إحياء ذكرى المولد النبوي الشريف هذا السبت

محطة لتجديد الصلة بقيم التسامح ونبذ الفرقة

سعيد بن عياد

«تمنح مثل هذه المحطات التاريخية والدينية الدفع المعنوي لشحذ الهمم وإبعاد كل ما من شأنه أن يثير فرقة أو فتنة أو شحناء بين أبناء الوطن الواحد الذي انصهر أباً عن جد».

 تحل، بعد غد السبت، ذكرى مولد خير الأنام، النبي محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وسلم، في ظل اتجاه الجزائر إلى إدراك مرحلة جديدة تسمح لشعبها المرتبط بشكل وثيق بمرجعيته الدينية والحضارية الأصيلة بالنهوض مجدّدا ضمن عالم يمر بمرحلة غير مسبوقة في استهداف الشعوب وإعاقة الدول الناشئة عن انتهاج مسار التنمية، ومقارعة العولمة، خاصة الجانب الهدام منها لضمان التنمية المستدامة.
هذه الذكرى العظيمة في تاريخ الإنسانية ترمز إلى محطة فارقة تحقق فيها أكبر انتصار للبشرية في مواجهة كافة صور الظلم والهيمنة والاحتقار، ولا تزال قيمها النبيلة الراقية تستوعب تطلعات البشر في مواجهة كل أشكال التمييز والتخريب ومشاريع الهيمنة التي تريد قوى دولية فاق جبروتها مستوى التحمل.
على غرار البلدان الإسلامية في ربوع العالم، تستقبل الجزائر هذه المناسبة في ظل ترسيخ قيم التسامح والإخاء والتضامن ونبذ الفرقة؛ مرحلة تعرف حركية في كافة مناحي الحياة خاصة السياسة والاقتصادية والاجتماعية. ويتصدر المشهد مسار إنجاز الانتخابات الرئاسية التي تعتبر جسر عبور مطابقا لمعايير الشرعية ومتوافقا مع المبادئ والقواعد المشتركة للممارسة الديمقراطية إلى بر الأمان ، لتواصل ورشات الإصلاح الشامل تحت مظلة الشرعية.
ليس هناك من مناسبة مثل المولد النبوي الشريف لاستجماع كافة الأسباب التي تعزز خيار إحداث تلك الوثبة المطلوبة للخروج من دوامة القلق والانشغال والحيرة التي تطبع المشهد الاجتماعي، إلى فسحة الأمل والثقة في القدرات الوطنية لإعادة النهوض مجددا والثبات على السير قدما نحو بناء جزائر جديدة تسمو فيها القيم المشتركة بين أبناء الشعب الواحد، الذي أثبت في أكثر من محطة أنه فريد ولا يمكن الإيقاع به في أوهام التشكيك والإحباط واليأس، حتى وإن كانت التداعيات المباشرة للأزمة الاقتصادية فيها من الثقل الذي يتطلب مزيدا من التحمل والبذل.
من ذكرى ميلاد نبينا الذي أتى برسالة ربانية موجهة للبشرية قاطبة، فخلصها، متحمّلا مع صحابته الأولين، الأذى والتشريد والعدوان بأبشع صوره، من قيود العبودية والمهانة وسيطرة جبروت المال والسلطة المبنية على القبلية والولاء للنفوذ بكل أشكاله، يمكن استلهام العبر للأجيال الجديدة حتى تدرك أن التعثر في حياة شعب بهذه الخصوصيات والمميزات للمجتمع الجزائري، لا يعني السقوط أو البقاء على هامش حركية العالم، وإنما يمكن الإمساك مرة أخرى بخيوط الانفراج لمواصلة المسيرة، التي وقعها قبل 65 سنة جيل نوفمبر في إطلاق مشروع القرن لدحر الاستعمار وكسر جبروته مهما كانت التضحيات يومها. وقد تحقق الهدف الأكبر باسترجاع السيادة الوطنية بكل معانيها بالنسبة للإنسان والوطن.
اليوم، تمنح مثل هذه المحطات التاريخية والدينية الدفع المعنوي لشحذ الهمم وإبعاد كل ما من شأنه أن يثير فرقة أو فتنة أو شحناء بين أبناء الوطن الواحد، الذي انصهر أباً عن جد، طيلة أجيال متتالية، تاريخا ودينا وجغرافية.
ومهما كانت تطلعات وطموحات كل واحد، فإن القاسم المشترك الذي يتطلب إلتزام الحيطة والحذر وعدم الانسياق وراء الإشاعة، مهما كان موضوعها، في الدين والسياسة والاقتصاد، خاصة ما تبثه شبكات التواصل الاجتماعي الفتاكة، التي لا يمكن مواجهتها سوى بانتهاج الواقعية في الرصد والموضوعية في التحليل والتبصر في الاستشراف، خاصة بالنسبة للنخب في كل القطاعات، بما فيها التي تهتم وتنشط في مسائل العقيدة تحصينا للهوية الوطنية المتكاملة.
ينبغي أن تكون مواعيد لها مدلولها الحضاري كالمولد النبوي الشريف، محطة للانطلاق على طريق الاجتهاد للمواطن والمؤسسة والمرفق العام وكل الفاعلين في الساحة والخوض في مناحي الحياة بكل دروبها وفق معايير العمل والاجتهاد والابتكار والحرص على المنافسة النزيهة والتخلص من كل ما من شأنه أن يعيق النمو من فساد واتكال وكافة أشكال الكسب غير المستحق مثل تجارة المفرقعات والغش والتلاعب بالأسعار واحتكار لقمة العيش، دون الاكتراث للتداعيات السلبية التي تصيب المواطن والأسرة، في وقت ما أحوج البلد لكل أبنائه، أغنياء كانوا أو فقراء أو متوسطي الحال، في وقت تسهر فيه الدولة على إنجاز التحول السياسي الكبير.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19446

العدد 19446

الإثنين 15 أفريل 2024
العدد 19445

العدد 19445

الأحد 14 أفريل 2024
العدد 19444

العدد 19444

الأحد 14 أفريل 2024
العدد 19443

العدد 19443

السبت 13 أفريل 2024