوجب تعزيز الوعي البيئي لضمان حماية الملكية الغابية العامة من أي تهديدات محتملة. في ضوء ذلك، تشدّد سلطات وهران على أهمية تعزيز السلوكيات الإيجابية والالتزام الكامل بالإجراءات الوقائية، بما يكفل استدامة التوازن البيئي لصالح الأجيال القادمة، حسبما جاء على لسان رئيس مصلحة حماية النباتات والحيوانات بمحافظة الغابات المحلية، أوجيت عبد الوهاب.

 أكّد أوجيت في تصريح لـ “الشعب”، أنّ “الاستعدادات المبكّرة لحملة مكافحة حرائق الغابات لموسم 2025 تسير بوتيرة متسارعة، خاصة مع اقتراب عيد الأضحى المبارك، الذي يشهد أنشطة قد تزيد من احتمالية اندلاع الحرائق.

تحدّ يستدعي تكاثف الجهود

وأوضح محدّثنا أنّ “غابات وهران تُصنّف ضمن المناطق الأكثر عرضة للحرائق والأمراض، ممّا يشكّل تحديا حقيقيا أمام المحافظة والجهات المعنية بتأمينها، خاصة في ظل محدودية مساحتها مقارنة ببعض الولايات الأخرى”.
استنادا إلى المصدر ذاته، تبلغ مساحة الغابات في وهران نحو 45 ألف هكتار، منها 41.126 هكتارا تندرج ضمن الأملاك العمومية، ما يمثّل نسبة تتراوح بين 19 % و20 % من إجمالي مساحة الولاية المقدّرة بـ 226 ألف هكتار.  
تشغل الغابات الممتدة على الأطراف الساحلية نحو 30 % من إجمالي المساحة، وتخترقها شبكة واسعة من الطرق الولائية، ممّا يسهل الوصول إليها ويعزّز النشاطين السياحي والاقتصادي.
أما الغطاء النباتي في المنطقة، فيتميز بانتشار الحشائش والأدغال، بينما يغطّي الصنوبر الحلبي قرابة 95 % من إجمالي مساحة الصنوبريات، التي تشكّل بدورها 80 % من المساحات الغابية.
هذا التكوين النباتي يعزّز الحاجة إلى تكثيف الجهود لمكافحة الحرائق والأمراض الطفيلية، خصوصا مع ارتفاع درجات الحرارة وتغير المناخ، اللّذين يزيدان من المخاطر المحتملة في هذه المساحات الحيوية.

منظومة متكاملة لمكافحة الحرائق

في هذا السياق، أفاد المسؤول ذاته بأنّ “الولاية اعتمدت تدابير استباقية للوقاية والسلامة، شملت إصدار سبعة قرارات ولائية، أبرزها إنشاء اللجنة الولائية لحماية الغابات برئاسة الوالي، وعضوية الجهاز التنفيذي للولاية”، موضحا أن “محافظة الغابات تتولى أمانة اللجنة، ممّا يخولها مسؤولية تحديد وتنفيذ سياسة مكافحة الحرائق، إضافة إلى المصادقة على مخطط الوقاية والدفاع عن الغابات”. وأضاف قائلا: “تمّ اتخاذ قرارات إضافية لتعزيز التنسيق والفعالية، تشمل إنشاء لجان عملياتية في جميع الدوائر 19، إلى جانب 26 لجنة عملياتية في البلديات لضمان تنفيذ الخطط بشكل منظم ومتكامل”. وتابع مسترسلا: “تمّ اتخاذ قرار آخر، يقضي بمنع الأنشطة التي قد تتسبب في اندلاع الحرائق، مثل استخدام المواقد، التخييم، رمي النفايات، إشعال النيران داخل الغابة أو على مسافة تقل عن 500 متر منها”.   وأردف: “كما يُحظر تماما دخول المركبات أو ركنها أو المرور عبر المساحات الغابية، بغض النظر عن نوعها، إلا بتصريح مسبق، مع استثناء المركبات الأمنية والمركبات الحاصلة على تصريح، مثل مركبات سونلغاز وسيور”.  
كما ذكّر في هذا الصدد بالقانون رقم 23-21 الصادر في 23 ديسمبر 2023، والمتعلق بالغابات والثروات الغابية، والذي يفرض حظرا شاملا على جميع هذه الأنشطة على مدار العام، بعدما كانت هذه التدابير مقتصرة على موسم الصيف، وتُطبق بقرارات ولائية، كما قال. ولفت إلى أنّ “نشاط التخييم وفقا لهذا القانون، أصبح مقتصرا على المناطق التي تحددها محافظة الغابات، باعتبارها الجهة المخولة بتعيينها وتحديدها، إلى جانب إصدار قرار ولائي خاص بها، مع توفير لوحات إرشادية لتوجيه المخيمين”، وينطبق الأمر ذاته على “أماكن الشواء والطهي، التي يجب أن تستوفي متطلبات الأمن والسلامة للحد من مخاطر اندلاع الحرائق”، كما قال.

إدارة الغابات..جهاز محترف في الرّصد والتّدخّل الفوري

اعتبر المسؤول ذاته أنّ “إدارة الغابات تضطلع بدور محوري في تشغيل جهاز إطفاء حرائق الغابات، الذي يتميز باحترافية عالية في عمليات الرصد والتدخل الأولي”، مبرزا أنّ “العمليات الكبرى تعتمد بشكل أساسي على تدخل الحماية المدنية، وما تملكه من إمكانات كبيرة في مواجهة هذه الحالات”.
كما أكّد محدّثنا على “الأهمية البالغة التي يوليها القطاع لإجراءات الوقاية، نظرا لدورها الحيوي في الحدّ من مخاطر الحرائق”. ويتم تحقيق ذلك “عبر التنسيق والتعاون مع العديد من الجهات الشريكة، بما في ذلك قطاع الفلاحة، الأشغال العمومية، البلديات، سونلغاز، إضافة إلى بعض الفروع التابعة لشركات أخرى مثل سوناطراك..”، وفقا لما صرّح به.
ويستند مخطط حماية الغابات من الحرائق - يضيف المختص - إلى شبكة متكاملة تهدف إلى ضمان سرعة التدخل والحد من انتشار النيران، مستفيدا من المنشآت الأساسية التي أنجزتها الدولة داخل المناطق الغابية، من بينها أشرطة منع النيران، أبراج المراقبة ونقاط المياه. وأشار إلى أن “منظومة الوقاية ومكافحة الحرائق التابعة لقطاع الغابات في وهران خلال موسم 2025 تضم 9 أبراج مراقبة و9 فرق متنقلة، تتألف من 18 عون غابات، إضافة إلى 14 فرقة تدخل تضم 28 عون غابات و48 عاملا موسميا”.
أما فيما يتعلق بالإمكانيات المادية المسخرة لمكافحة حرائق الغابات، فقد أكّد أنها “تشمل وحدات التدخل الأولي، والمتمثلة في 14 سيارة إطفاء و12 مركبة مخصصة للربط والخدمة”.

خطوة غير مسبوقة لقطاع الغابات: إحصاء المفرغات العشوائية

كما اعتبر أنّ “محافظة الغابات لوهران اتخذت خطوة غير مسبوقة؛ حيث أجرت خلال شهر مارس الماضي إحصاء شاملا ودقيقا لكافة المفرغات العشوائية داخل الأملاك العمومية الغابية”.
«كشف الإحصاء عن وجود 43 موقعا غير نظامي للتخلص من النفايات، موزعة عبر 12 بلدية، وتشمل بشكل أساسي مخلفات صناعية وبقايا عمليات تقليم الأشجار والأعشاب الضارة، التي يتم التخلص منها من قبل بعض الخواص والبلديات”. وأفاد بأنه “تم إخطار جميع الهيئات المحلية والبلديات بمواقع هذه المفرغات وإحداثياتها الجغرافية، إضافة إلى إبلاغ الولاية والمديرية العامة للغابات ومصالح الدرك الوطني، بهدف تسريع إجراءات إزالتها وفقاً للقوانين السارية”.

سقوط حر في مؤشّرات الحرائق

ويرى أنّ “التطوير المستمر في آليات التدخل وتعزيز عمليات المراقبة له دور محوري في انخفاض المساحات الغابوية المتضررة من الحرائق، خلال الخمس سنوات الأخيرة”.
وفي موضوع ذي صلة، أثنى على الإنجاز البارز الذي حققته وهران، صائفة 2024، حيث سجلت أدنى معدل للحرائق منذ الاستقلال، إذ لم تتجاوز المساحة المتضررة 0.2 هكتار (2.400 م²)، موضحا أنه “في فترة ماضية تم اندلاع 63 حريقا، نتج عنها احتراق ما مجموعه 505.50 هكتار، موزعة بين 137.27 هكتار من الغابات، و258.65 هكتار من الأدغال، إضافة إلى 109.60 هكتار من الأحراش”. وأشار إلى أن “عام 2020 كان من أكثر الفترات تحديا التي مرت بها الولاية؛ حيث اندلع فيه 27 حريقا، مخلفا خسائر بلغت 748.93 هكتارا، من بينها 136.12 هكتارا من الغابات، و238.14 هكتارا من الأدغال، و104.67 هكتارا من الأحراش”.
وأفاد بأن “أكبر موجة لحرائق الغابات في تاريخ وهران، حدثت عام 2014؛ حيث التهمت النيران 2000 هكتار من غابة سيدي بن يبقى التابعة لبلدية أرزيو”، مما شكّل تحديا استثنائيا دفع السلطات إلى تبني استراتيجيات أكثر صرامة في مجال الحماية وإدارة المخاطر البيئية.

تحذيرات متجدّدة من تفشّي “سكوليت”

من جهة أخرى، جدّد المختص التحذير من الخطر الذي شهدته منطقة البحر الأبيض المتوسط، خلال السنوات الخمس الأخيرة، والذي امتد ليشمل شمال الجزائر، نتيجة انتشار حشرة “Scolytinae”، المعروفة بخنافس اللحاء أو الصنوبر.
وبحسب الإحصائيات الرسمية، المستندة إلى المصدر ذاته، تسببت هذه الحشرة في تدمير نحو 2000 هكتار من الغابات في إقليم وهران، ممّا يبرز حجم التحديات البيئية التي تهدد النظم الإيكولوجية المحلية.
وكان الصنوبر الحلبي الأكثر تأثرا، إذ أدى ضعف مناعته بسبب موجات الجفاف الطويلة والارتفاع المستمر في درجات الحرارة، إلى تسهيل تكاثر الحشرة دون مقاومة طبيعية من الأشجار.

سوناطراك تموّل تشجير 700 هكتار

وعلى هذا الأساس، أعلن المسؤول عن “تنفيذ برامج تشجير واسعة النطاق، سعيا لاستعادة المناطق المتضررة، سواء تلك التي أتلفتها الحرائق أو التي فقدت غطائها النباتي نتيجة الأمراض. تتضمن هذه المبادرات برنامجا قطاعيا، تحت إشراف محافظة الغابات، إلى جانب مشروع ممول من شركة سوناطراك، يمتد على مدى عشر سنوات، ويهدف في مرحلته الأولية إلى تشجير 700 هكتار بمختلف أنواع الأشجار”.

..ومطالب بتفعيل مفهوم “التّوسّع”

في ضوء ذلك، نبّه رئيس مصلحة حماية النباتات والغابات المحلية، أوجيت عبد الوهاب، إلى “أهمية تفعيل مفهوم التوسع كإجراء ضروري للحد من تدهور المساحات الطبيعية”. وشدد في هذا الشأن على “ضرورة توسيع نطاق الأملاك الغابية من خلال دمج الأراضي غير المستغلة ضمن الأملاك العمومية، مع التركيز على تشجيرها وزراعتها”.
كما اقترح “إعادة تأهيل المناطق ذات الغطاء النباتي المتدهور، عبر زراعة أنواع مقاومة للجفاف والأمراض، مع تنويع الغطاء النباتي لتجنب المشكلات التي واجهتها الغابات الصنوبرية، بسبب خنفساء اللحاء”، مؤكدا على ضرورة حماية المساحات المشجرة من خلال تسييجها وتأمينها، إلى جانب تبنّي برامج ري منتظمة بالأساليب التقليدية أو الحديثة لتعزيز الاستدامة البيئية؛.