الأكـثر تنظيمـا ونجاحــا منـذ اعتماد نظــام بروقـرس
عرف المشهد الجامعي بولاية الجلفة خلال السنوات الأخيرة تطوّرا علميا لافتا جعله يشكّل إحدى الركائز الأساسية في الجزائر، حيث حقّقت كل من جامعة الشهيد زيان عاشور، بما تحمله من خبرة وتجربة أكاديمية راسخة، وجامعة التكوين المتواصل. نجاحات فتحت آفاقا جديدة للشباب الجامعي، وكانت جسرا لهم نحو الحياة التعليمية والاجتماعية والمهنية.
حضور مزدوج لم يقتصر على التكوين البيداغوجي، بل أحدث ثورة حقيقية بتكوين كفاءات جديدة، ومنح فرص للشباب لإنشاء مؤسّسات مصغرة، وإسهامه في دفع الحركية الاقتصادية المحلية. وبين قاعات التدريس ومخابر البحث وحاضنات المقاولاتية، تشكّلت صورة جامعية مزدوجة تجمع بين التعليم النظامي والتعليم المستمر، لتمنح آلاف الطلبة والموظّفين فرصا إضافية في مسارهم الدراسي والمهني.
كشفت الأرقام والمعطيات حجم هذا الحضور العلمي والاقتصادي، حيث تضم جامعة الجلفة أزيد من 26 ألف طالب، من بينهم 4598 طالباً جديدا خلال الدخول الجامعي 2025-2026، منهم 899 مسجلون في ملحقة المدرسة العليا للأساتذة.
وفي المقابل سجّلت جامعة التكوين المتواصل بدورها رقما قياسيا باستقطاب 2600 طالب جديد هذا الموسم، إلى جانب تخرج نحو 800 طالب، بينهم أول دفعة في تخصص الإنجليزية التقنية، ما يعكس الإقبال المتزايد على التكوين الهجين الذي تمزج فيه بين التعليم عن بعد والنمط الحضوري.
ويشترك الصّرحان الجامعيان في اعتماد نظام “البروقرس”، الذي أحدث نقلة نوعية في تسيير مختلف العمليات البيداغوجية والإدارية، فبفضل هذا النظام، ألغيت الطوابير والإجراءات الورقية، وأصبح الطالب قادرا على التسجيل، متابعة دراسته، وإنجاز امتحاناته عن بعد. وإذا كانت جامعة الجلفة قد أرشفت المسار البيداغوجي بنسبة 100 %، فإنّ جامعة التكوين المتواصل طورت منظومة تعليم هجين تمنح الطلبة حسابات رقمية خاصة للولوج إلى المحاضرات والمراجع والاختبارات الإلكترونية.
مشاريــــع اقتصاديــة نحو التّسويـق
أكّد مدير جامعة الجلفة، البروفيسور عيلام الحاج، أنّ المزرعة النموذجية والمشتلة الجامعية تحوّلتا إلى فضاء علمي مفتوح يمكن الطلبة من التدريب على الزراعات الإستراتيجية، مثل الأرقان، الزعفران والفطر، وهي تجارب أثمرت منتجات جاهزة للتسويق على المستوى الوطني. كما أشار إلى مشروع “الفقاسة الذكية” للبيض بالتنسيق مع مديرية الفلاحة، باعتباره أحد الابتكارات التطبيقية التي تعكس القيمة التقنية للتكوين في العلوم الفلاحية.
وأوضح المتحدث أنّ هناك مشاريع أخرى في الجانب الصناعي، من بينها مشروع الطاقة الذي بلغ مرحلة تسويق اللوحات الشمسية بعد نجاح التجارب الأولية، كما دخلت الجامعة مجال تصنيع التجهيزات الإلكترونية الذكية.
وكشف البروفيسور عيلام عن توقيع اتفاقيات تعاون مع جامعات دولية، من بينها جامعة قدانسك للتكنولوجيا، بالإضافة إلى اتفاقية حديثة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بهدف تطوير مشاريع بحث مشتركة وتأطير طلبة الدكتوراه.
وأضاف أنّ طلبة الجلفة شاركوا في أكثر من 30 مشروعا مبتكرا حاز على وسم وزارة اقتصاد المعرفة، في مجالات تشمل الإعلام الآلي، الطاقات المتجددة والفلاحة. وأبرز أنّ حاضنة الأعمال الجامعية تحوّلت إلى مركز إشعاع وطني، باحتضانها أكثر من 30 مشروعا مبتكرا، فضلا عن مناقشة 70 مشروع مؤسسة ناشئة خلال السنة الماضية، ما جعل جامعة الجلفة تتصدر الجامعات الجزائرية في مجال المقاولاتية. وفي نفس السياق، كشف عن إنشاء مركز لتطوير المقاولاتية بالشراكة مع وكالة “ناسدا”، لتكوين الطلبة ومرافقتهم نحو تأسيس مؤسساتهم الاقتصادية.
تخصّصات كانت حلما..فأصبحت واقعا
تعزّز العرض البيداغوجي بجامعة الجلفة بمناسبة الدخول الجامعي الجديد، باستحداث تخصّصات جديدة طالما كانت حلما وأصبحت اليوم حقيقة، من بينها الجيولوجيا، العلوم الإسلامية، والفنون التي تشمل تكوينات في التمثيل المحترف والكتابة المسرحية. وأوضح البروفيسور عيلام أن هذه التخصصات ستفتح أبوابها لأول مرة أمام حاملي بكالوريا 2025، مع إمكانية استقبال طلبة من مختلف ولايات الوطن، خصوصا في قسم الفنون الذي سجل وطنيا ويعد إضافة نوعية للمشهد الأكاديمي.
كما يتعزّز التكوين بفتح عشرة مسارات جديدة على مستوى ملحقة المدرسة العليا للأساتذة، في الابتدائي والمتوسط والثانوي، وهو ما يعكس حرص الجامعة على تنويع عروضها بما يلبّي احتياجات السوق الوطنية في مجالات متعدّدة.
وفي الجانب العلمي، تحصي الجامعة أكثر من 25 مخبرا بحثيا مجهزا، يساهم في تكوين طلبة الدكتوراه. كما شهدت السنوات الأخيرة توظيف 207 أستاذ جامعي، ممّا ساهم في تحسين التأطير، وأسفر عن تخرج أكثر من 7 آلاف طالب ما بين ليسانس وماستر، إضافة إلى 80 طالبا ناقشوا أطروحات الدكتوراه خلال العام الجامعي المنقضي.
الرّقمنـة.. اختصرت المسافات وألغـت الطّوابير
تحدّث مدير جامعة الجلفة بإسهاب عن مسار التحول الرقمي، مؤكّدا أن اعتماد نظام “البروقرس” مثل نقلة نوعية في تسيير مختلف العمليات الجامعية، حيث مكّن من تسريع الإجراءات، الحفاظ على المال العام، والقضاء على مظاهر الطوابير واستهلاك الأوراق، سواء في التسجيلات أو الامتحانات أو المداولات.
وأوضح أن 99 % من النشاطات البيداغوجية اكتملت قبل العطلة الصيفية، ما يتيح دخولا جامعيا سلسا ومنظما، مع رقمنة المسار البيداغوجي للطالب بنسبة 100 %.
وبين أنّ هذا النظام سهّل المهمة على جميع أفراد الأسرة الجامعية، من طلبة وأساتذة وموظفين، حيث تحولت عمليات كانت في الماضي تنجز حضوريا بتكلفة مالية وبشرية كبيرة، إلى إجراءات رقمية تنجز عن بعد، ما وفّر الوقت والجهد والمال.
فالطالب أصبح قادرا على إتمام جميع معاملاته من التسجيل إلى الامتحانات والمداولات عبر المنصة الرقمية، بينما يتمكّن الأستاذ من إيداع ملفاته والترشح للمناصب عن طريق النظام نفسه، مع إمكانية دراسة الملفات ومراجعتها إلكترونيا، ما ألغى الحاجة للاصطفاف في الطوابير وتبادل الملفات الورقية.
وأشار المتحدث إلى أنّ التسجيلات الجامعية، التي كانت في السابق تعرف اكتظاظا كبيرا داخل الجامعات وتتطلّب تسخير موظفين ووسائل مادية وحتى مكاتب البريد، أصبحت اليوم تتم رقميا بالكامل، بعد قرار وزارة التعليم العالي والبحث العلمي برقمنة العملية، لتختفي بذلك مظاهر الاكتظاظ والتعقيد التي كانت تميز هذه المرحلة في الماضي.
طلبة الجلفة يتألّقون في مختلـف الميادين
لم يقتصر تميّز طلبة جامعة الجلفة على التفوق الأكاديمي، بل امتد ليشمل مجالات إبداعية ورياضية متنوّعة، فقد حصدوا مراتب متقدمة في مسابقات وطنية للزخرفة والخط العربي، والمؤسسات الناشئة، والتنشيط الإعلامي، وفن الصورة، وعلى الصعيد الرياضي، أبدعت الفرق الجامعية في منافسات الكرة الطائرة الشاطئية وكرة السلة للإناث، مؤكّدة روح التحدي والإصرار لدى الطلبة.
وفي بادرة إنسانية وتربوية مميّزة، احتضنت جامعة الجلفة الأولمبياد الثقافي والرياضي الوطني لفئة ذوي الهمم، الذي جمع بين المنافسة الشريفة ونشر قيم التضامن والاحترام، ممّا جعل جامعة الجلفة نموذجا في الجمع بين العلم والرياضة والإنسانية.
تهيئة واسعـة للمرافـق
تشهد جامعة الجلفة هذه الأيام ورشة مفتوحة لتهيئة مرافقها وتحديثها، مع الدخول الجامعي الجديد، بما يضمن استقبال الطلبة في ظروف مثالية. وتشمل هذه الأشغال إعادة تأهيل القاعات الدراسية والمخابر العلمية، وتحديث تجهيزاتها البيداغوجية. كما تمّ تعزيز الفضاءات الخضراء وتنظيم المساحات الداخلية والخارجية، لتوفير بيئة جامعية عصرية تلبّي تطلّعات الأسرة الجامعية، وتواكب المعايير الحديثة في التعليم العالي.
وتضم جامعة الشهيد زيان عاشور بالجلفة تسع كليات ومعهدا، وتشمل كلية العلوم الدقيقة والإعلام الآلي، كلية علوم الطبيعة والحياة، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، كلية الآداب واللغات والفنون، كلية العلوم الاقتصادية والتجارية وعلوم التسيير، كلية العلوم والتكنولوجيا، كلية الحقوق والعلوم السياسية، إضافة إلى معهد علوم وتقنيات النشاطات البدنية والرياضية، فضلا عن ملحقة لكلية الطب وملحقة المدرسة العليا للأساتذة.
كما تتوفّر الجامعة على قاعة محاضرات كبرى، مكتبة مركزية، ومجمع مخابر للبحث العلمي، ما يجعلها فضاء جامعيا متكاملا يجمع بين التكوين الأكاديمي والبحث العلمي والخدمات الجامعية.
300 منصب عمـل ومقر جديـد للمدرسة العليا للأساتذة
من جانبه، أبرز والي ولاية الجلفة خلال ندوة صحفية عقدها مؤخرا بمناسبة الدخول الاجتماعي، أهمية تهيئة المرافق الجامعية واستغلال الهياكل غير المستغلة لدعم الدخول الجامعي. وأكّد أنّ السلطات المحلية، بالتنسيق مع وزارات التعليم العالي، الرياضة والتربية الوطنية، قرّرت استغلال مقر الثانوية الرياضية، الذي ظل مهملا منذ 2014، وتحويله إلى مقر جديد للمدرسة العليا للأساتذة التي تستقبل أزيد من ألف طالب.
وأوضح أنّ هذه الخطوة ستوفّر ظروفا بيداغوجية أفضل وإقامات إضافية، بما يسمح بانطلاقة جامعية مريحة. كما كشف أنّ المشروع الجديد سيفتح حوالي 300 منصب عمل، إلى جانب إدراج عشرة تخصّصات جديدة، بعضها سيكون حصريا على ولاية الجلفة، وأضاف الوالي أن قدرات الاستيعاب في الإقامات الجامعية تتجاوز 7000 سرير، في وقت لم يتعد عدد المسجلين 6500 طالب، وهو ما يجعل الدخول الجامعي هذه السنة في وضعية “مريحة ومستقرّة”.
تعليم جامعي يواكب التّحوّلات الوطنية
في السياق نفسه، برزت جامعة التكوين المتواصل بالجلفة كمحطة ثانية رسمت صورة أخرى من الحركية الجامعية، بفضل اعتمادها على الرقمنة وفتح تخصّصات جديدة. وبحسب مصدر من إدارة الجامعة، فإنّ الموسم الحالي يعد “الأكثر تنظيما ونجاحا منذ اعتماد نظام بروقرس”، موضّحا أن النظام الجديد سمح بإنجاز الأعمال البيداغوجية والإدارية في وقتها، وسهّل على الطلبة التسجيل ومتابعة مسارهم الدراسي بكل يسر.
واستجابة لرغبات الطلبة وتطور سوق العمل، فتحت الجامعة هذا الموسم تخصّصات جديدة على غرار علم الاجتماع التربوي، التسويق الرقمي، والإدارة الإلكترونية، وقد شهدت هذه التخصصات إقبالا واسعا من الملتحقين الجدد، وأوضح المصدر أنّ “رفع التحدي بفتح تخصصات عصرية هو جزء من إستراتيجية المؤسسة لتلبية تطلّعات الطلبة وحاجيات المجتمع”.
وعلى صعيد الإنجازات، تميّز الموسم الجامعي بتخرّج أول دفعة في تخصص الإنجليزية التقنية بعد ثلاث سنوات من التكوين، ضمّت طلبة من داخل الولاية وخارجها، كثير منهم من مناطق بعيدة، ما يبرز الدور الوطني للمركز في إتاحة الفرص التعليمية لمن حالت ظروفهم دون الالتحاق بالتعليم الحضوري العادي.
وتعتمد جامعة التكوين المتواصل بالجلفة نظاما هجينا يجمع بين التعليم عن بعد عبر المنصة الرقمية والتعليم الحضوري بنسبة ضئيلة لتعزيز المفاهيم. ويحصل كل طالب منذ تسجيله على حساب خاص يتيح له متابعة المحاضرات، الاطلاع على المراجع، وإنجاز الاختبارات الإلكترونية، مع متابعة مستمرة من أساتذة مشرفين يقدمون التوجيه اللازم.
وبفضل إدماج نظام “بروقرس”، أصبحت الجامعة توفّر للطلبة مختلف الخدمات الإلكترونية، بدءا من التسجيل، مرورا بالمتابعة البيداغوجية، وصولا إلى استخراج الوثائق الرسمية. كما يستفيد الطلبة الحاصلون على بكالوريا جديدة من نفس الامتيازات الممنوحة في الجامعات العادية، بما في ذلك الإقامة الجامعية والنقل.
وتعد الجامعة رافدا أساسيا للتنمية المحلية، من خلال تأهيل وترقية الموظفين في مختلف الإدارات، وقد عقدت اتفاقيات تعاون مع مديرية التجارة، الخزينة، والإدارات العمومية الأخرى، لتوفير برامج رسكلة تستجيب لحاجيات المؤسسات.
وشملت هذه البرامج تكوين موظّفين في الأسلاك المشتركة مثل المتصرفين وأعوان الإدارة وملحقي الإدارة، إضافة إلى أسلاك خاصة مرتبطة بالتجارة والخزينة. وأشار المصدر إلى أنّ “هذه الشراكات مكّنت من رفع كفاءة الموظفين، ما ينعكس مباشرة على تحسين أداء المرفق العمومي”.
وأضاف أنّ “فتح ماستر في تخصّص الشفافية ومكافحة الفساد، بالتعاون مع الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد ووزارة التعليم العالي، يمثّل بعدا وطنيا مهما لدعم قيم الحوكمة الرشيدة”.
ومع انفتاح الجامعة على تخصّصات جديدة واعتمادها على الرقمنة في التسيير والتكوين، تبرز آفاقا مستقبلية واعدة، إذ لا تراهن المؤسسة فقط على تكوين الطلبة الجامعيين، بل أيضا على دعم التنمية المحلية والوطنية من خلال إعداد كفاءات قادرة على مواكبة التحولات الاقتصادية والاجتماعية.
وتملك جامعة التكوين المتواصل بالجلفة رصيدا أكاديميا يمتد لأكثر من ربع قرن، فقد تأسّس المركز سنة 1999 كفرع تابع لجامعة الأغواط، قبل أن يتطور لاحقا إلى مؤسسة مستقلة بهياكل إدارية وموارد أكاديمية خاصة.
وقد انطلقت بعدد محدود من التخصصات مثل قانون الأعمال، العلاقات الاقتصادية، التسيير العمومي، الإنجليزية التقنية والفرنسية التقنية. ومع مرور السنوات، تخرّج فيها آلاف الطلبة الذين يشغل كثير منهم اليوم مناصب في الإدارة والاقتصاد والتعليم، ما جعلها أحد أبرز المساهمين في تكوين إطارات ولاية الجلفة.