طباعة هذه الصفحة

نحـو استقلالية كاملة في تأمـين مياه الشّرب لولاية وهـران

محطـة الرّأس الأبيـض.. ثـورة في توزيع المياه

براهمية مسعودة

 إرسـاء منظومــة مائية أكــثر كفـاءة واستدامــة

أصبحت عاصمة الغرب الجزائري، وهران، مثالًا يُحتذى به في التصدي لأزمة مياه الشرب، بعدما تجاوزت مرحلة عصيبة تميّزت بندرة الموارد المائية وتزايد مستمر في الطلب. فقد تمكّنت الولاية، بفضل المشاريع الاستراتيجية مثل محطات تحلية مياه البحر وتأهيل شبكات التوزيع، من تأمين احتياجاتها وضمان تزويد السكان بالماء الشروب بانتظام، ما أعاد الثقة للمواطن ورسّخ مفهوم التسيير المستدام لهذه الثروة الحيوية.

وفي هذا الإطار، تتواصل جهود السلطات المحلية لتعزيز القدرات المائية من خلال إطلاق مشاريع جديدة وصيانة المنشآت القائمة، إلى جانب حملات التوعية لترشيد الاستهلاك وتشجيع السلوك المسؤول لدى المواطنين، بما يضمن استدامة المورد ويحمي الأجيال القادمة من أي أزمات محتملة.
 استطاعت المدينة الساحلية أن تقلب المعادلة بفضل خطط استباقية واستراتيجيات فعالة، حولت تحدّي نقص المياه إلى فرصة لإرساء منظومة مائية أكثر كفاءة واستدامة.
أعرب المدير العام لمؤسسة المياه والتطهير “سيور”، السيد هلايلي أسامة، عن اعتزازه بالإنجازات التي حققتها مدينة وهران، مشيرا إلى أنها لم “تعد تقتصر على كونها وجهة سياحية متميزة، بل أصبحت مثالا يحتذى به في ضمان توفير المياه الصالحة للشرب”.
أكّد هيلايلي أن “وهران تمكّنت من تحقيق توازن فعّال بين الكمية والنوعية في إدارة المياه المتاحة، ما يعكس تطورا في أساليب التسيير، وحرصا على تحسين جودة الخدمة العمومية في هذا القطاع الحيوي”.
وأوضح أن “هذا النجاح جاء ثمرة لرؤية إستراتيجية واضحة وتعاون محلي مثمر، إلى جانب كفاءة اليد العاملة الجزائرية التي أثبتت قدرتها حتى في أصعب الظروف”.
كما أشار إلى أن “المنطقة واجهت في السنوات الأخيرة أزمة حقيقية في توفير المياه، نتيجة تراجع معدل التساقطات وانخفاض مستويات السدود المغذية، مثل سد حمام بوغرارة ونظام “الماو”، مما أدى إلى انخفاض إنتاج المياه إلى نحو 400 ألف متر مكعب يوميا فقط”.
في إطار الحديث عن التحديات التي واجهتها ولاية وهران، قبل تشغيل محطة الرأس الأبيض، أكد المسؤول ذاته أن “تلك المرحلة تزامنت مع احتضان الولاية لفعاليات دولية كبرى، أبرزها دورة ألعاب البحر الأبيض المتوسط، ما تسبب في ضغط غير مسبوق على شبكة توزيع المياه ودفع الجهات المعنية إلى تكثيف جهودها لإيجاد حلول عاجلة وفعالة لمواجهة الأزمة”.
واعتبر أن “دخول مصنع تحلية مياه البحر بالرأس الأبيض في بلدية عين الكرمة (غرب ولاية وهران)، شكّل نقطة تحول إستراتيجية طال انتظارها، نظرا لأهميته البالغة في ترسيخ التوازن المائي بالمنطقة، وتعزيز قدرتها على مواجهة تحديات التغيرات المناخية وتراجع نسبة التساقطات”.
وأفاد مدير شركة “سيور”، هلايلي أسامة، بأنّ “الوضع شهد تحولا جذريا، حيث ارتفع معدل الإنتاج اليومي ليبلغ 620 ألف متر مكعب، يتم توزيعها بانتظام عبر شبكة موسعة، تشمل مختلف بلديات الولاية، وذلك في إطار الجهود المبذولة من مختلف الجهات المعنية”.
وعاد ليؤكد أن “هذه النقلة النوعية تحققت بفضل رفع طاقة محطة “المقطع” لتحلية مياه البحر، إضافة إلى استلام وتشغيل مصنع “الرأس الأبيض”، الذي دشنه رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، في نهاية شهر فيفري 2024، ما ساهم في تعزيز القدرات الإنتاجية بشكل ملحوظ”.
وقد دخل المصنع حيز التشغيل الجزئي بطاقة إنتاجية أولية بلغت 50 ألف متر مكعب يوميا، ثم بدأت هذه القدرة في الارتفاع تدريجيا حتى بلغت 225 ألف متر مكعب يوميا، وذلك خلال أربعة أشهر فقط من بدء التشغيل، محققة نسبة إنجاز تجاوزت 80 %، وفق للمصدر ذاته.
وأبرز أن “هذه المنشآت الحيوية تم تنفيذها بأيادٍ جزائرية 100 %، من خلال شركات وطنية وكفاءات محلية، ما يعكس قدرة الجزائر على إنجاز مشاريع استراتيجية كبرى ذات أهمية حيوية.”
وفي هذا السياق، أشار إلى أن “محطة ‘المقطع”، التي بدأت العمل في عام 2013، كانت تواجه تحديات كبيرة في إنتاجها، نتيجة لإدارة الأجانب، حيث لم تتجاوز طاقتها 200 ألف متر مكعب يوميًا حتى نهاية عام 2022”.
ورأى أنّ “فسخ العقد مع الطرف الأجنبي، سواء فيما يتعلق بالإدارة أو الصيانة، وتولي الكفاءات الجزائرية هذه المهام، أسهم بشكل كبير في زيادة الإنتاج ليصل إلى 420 ألف متر مكعب يوميًا كحد أدنى”، معتبرا ذلك “إنجازا نوعيا يعكس القدرات الوطنية في مجالات الإدارة والتطوير”.
قال المدير: “أوضحنا في أكثر من مناسبة أن هذه الإنجازات تندرج ضمن سياسة السلطات العليا، التي تهدف إلى رفع نسبة المياه المحلاة الموجهة للشرب، من أجل بلوغ مستويات الأمن المائي المرتبط مباشرة بالأمن الغذائي”، وأضاف أنّ “ولاية وهران منخرطة بشكل كامل في هذه السياسة، سواء من خلال توسعة محطات التحلية أو تعزيز المصفاة، وذلك بهدف الحفاظ على مياه السدود والمياه السطحية، كمخزون استراتيجي لمياه الشرب والري الفلاحي”، مشيرا إلى أن “نسبة تزويد ولاية وهران بالمياه المحلاة بلغت حاليا 95 %، وذلك بفضل التعاون الفعّال بين مصنع الرأس الأبيض ومحطة المقطع، بالإضافة إلى محطة شط الهلال في عين تموشنت”. كما أضاف أنه “مع اقتراب تشغيل محطة الرأس الأبيض بكامل طاقتها التي تصل إلى 300 ألف متر مكعب، ستصل نسبة التغطية إلى أقصى حد، مما يضمن الاكتفاء الكامل في توفير مياه الشرب”. وتابع مسترسلا: “هذه الأرقام تأتي في إطار تعزيز قدرات ولاية وهران الإنتاجية؛ حيث ارتفع إجمالي إنتاج المياه إلى أكثر من 600 ألف متر مكعب يوميا، مما يعكس التحسن الكبير في البنية التحتية المائية”.
تحسينات شاملة في التّوزيع
كما أوضح مدير شركة المياه والتطهير “سيور”، أن إنتاج المياه وتوزيعها عمليتان مترابطتان”، مشيرا إلى أن “دخول محطة تحلية مياه البحر بالرأس الأبيض حيز الخدمة في شهر فيفري الماضي، شكّل نقطة تحول نحو تحسين تدريجي لتوزيع المياه، وفقا للظروف والإمكانات المتاحة”. وكشف أن “الشركة تعمل حاليا بالتعاون مع مديرية الري لتعزيز وإعادة تأهيل شبكات التوزيع، بهدف استيعاب الكميات الإضافية الناتجة عن محطة التحلية الجديدة، والتكيف مع التغيرات في التدفق والضغط”.
في ضوء ذلك، أعلن عن “تنفيذ سلسلة من المشاريع لتحسين التوزيع في المناطق الغربية والساحلية”، مبينا أن “المرحلة الاولى استهدفت أربع بلديات رئيسية: عين الترك، بوسفر، العنصر وعين الكرمة، والتي كانت تعتمد سابقا على محطة بني صاف بشاطئ الهلال، مما أدى إلى ضغط متزايد على المحطة وتكرار الأعطال”.
أفاد نفس المصدر أنّ “عمليات التحسين شملت أيضا بعض أحياء غرب مدينة وهران، بما في ذلك الحاسي، مديون، الحمري، إلى جانب المجمعات السكنية الجديدة، ما يعكس توجها واضحا نحو توسيع نطاق التدخلات لتحسين جودة الخدمات في هذه المناطق الحيوية”.
توازن هيدروليكي بين الشّرق والغرب
و«في الجهة المقابلة لا تزال التحضيرات جارية لإطلاق تدخلات ميدانية في المنطقة الشرقية، حيث سيتم التركيز بشكل خاص على الطوابق العليا لبلدية بئر الجير ومحيط منطقة بلقايد، ضمن خطة مستقبلية، تهدف إلى معالجة التحديات المرتبطة بضغط المياه في المناطق المرتفعة”، كما قال.
تسعى شركة “سيور” للمياه والتطهير، وفقا لتصريحات مديرها، خلال الفترة الحالية إلى “تحقيق التوازن الهيدروليكي بين شبكتي توزيع المياه في شرق وغرب وهران”.
وأضاف المدير أن “نظام توزيع المياه سيعرف تحولا نحو نمط جديد يعتمد مبدأ غرب-شرق، بهدف تقليل الإعتماد الكلي السابق على الجهة الشرقية، والتي كانت تتولى تغذية الجهتين، بالإضافة إلى ولاية معسكر”، مؤكدا أن “هذه الخطوة الهامة قد دخلت مرحلة التجريب، وتهدف إلى دعم تزويد مدينة معسكر بالمياه المحلاة عبر محطة المقطع، وكذا تعزيز تموين سيدي بلعباس انطلاقا من محطة الرأس الأبيض، مع تقليص الاعتماد على مياه السدود لفائدة ولايتي غليزان ومستغانم”.
أعرب المدير العام لشركة المياه والتطهير “سيور”، هلايلي أسامة، عن تفاؤله بأن “ولاية وهران ستسهم في تحسين خدمة توزيع المياه الصالحة للشرب لفائدة خمس ولايات أخرى”.