طباعة هذه الصفحة

اصلاحات اقتصادية لم تكتمل

س / روابحية

عايش الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد مرحلة حاسمة في تاريخ الجزائر الحديث، حيث يعود له الفضل في اقرار التعددية والانفتاح السياسي بعد سلسلة من الاصلاحات التي بادر الى اطلاقها منذ توليه الحكم في سنة ١٩٧٩، شملت ميادين حيوية، كان ابرزها القطاع الاقتصادي.
اصلاحات الشاذلي بن جديد في المجال الاقتصادي لم تبدأ بعد ازمة البترول لسنة ١٩٨٦، بل سعى منذ انتخابه الى اعادة النظر في تنظيم الهيكل الاقتصادي من خلال التكفل بالقطاع العمومي الذي كان المحرك الاساسي لكل مجهود تنموي فكانت اعادة الهيكلة الصناعية التي مست المؤسسات الاقتصادية العمومية، اول محطة في البرنامج الاقتصادي الذي كان مقترحا في تلك الحقبة ساهم في بعثة ما كان يوصف انذاك بالرخاء المالي الناجم بالاساس عن ايرادات المحروقات .
واجه مجهود الاصلاح الاقتصادي الكثير من العقبات ولم يتسن له ان يثمر بعد سنوات من انطلاقه بسبب الاعتماد المفرط على مداخيل النفط التي بدأت تتضاءل الى ان حدثت صدمة ١٩٨٦ عندما انهارت الاسعار الى ادنى مستوى لها، كبدت الاقتصاد خسائر مالية باهضة وكانت من اهم تداعياتها تفاقم الندرة وما كان لها من اثار مباشرة على الانتفاضة الشعبية قبل ٢٤ سنة، باتت تعرف منذ ١٩٨٨ بأحداث ٥ أكتوبر.
هذه الاحداث وما تلتها من حوادث اخرى كانت بمثابة الدافع الحقيقي نحو الحسم في الكثير من القرارات المفصلية، حيث قرر الرئيس الراحل ادخال اصلاحات اقتصادية عميقة كانت تمهيدا للتخلي عن ما تبقى من التسيير الاشتراكي للقطاع الاقتصادي العمومي بعد سلسلة الاصلاحات التي  تكفل  بتنفيذها الرجل القوي في النظام انذاك مولود حمروش، صاحب القرارات الصعبة والرأسمالية المتوحشة، مثلما كانت توصف انذاك.
براقماتية كبيرة تميزت بها شخصية الراحل بن جديد في محاولته للانتقال من مرحلة صعبة تميزت بتراكمات تسيير قيل انه تجاوزه الزمن الى مرحلة اخرى ارادها ان تكون اكثر استقرارا وازدهارا، لكن تسارع الاحداث التي اخذت منعطفا خطيرا ومأساويا كان لها تأثير مباشر على التعجيل برحيل أب الانفتاح والاصلاح السياسي والاقتصادي في الجزائر، بعد استقالة دار من حولها الكثير من اللغط عن اسبابها وتداعياتها.
الاصلاحات الاقتصادية مثلما ارادها الرئيس بن جديد لم يكتب لها التجسيد بعد ان دخلت البلاد في فوضى عارمة اتت على ما تبقى من مقومات النهوض الاقتصادي، ونال الارهاب الهمجي من بقايا مؤسسات كانت قاب قوسين او ادنى من الافلاس المحتوم،  ليعاد النظر مجددا في الكثير من الاسس التي اعتمد عليها في المحاولات المتكررة للانتقال من التسيير السابق في عهد الاشتراكية الى التسيير الذي يعتمد على اقتصاد السوق.