طباعة هذه الصفحة

المـواطن الجزائـري أصبحـت لـه خيارات كثيرة

ثقة متنامية في الإنتاج الوطني.. وداعــا لـ”الخــردة”

موسى دباب

 إنشـاء مناطق صناعيـة وتسهيل المناخ للمستثمريـن المحليـين

لم يعد المواطن الجزائري يشتري ما كان يعرف سابقا بـ«الخردة”، فقد أصبح اليوم يفضل الأجهزة الكهرومنزلية المحلية ذات الجودة العالية والمواصفات المتطورة، ولم تعد هذه الأجهزة رفاهية، بل أصبحت متوفرة في كل بيت، حتى في المناطق النائية، وهو ما يعكس ثقة المواطنين بالمنتوج الوطني ونجاح سياسة الدولة في تطوير هذا القطاع الحيوي.

وضعت السلطات الجزائرية حزمة من الإجراءات استهدفت تطوير الإنتاج المحلي، ومن بينها الاستثمار في الأجهزة الكهرومنزلية، إنشاء مناطق صناعية، وتسهيل المناخ الاستثماري للمستثمرين المحليين. وقد أسهمت هذه الإجراءات في تشغيل آلاف المواطنين، وفتحت المجال أمام ظهور العديد من الماركات الوطنية التي أصبحت منافسا حقيقيا للمنتجات الأجنبية.
وقبل هذا التحول، كانت الأجهزة الكهرومنزلية تستورد من الخارج بأسعار جد مرتفعة، ما كان يستنزف الملايين من العملة الصعبة، ويترك المواطن أمام خيارات محدودة غالبا ما تكون دون جودة مقبولة، وفي ظل احتكار بعض المستوردين ورفعهم الأسعار بشكل خيالي، رحّب المواطن اليوم بالمنتوج الوطني الذي أصبح مشهودا له بالجودة والموثوقية.
ولم يقتصر هذا النجاح على تلبية الاحتياجات اليومية فحسب، بل ساهمت هذه الصناعة في خلق آلاف فرص العمل المباشرة وغير المباشرة، وإنعاش الاقتصاد المحلي، ورفع نسب الإدماج الصناعي من مجرد تركيب القطع إلى تصنيع أجزاء رئيسية محليا. كما ساعد هذا التوسع على خلق منافسة بين الشركات الوطنية، ما أدى إلى توفير الأجهزة بأسعار معقولة وجودة أفضل، وأصبحت الأسواق مليئة بالمنتجات المحلية التي تلبي مختلف احتياجات الأسر الجزائرية.
وفي هذا الإطار، أكد الدكتور أحمد عبد الرحمن بن سالم، الباحث والمتخصص في قانون الأعمال بجامعة الجلفة، أن “الأجهزة الكهرومنزلية في الجزائر لم تعد مجرد منتجات، بل أصبحت اليوم رمزا لثقة المواطن في الصناعة الوطنية.
فبعد سنوات من الاعتماد على الاستيراد، باتت المنتجات المحلية قادرة على تلبية الغالبية العظمى من الطلب الداخلي، وهو ما انعكس إيجابا على المستهلك الذي يجد السلع بسهولة وذات جودة”.
وأشار إلى أن “القطاع الجزائري للأجهزة الكهرومنزلية أصبح شعبة صناعية متكاملة، استطاعت تحقيق نقلة نوعية على المستويين الكمي والنوعي، ما انعكس مباشرة على رضا وثقة المواطن الجزائري”. وأضاف في حديثه لـ«الشعب” أن هذه الشعبة “باتت اليوم من الروافد الحقيقية التي يُعوّل عليها لزيادة الصادرات خارج قطاع الطاقة، بما يعزز من متانة الاقتصاد الوطني ويمنحه آفاقا أوسع للاستدامة”..
ولفت الدكتور بن سالم إلى أن عدد المؤسسات الناشطة في هذه الشعبة حسب آخر الإحصائيات “يبلغ أكثر من 150 مؤسسة جزائرية ناشطة وفعّالة، تساهم في توفير أزيد من 30 ألف منصب شغل مباشر، 16 ألف منها في القطاع العمومي”..
وتابع “يسجل لهذه الصناعة أيضا أنها تتطور بشكل متسارع بفضل تضافر عاملين أساسيين، الأول هو التطور التكنولوجي العالمي الذي يفرض تحديثا مستمرا لآليات الإنتاج وأساليبه، والثاني هو الطلب المتزايد محليا ودوليا على الأجهزة الكهرومنزلية والإلكترونية ذات الجودة العالية.
هذا التزاوج بين التطور التكنولوجي وارتفاع الطلب جعل المؤسسات الوطنية أمام تحديات كبرى، غير أنها اختارت مجابهتها بإدخال أحدث التكنولوجيات وتبني استراتيجيات إنتاج عصرية قادرة على تلبية احتياجات السوق المحلية ومجاراة المنافسة العالمية”.
وأضاف: “ما يميز هذه المنتجات الوطنية هو قدرتها على الجمع بين الجودة والابتكار من جهة، واحترام المعايير التقنية والفنية من جهة أخرى. فقد أثبتت التجربة أن احترام معايير الجودة والسلامة وإدماج عناصر التصميم العصري منح المنتجات الجزائرية ميزة تنافسية واضحة، وهو ما انعكس في رضا المستهلك المحلي وإقباله المتزايد عليها، وساهم هذا التطور في خلق حالة من الارتباط الإيجابي بين المواطن والإنتاج الوطني، حيث أصبح المستهلك يثق بأن الجهاز الذي يشتريه محلي الصنع يلبي المعايير الفنية والتصميمية الحديثة”..
وضرب الدكتور أمثلة على نجاح الصناعة الوطنية بمجمع “إيلك ELEC”، الذي يشكل ركائز مهمة للإنتاج المحلي، ويضم أكثر من 25 فرعا متخصصا ويعمل فيه أكثر من 7000 عامل. ويقوم المجمع بإنتاج أجهزة كهرومنزلية وإلكترونية متنوعة، بالإضافة إلى مكونات تدخل في صناعات أخرى، ما يجعله نموذجا متكاملا يجمع بين الإنتاج المباشر والدعم الصناعي لقطاعات أخرى”.
وأوضح الباحث في قانون الأعمال أن هذه المؤسسات تعد “جزءا من إستراتيجية أكبر تهدف إلى رفع نسب الإدماج المحلي من مجرد تركيب القطع المستوردة إلى تصنيع أجزاء رئيسية محليا، ما يجعل المنتج النهائي أكثر موثوقية ويزيد من رضا المستهلك”.
وأكد أن “توافر الأجهزة الكهرومنزلية بشكل مستمر في الأسواق ليس فقط مؤشرا على نجاح الصناعة، بل يعكس أيضا سياسة وطنية متكاملة لدعم الإنتاج المحلي وتقليص الاعتماد على الاستيراد، ويمنح المستهلك حرية الاختيار دون القلق من نقص المنتجات أو ارتفاع الأسعار المفاجئ”.
 وأضاف الدكتور “ساهم هذا النجاح في تطوير الثقة بين المواطن والشركات المحلية، حيث أصبحت الأسواق مليئة بمنتجات مبتكرة تحترم معايير الجودة والسلامة، وهو ما جعل المستهلك يعتمد على المنتوج المحلي بثقة متزايدة، ويبحث عن التحديثات الجديدة بشكل مستمر”. وقال أيضا “اليوم.
ويمكن القول بأن المواطن الجزائري لم يعد يفتقد الأجهزة الكهرومنزلية، بل أصبح واثقا من الجودة وتوافر المنتجات المحلية في الأسواق. الصناعة الوطنية ليست مجرد وسيلة لتلبية الاحتياجات اليومية، بل أصبحت رافعة اقتصادية حقيقية تخلق فرص عمل وتدعم النمو الوطني، مع إبراز قدرة الجزائر على المنافسة والابتكار، خصوصا مع جودة المنتجات التي باتت تنافس الماركات العالمية، ما يعزز مكانة الجزائر على الساحة الإقليمية والدولية، ويؤشر إلى مستقبل واعد للمنتوج الوطني وثقة المواطن به”.