بقدر حرارة شمس جويلية شهر الحرية، بقدر حماسة الحراك الشعبي في مسيرته الواحدة والعشرين، بحضور لافت منذ الساعة الحادية عشرة صباحا، وكان الموعد كالعادة بأحياء العاصمة وتحديدا بالشوارع الرئيسية من أودان الى البريد المركزي، رافعين شعارات مستقبل أفضل لشبيبة تطمح إلى أخذ فرصتها.
لم يتخلف أمس الشعب الجزائري عن موعده الأسبوعي الذي إقترن بيوم الجمعة، منذ ميلاد الحراك الشعبي، إذ كان في الموعد مناشدا التغيير للأفضل ونحوالأحسن دائما، ولم تختلف جمعة أمس التي تحمل رقم 21، عن جمعات الحراك وإن اختلفت الفصول منذ انطلاق المسيرات المليونية الحاشدة ذات 22 فيفري من العام 2019، ليخرج الجزائريين المناشدين للتغيير الجذري، تحت أطار فيفري وفي أجواء مارس وأفريل الربيعية، ثم في شهري جوان وجويلية، ولم يمنعهم قبل ذلك صيام قرابة 17 ساعة في الشهر الفضيل من الخروح بقوة، مرافعين لمطالبهم.
«الشعب خاوة خاوة»، أبرز الشعارات في جمعة أمس، شعارات تتجدد من جمعة إلى أخرى، تضاف إلى «الجيش الشعب خاوة خاوة»، رفعها الجزائريون الذين خرجوا أمس بإصرار وعزم كبيرين وإن كان العدد أقل، وشعارهم الأول والأخير «لبلاد بلادنا ونديروراينا»، شعار يختصر عزم الشعب وإرادته على أن يكون السيد بعد استرجاع كلمته.
ما لم يختلف أيضا في الحراك، الذي بعث حيوية في شوارع العاصمة لم يسبق لها مثيل، وهي المعروفة بالسكون أيام الجمعة، ومظاهر إيجابية أخرى ممثلة في تنظيف الشوارع، وكذا فتح المحلات أمامهم لاسيما القادمين من بعيد، الذي خلق حركية تجارية أضفت أجواء مميزة.
وبقطع النظر عن حجم المشاركة في المسيرة، إلا أن رمزية الحراك الشعبي الذي يحظى بتقدير واحترام وحماية كل مؤسسات الجمهورية كبيرة جدا، على اعتبار أنه كرس منعرجا حاسما للجزائريين الذين خرجوا الى الشوارع بالملايين، معبرين عن رفضهم ترشح الرئيس المستقيل لعهدة خامسة، ومطالبين بمحاسبة كل المتورطين في الفساد وتبديد ألأموال، وكان لهم ذلك.
بالموازاة مع ذلك افتك الحراك الشعبي مكسبا جديدا، بعد استقالة رئيس المجلس الشعبي الوطني معاذ بوشارب مطلع جويلية الجاري، وانتخاب رئيس جديد ليلة الأربعاء الماضي سليمان شنين الذي كان بمثابة مفاجأة من العيار الثقيل، لسببين أولهما انتمائه الى ألمعارضة، والثاني أن الرئيس الجديد لا ينتمي لحزب جبهة التحرير الوطني الذي تربع على عرش الغرفة البرلمانية لسنوات طويلة، رغم الحديث عن ترشيح أمينه العام محمد جميعي للمنصب.
وفي الوقت الذي يتواصل فيه الحراك الذي يقارب خمسة أشهر حاملا آمال الجزائريين في التغيير وفي غد ومستقبل أفضل، يستمر عبد القادر بن صالح في منصب رئيس الدولة بعد ما تلقى تأشيرة من المجلس الدستوري، ولعل أبرز التحديات التي تقع على عاتقه تنظيم انتخابات رئاسية يختار من خلالها الشعب، رئيسا للجمهورية يسير المرحلة المقبلة، محطة لن تكون ممكنة دونما المرور عبر حوار شامل جامع يؤسس لتوافق، لن تشارك فيه مؤسسات الدولة، يقوده فريق من الشخصيات الوطنية.