كلمة العدد

المنعرج الحاسم...

سعيد بن عياد
09 فيفري 2019

الفساد، أو «طاعون» الاقتصاد، لم يعد مممكنا تحمل انتشاره في السوق، بعد أن بلغ مستويات تهدد مستقبل النمو، الذي يراهن عليه في مواجهة تداعيات الصدمة المالية الخارجية الناجمة عن أزمة أسعار المحروقات، من جانب، والتطلعات الكبيرة للتنمية المستدامة، من جانب آخر. ترسانة قانونية ودواليب تنظيمية لمواجهة الظاهرة تم إرساؤها منذ السنوات الأخيرة، ترتكز على إرادة صريحة لمحاربة كافة أشكال الفساد، دونما تعطيل لحركية الاستثمار، غير أن المهمة لا تبدويسيرة في ظل انفتاح السوق وتحرير المبادرة، ما يفتح المجال لشريحة من المتعاطين مع الفساد للتسلّل إلى الساحة الاقتصادية.
العمل الوقائي من الفساد له أهمية كبيرة لا تقل عن العمل القمعي، الذي ينتظر أن يضاعف من وتيرته باحترافية وشفافية، بعد استكمال ضبط الآليات القانونية وإعادة تهيئة البنية المؤسساتية ذات الصلة، بوضع القضاء أمام مسؤولياته في انجاز الأهداف المسطرة ضمن توجه مكافحة الفساد، من أجل تطهير المشهد الاقتصادي وتعزيز الثقة في السوق.
 لقد ضخت الدولة موارد غير مسبوقة في الجهاز الاقتصادي من خلال تحفيز ومرافقة وتمويل الاستثمار الخلاق للثروة، ضمن توجهات النموذج الجديد للنمو، ومن الضروري انتظار الحصول على القيمة المضافة ضمن نسيج متناسق لاقتصاد إنتاجي ومتنوع، يتطابق مع ورقة طريق الانتقال الاقتصادي.
وبالموازاة مع تجسيد نسبة مقبولة من تلك الأهداف، لا يزال اكبر تحد يستوجب رفعه يتعلق بكبح وتحييد واستئصال ممارسات الفساد، ضمن القواعد القانونية، لتطهير السوق ووضعها على مسار النموالحقيقي، مما يسمح بالفرز بين المؤسسات التي تنخرط على مستوى كل القطاعات في تنافسية ترتكز على المبادرة والابتكار والتسيير المناجيريالي، بحيث يكون للموارد البشرية المؤهلة الدور الحاسم.
 إن المؤسسة التي تلتزم بقواعد السوق وتستجيب طوعا للقوانين من حيث المطابقة مع معايير الجودة واحترام الآجال ودفع الضرائب والتصريح بالعمال لدى الضمان الاجتماعي ونبذ الرشوة، الغش، التلاعب بالصفقات والتحايل، هي الرقم الصعب في المعادلة، وتصنف شريكا حقيقيا في بناء اقتصاد جديد، يقوم على تثمين العمل والقناعة بشكل راسخ بأن الإضرار بالاقتصاد الوطني بأي سلوك يصنف في خانة الفساد، يدمر المؤسسة والمستثمر والمتعامل ورجل الأعمال الحقيقي بنفس القوة السلبية التي تلحق بالجهاز الاقتصادي للبلد.
لكن ماذا ينفع كل هذا السياج القانوني والتنظيمي المحيط بالاقتصاد، إذا غابت القيم، التي تمثل محرك الضمير وصمام الأمان في ظل سباق دولي محموم على مصادر الطاقة والأسواق، حيث الصراعات حول الثروات تحسم وفقا لمدى التحكم في شروط التنافسية والالتزام بمعايير مكافحة الفساد على كافة المستويات.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19432

العدد 19432

الأربعاء 27 مارس 2024
العدد 19431

العدد 19431

الثلاثاء 26 مارس 2024
العدد 19430

العدد 19430

الإثنين 25 مارس 2024
العدد 19429

العدد 19429

الأحد 24 مارس 2024