طباعة هذه الصفحة

ديناميكية جديدة للوكالات السياحية بالمنطقة

قسنطينـة..توافـد كبـير للسيـّاح الأجانـب والمحليين

قسنطينة: مفيدة طريفي

تشهد ولاية قسنطينة عاصمة الشرق الجزائري، خلال السنتين الأخيرتين، انتعاشًا لافتًا في النشاط السياحي، في مشهد يعكس عودة الروح إلى إحدى أعرق المدن الجزائرية التي طالما شكّلت ملتقى للحضارات ومنارة ثقافية وتاريخية في قلب شمال إفريقيا، هذا الانتعاش تُوّج في شهر أفريل 2025 أكثر من 1184 سائحًا أجنبيًا، وهو رقم يعدّ غير مسبوق منذ سنوات، ويشير إلى تحول نوعي للقطاع..

تمتاز قسنطينة، المعروفة باسم «مدينة الجسور المعلّقة»، بجمالها العمراني الفريد، وتاريخها العريق الممتدّ لآلاف السنين، فهي لا تقتصر على المعالم الأثرية الرومانية والعثمانية فقط، بل تُعدّ مركزًا للثقافة والروحانية، وتضمّ العديد من المعالم التي تجمع بين الحداثة والأصالة، مثل جسر سيدي مسيد، قصر أحمد باي، ودار الثقافة، بالإضافة إلى المدينة القديمة «السويقة» التي تجسّد ذاكرة المدينة الاجتماعية والحرفية.
خلال شهر أفريل المنقضي، استقبلت قسنطينة سيّاحًا من جنسيات متعددة شملت الولايات المتحدة، إيطاليا، فرنسا، بلجيكا، بريطانيا، البوسنة، كرواتيا، المكسيك، روسيا، الدنمارك، اليابان وغيرها، وقد أعرب معظمهم عن إعجابهم الكبير ودهشتهم من جمالية المدينة وتنوع معالمها، فضلاً عن دفء سكانها وتميّز الموروث الثقافي الذي لا يزال حاضرًا بقوة في تفاصيل الحياة اليومية.
هذا التوافد الكثيف لم يكن عشوائيًا، بل جاء ثمرة لمجهودات وكالات السياحة المحلية والدولية، التي بدأت في إدراج قسنطينة ضمن برامجها الاستكشافية. الرحلات السياحية باتت أكثر تنظيمًا، مستهدفة اكتشاف التراث المعماري، الفنون التقليدية، المطبخ المحلي، إضافة إلى المسارات البيئية والطبيعية المجاورة.
وبحسب مسؤولين بمديرية السياحة، فإن العمل جارٍ حاليًا على تطوير البنية التحتية السياحية، بما يشمل تأهيل الفنادق، تحسين جودة الخدمات، وتكوين المرشدين السياحيين، من أجل تلبية تطلعات السياح الأجانب والمحليين على حد سواء.

السياحة الداخلية تنعش الاقتصاد المحلي

لا يقتصر الأمر على السياح الأجانب فقط، فولاية قسنطينة أصبحت كذلك وجهة مفضلة للجزائريين من مختلف الولايات، الذين يقصدونها بغرض التسوق، حضور الفعاليات الثقافية والمهرجانات، أو حتى للاستجمام. الحركة التجارية شهدت تحسنًا ملحوظًا، خاصة في المدينة القديمة، حيث ارتفعت مداخيل أصحاب الحرف والمطاعم، ما ساهم في تحريك عجلة الاقتصاد المحلي.
رغم هذه المؤشرات الإيجابية، لا تزال قسنطينة بحاجة إلى مواجهة بعض التحديات، من بينها نقص الهياكل الترفيهية، الحاجة إلى مزيد من الفنادق ذات التصنيفات العالمية، وتعزيز النقل الجوي المباشر مع عدد من العواصم الأجنبية. كما أن الرقمنة في مجال السياحة لا تزال محدودة، مما يستدعي العمل على تطوير التطبيقات والمنصات الإلكترونية الخاصة بالحجز والاستكشاف.

نحو تصنيف دولي لقسنطينة

يرى مختصون أن قسنطينة تملك كل المقوّمات التي تجعل منها وجهة عالمية، ليس فقط في المجال الثقافي، بل كذلك في السياحة الدينية والعلاجية والبيئية. وهناك دعوات متزايدة لتسجيل بعض معالم المدينة ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو، وهو ما قد يفتح آفاقًا أكبر للترويج الدولي واستقطاب استثمارات في القطاع السياحي.
ما تعيشه قسنطينة اليوم من حركية سياحية ملحوظة، هو بداية واعدة لمسار طويل من الترويج والاستثمار في السياحة المستدامة، المدينة التي طالما اعتُبرت مفخرة التراث الجزائري، عادت لتفرض نفسها كوجهة لا غنى عنها لكل من يبحث عن الجمال، التاريخ، والضيافة الأصيلة.