طباعة هذه الصفحة

في لقائـه الدوري الثـاني مـع وسائـل إعـلام وطنيــة، الرئيـس تبـون:

«الحــراك» حمـى البـلاد مـن الانهيـار والحــذر مـن الاخـــتراق

 مطالب تحققت وأخرى في طريق التجسيد

تغيير نمط التسيير وإصلاح العلاقة مع المواطن 

اللامركزية أسلوب حكم وعقود الإدماج تحل قبل نهاية السنة 

متفائل بحل الأزمة الليبية والوساطة الجزائرية مرّحب بها

«الشعب» حذّر الرئيس تبون من أي اختراق للحراك الشعبي السلمي الذي تمر سنة على مسيراته، واصفا إياه بالموعد الذي أنقذ البلاد من انهيار كلي، وحيا الشعب الجزائري لهبته المشهود لها ليوقف المؤامرة. وجدّد، في اللقاء الثاني مع ممثلي وسائل إعلام وطنية، الالتزام بمواصلة تحقيق مطالب الحراك من خلال مراجعة الدستور وتعديل قانون الانتخابات قصد إشراك المواطن في صناعة القرار وتحمّل المسؤولية عبر آليات ديمقراطية شفافة.

 أكد رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، أول أمس، أن الحراك الشعبي الذي يحيي الجزائريون يوم الجمعة ذكراه الأولى، «ظاهرة صحية»، محذرا من «محاولات اختراقه من الداخل والخارج».
قال تبون في لقائه الدوري مع وسائل الإعلام الوطنية، أنه وقع على «مرسوم يجعل من 22 فيفري يوما وطنيا تحت تسمية اليوم الوطني للأخوة والتلاحم بين الشعب وجيشه من أجل الديمقراطية»، مضيفا أن هذا المرسوم الرئاسي «سينشر في الجريدة الرسمية وسيتم الاحتفال بهذا اليوم سنويا».
جدد الرئيس تبون التأكيد على أن «الحراك المبارك حمى البلاد من الانهيار الكلي»، مشيرا إلى أن «الدولة الوطنية كادت أن تسقط نهائيا مثلما حدث في بعض الدول التي تبحث اليوم عن وساطات لحل مشاكلها».
أوضح رئيس الجمهورية أن «انهيار الدولة الوطنية يعني انهيار كل مؤسساتها»، معتبرا أن كل المعطيات أشارت إلى أن الأمور كانت «تسير إلى ذلك»، واستطرد بالقول «الحمد لله، أن الشعب كان واعيا وأوقف المؤامرة، كما نجح في تحقيق الكثير من مطالبه».
قال الرئيس تبون أن ما تبقى من مطالب الحراك «نحن بصدد تحقيقه لأنني التزمت شخصيا بتحقيق كل مطالب الحراك»، مشيرا إلى أن «هناك مطالب كانت مطروحة في البداية لا يمكن لشخص غير منتخب ولا يملك السلطة والشرعية الكافية لتحقيقها، أما اليوم فنحن بصدد تنفيذها بداية بالدستور وقانون الانتخابات وإعادة تنظيم المؤسسات التي نحاول أن نجعلها جوارية تمكن المواطن من أن يشارك فيها من خلال مشاركته في التفكير والحل والتسيير والرقابة».
اعتبر تبون أن هناك «بوادر بدأت تظهر» في هذا الإطار، على غرار ما تمت الإشارة إليه في لقاء الحكومة بالولاة حيث تم التأكيد على ضرورة «تغيير نمط التسيير وإصلاح العلاقة مع المواطن وتغيير الوجه البشع الذي كان في ذهنه عن الدولة، حيث كان هو في واد والدولة في واد».
في رده على سؤال بخصوص المواطنين الذين لا يزالون يشاركون في الحراك كل أسبوع، أكد رئيس الجمهورية أن ذلك «من حقهم، لأن هذا الأمر هوأساس الديمقراطية، سيما حينما يتعلق الأمر بالأشخاص الذين يتظاهرون بنظام ودون تكسير أوفوضى»، مضيفا أن الحراك «ظاهرة صحية وليس لدي أي لوم عليه لأنه أنقذ البلاد من الكارثة ولولا الحراك لكانت في الجزائر حاليا مساع لحل الأزمة كما يحدث في ليبيا».
في ذات السياق، وجه الرئيس تبون خطابه إلى المشاركين في المسيرات بالقول: «أوصي أبنائي الذين يتظاهرون يوم الجمعة بالحذر من الاختراق، لأن هناك بوادر اختراق من الداخل والخارج».

توقيت الإضرابات غير سليم وغير بريء

في إجابته عن سؤال بخصوص تزامن الذكرى الأولى للحراك الشعبي مع بروز حركات احتجاجية في بعض القطاعات، أكد الرئيس تبون أن «تسلسل الإضرابات في قطاعات هامة وفي وقت معين ليست ظاهرة سليمة وليست ممارسة نقابية.
لدى تطرقه إلى الإضراب في قطاع التربية، قال تبون «لطالما عبرت عن تبجيلي للأساتذة والمعلمين، سيما خلال حملتي الانتخابية، كما طالبت بمراجعة كل ما يتعلق بالأساتذة لإعطائهم مكانتهم في المجتمع»، معتبرا أن «الإعلان عن إضراب وطني في الوقت الذي لم تكن فيه الحكومة منصّبة ولم يعطها البرلمان الإشارة الخضراء، أمر لا يحل المشكل الذي يتطلب وقتا وإمكانيات مادية ومالية وتنظيمية»، خاصة أن الأساتذة لديهم «الأولوية في الحلول للمشاكل المطروحة».
في ذات الإطار، أوضح تبون أن المدرسة «تعاني اليوم ولم تحل بعد مشكل الإطعام والنقل المدرسي والتدفئة»، مشددا على أن هذه الإضرابات «غير بريئة».
كما تحدث رئيس الجمهورية عن إضرابات «تمس بسمعة البلاد وتضر بالمواطنين وتعطل مشاغلهم» في إشارة إلى إضراب مستخدمي الملاحة في الجوية الجزائرية، منتقدا الذين يشنون إضرابا عن طريق إرسال «رسالة نصية في ظرف نصف ساعة»، مشيرا إلى أن «القانون لا ينص على هذا بل على وجوب الإعلان عن الإضراب وذكر مبرراته، بما يمكن من مباشرة مفاوضات وإيجاد حلول».
بهذا الصدد، دعا تبون إلى عدم «تمييع الدور النقابي»، مؤكدا أن «توقيت هذه الإضرابات غير سليم وغير بريء وهناك من يسخن الأجواء ليوم ما، وأملك 50 سنة تجربة في التسيير ولا يمكن إقناعي بالعكس».
أضاف أن «من يريد حل المشاكل يبادر لإيجاد الحلول النهائية، أما الإضراب العشوائي فهوممنوع في بعض المرافق العمومية»، مؤكدا على ضرورة «الإعلان عن الإضراب قبل شنه بغرض تمكين شركات الطيران أوالمطارات من اتخاذ الاحتياطات اللازمة على غرار إعلام المواطنين بالإضراب».
في هذا الشأن، انتقد رئيس الجمهورية دفع هذه الوضعية بالمواطنين وخاصة المرضى منهم إلى افتراش أرضيات المطارات بسبب إلغاء رحلاتهم.

التوجيهات للولاة جاءت من باب الدراية بالأمور

بخصوص التوجيهات التي أسداها خلال لقاء الحكومة بالولاة، قال رئيس الجمهورية أنها كانت من باب «الدراية بالأمور»، مضيفا أن حياته الوظيفية «أغلبها كانت في الجماعات المحلية أي في الجهة المقابلة للمشاكل المطروحة من قبل المواطنين في القرى والمداشر والمشاتي»، وأن هناك «شجرة تغطي الغابة وهي التنمية الظاهرية التي تغطي على مواطنين آخرين».
أوضح أنه في هذه الحالة، فإنه ينبغي «التطرق للمشاكل التي يعاني منها المواطن في مناطق الظل، لأن العكس يدفع بهؤلاء المواطنين إلى النزوح نحو المدن وهذه المدن تعاني بما فيه الكفاية، فأكثر من 65٪ من الجزائريين يقطنون في المدن و35٪ في الأرياف، في حين أنه غداة الاستقلال كان العكس أي أن أكثر من 65٪ من الجزائريين كانوا متمركزين في الأرياف».
اعتبر الرئيس تبون أن هذه الوضعية «تنجر عنها إيجابيات والكثير من السلبيات التي تتعلق بالتصرفات»، فتوسع المدن - مثلما قال - يتطلب «الاستثمار اليوم وغدا وبعد غد ويتطلب إمكانيات مالية كبيرة مرفوقة بغضب المواطنين»، مستدلا بالعاصمة التي كان يقطنها غداة الاستقلال «455 ألف نسمة، فيما تضاعف العدد بأكثر من عشر مرات وهوما يعني وجوب مضاعفة بعشر مرات عدد قنوات الصرف والطرق والمدارس والسكن..، وحينما لا يتوقف العدد عن الازدياد تكون هناك كارثة أخرى كظهور المدن الموازية على غرار ما يحدث في البرازيل».
استطرد تبون بالقول، أن «الأحسن في هذه الحالة هوتنمية كل مناطق الوطن حتى يسترجع المواطن كرامته في الريف ولا يغرّه السكن في المدن، لأنه يتمتع في الريف بميزات لا توجد في المدينة».


نحو إعادة تنظيم الجماعات المحلية

على هذا الأساس، «ينبغي تجسيد اللامركزية التي هي عبارة عن مدارس» - يضيف الرئيس تبون - الذي كشف أنه اقترح سنة 1992 في عهد الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد، «إعادة النظر في تنظيم الجماعات المحلية بما فيها اعتماد لا مركزية القرار وليس لا مركزية المنطقة»، مشيرا إلى أن «هناك فرق بين التنظيم الجهوي والتنظيم اللامركزي».
اعتبر الرئيس تبون أنه من شأن اللامركزية «حل عدة مشاكل»، متحدثا عن «المداولات التي تتم على مستوى بعض البلديات وتتعلق بمشكل محلي غير أنها ترفع إلى الدائرة والولاية وحتى إلى وزارة الداخلية»، وأشار إلى أن هناك «1541 بلدية، في انتظار تقسيم آخر، وهي تتسبب في اكتظاظ كبير».
قال رئيس الجمهورية إن «كل هذه العوامل دفعتنا اليوم إلى التطرق لمناطق الظل، لأن السرعة في التنمية تؤدي إلى إغفال مواطنين وإحصائيات، التنمية الشاملة لها دلالة لصورة عامة عن بلد ولا تعطي الواقع في المناطق الداخلية، كأن يتم تصوير جسد سليم في الظاهر لكن أعضاءه مريضة، وهذا هو الفرق بين النظرتين، والأحسن هوشملهما معا»، مشيرا إلى أن «بعض الدول المتقدمة التي لديها أقوى اقتصاد، يعاني حوالي 50 مليون نسمة من سكانها من الفقر وهم محرومون من العلاج والتدريس ومن إمكانيات العيش الكريم وهذه لا يمكن اعتبارها تنمية».
في ذات السياق، أكد رئيس الجمهورية على ضرورة «إعادة هيكلة الإدارة وإعادة تأهيل الجماعات المحلية»، مضيفا أن الجماعات المحلية تشمل «بلديات ريفية وأخرى حضرية، فحيدرة مثلا ليست تمنطيط أوبوحمار أويابوس..، وبالتالي يجب إعادة النظر في التقسيم الإداري».
تابع بالقول أنه «قد آن الأوان لاتخاذ قرارات لإعادة تنظيم البلديات الفقيرة، فمن بين 1541 بلدية هناك 850 بلدية فقيرة جدا وليس لها إمكانيات حتى لتوظيف ساعي بريد»، في المقابل «بلديات كحاسي مسعود أوباب الزوار أوأرزيو التي تتمتع بإمكانيات مالية كبيرة بفضل النشاط الصناعي وعائدات الضرائب»، مشيرا إلى أن «صندوق التضامن بين الجماعات المحلية لم يعد يكفي».
بخصوص سؤال حول كيفية الملاءمة بين طمأنة المسيرين وعدم تجريم فعل التسيير، قال رئيس الجمهورية إن «التسيير ليس فعلا بسيطا وكل مسؤول معرض للخطأ، لكن هذا الخطأ قد يكون عفويا وناتجا عن عدم الكفاءة المهنية، كما قد يكون متعمدا ويجب التفريق بينهما، فهناك مسؤولون يتخذون أكثر من 30 قرارا في اليوم وبالتالي فإن وجود قرارات خاطئة بين كل هذا الزخم من القرارات وارد ولا ينبغي تجريم هذا المسؤول، ويمكن معاقبته إداريا، أما الذي يقترف خطأ متعمدا سيما في الصفقات، فهذا ينبغي أن يجرم».
أضاف في ذات الإطار، أن «كل ما جرى في البلاد والأموال الطائلة التي صرفت من الخزينة لفائدة بعض الأشخاص، خرجت كلها بصفة قانونية»، معتبرا أن «القوانين الحالية لم تعد تنفع في الرقابة ويجب ابتكار نوع آخر من الرقابة»، وأن «الصفقات التي كبدت الجزائر خسائر بآلاف الملايير مرّت كلها عبر الرقابة المالية ولجان الصفقات وأدت الى النتائج المعروفة».
كما شدد الرئيس تبون على ضرورة «إعادة النظر في الرقابة»، مضيفا أن الجزائر «تملك خصوصية أن كل برامج التنمية تأتي عن طريق الإدارة والمال العام، ورغم أن اقتصادنا فيه القطاع الخاص بنسبة 80٪، إلا أن 85٪ من الأموال المتداولة تأتي من الخزينة، بسبب غياب البنوك الخاصة وكيفيات تمويل أخرى»، وهذا ما يسهم -كما قال- في انتشار «الرشوة العامة على كل القطاعات»، بينما في الدول الغربية، فإن «القطاع الخاص قائم بذاته ببنوك خاصة وصناديق خاصة وتبادل بين الخواص وهناك اتفاقيات بين الخواص وليس هناك رشوة عدا بعض الاختلاسات».
أكد رئيس الجمهورية أن «ورشة الجزائر مفتوحة وكل القطاعات ينبغي تشريحها لأن هناك تراكمات»، مشيرا إلى بعض النصوص التنظيمية التي تم إعدادها «بسرعة وأخرى أدت بالأشخاص الأبرياء لتحمل أخطاء الفاسدين من خلال تعميم قانون يضرّ بالنزيه أكثر من الفاسد».
أوضح أن «البلديات تملك حق الاقتراض من البنوك»، متسائلا: «كم هوعدد رؤساء البلديات أوالأمناء العامين للبلديات الذين يستطيعون التعامل مع بنك ويستطيعون إنجاز مشاريع ذات مردودية تمكنهم من تسديد قروض البنك وتحصيل الفائدة لصالح البلدية»، مضيفا أن «هذه الأمور تبقى نظرية فقط».
في هذا الإطار، شدّد على ضرورة «إعادة هيكلة الإدارة وإعادة النظر في كل النصوص وإعطاء حرية القرار لكل المسؤولين المحليين مع تقوية دور الرقابة».
بشأن أصحاب عقود الإدماج، فأكد الرئيس تبون أن هذا الملف «ورثناه ويجب الوفاء بالعهد، وسيتم حله قبل نهاية السنة الحالية، لأن هذا التزام للدولة.

تضخيم الفواتير والرشوة سرطان يستنزف الخزينة

ولدى رده على سؤال يخصّ تقليص فاتورة الاستيراد، وظاهرة تضخيم الفواتير والرشوة، قال رئيس الجمهورية إن «ظاهرة الرشوة هي سرطان ورغم الخضوع للعلاج فإن ما يخفى منها أكبر مما يظهر، والرشوة الصغيرة أكثر إضرارا بالمواطن من الرشوة الكبيرة التي تضر بخزينة الدولة، لأن الرشوة الأولى تصيب مباشرة جيب المواطن الذي يعاني أصلا من انخفاض قدرته الشرائية ويدفعها طلبا لحقه».
أما بالنسبة لتضخيم الفواتير، فاعتبر أنها «ظاهرة موجودة في الدول التي فتحت اقتصادها لكن ليس بالشكل الذي هي عليه حاليا في الجزائر»، مشيرا إلى أن هذه الظاهرة «دامت أكثر من 10 سنوات وهناك وسائل رقابة لم تستعمل».
أشار الرئيس تبون بهذا الصدد، إلى أن هناك «شركات تأمين ومكاتب دراسات معتمدة من الأمم المتحدة يسمح لها القانون بمراقبة الأسعار من المنبع، فيمكن لمستورد للآلات الالكترومنزلية مثلا أن يستفسر عن الأسعار التي تعامل بها منافسوه في دول أخرى ويتابع الفرق في الأسعار ويسترجعه»، مضيفا أنه أسس لهذا سنة 2017 واعتبره «أخطر قرار» اتخذه ولم يعجب بعض الأطراف التي علمت أنه سيصل إلى «صلب الموضوع».
تحدث تبون عن التضخيم في الفواتير وقال إنه لا يريد «صدم المواطن»، بذكر النسبة المئوية «المفزعة» للتضخيم، وقيمة الأموال «الخيالية» التي هربت إلى الخارج، مستطردا بالقول «نستطيع حماية أنفسنا من تضخيم الفواتير، من خلال محاسبة المستوردين الذين يضخمون فواتيرهم في الحين واعتبار فعلهم جريمة اقتصادية وعدم تركهم ينشطون لعدة سنوات ثم يتم محاسبتهم».
كشف الرئيس تبون أن مراقبة الفواتير المضخمة «تمكن من ربح أكثر من 20 إلى 25 ٪ من العملة الصعبة، ما يعني أن مداخيل برميل النفط الذي تبلغ قيمته اليوم 60 دولارا تصبح بقيمة 80 دولارا وتسمح بسد فراغات أخرى، دون الحديث عن نوعية السلع المستوردة».
ذكّر رئيس الجمهورية بحادثة وقعت له حين كان وزيرا للتجارة وظهور ما سمي بأزمة الثوم الذي كان يتم استيراده من الصين «بفواتير خيالية»، حيث طلب من سفير الصين بالتقرب من السلطات الصينية لمعرفة الأسعار الحقيقية واكتشف أن هناك 7 أنواع من الثوم، بحسب النوعية في حين أن كل فواتير الجزائر «كانت باسم أجود نوع وهي في الحقيقة لأدنى نوع، وهذا نوع آخر من الغش».
كما أكد أن التحكم في تضخيم فواتير الاستيراد «ضروري» ويمكن من الحفاظ على «ثلث مداخيلنا من العملة الصعبة».
وبشأن ترقية الاستثمار، أكد رئيس الجمهورية أنه اقترح سنة 2001 مشروع «الشباك الموّحد الذي يشمل كل ما يحتاجه المستثمر في مكان واحد»، مشددا على «إلزامية توفير وسائل الطعن والتظلم، لأن رأس المال جبان بطبعه والمستثمر لا يغامر بمليارات الدولارات أمام إدارة متسلطة».
قال إن لديه فكرته بالنسبة للاستثمار الذي «ينبغي أن يمر إلى مرحلة جديدة»، مستطردا بالقول «لا نستطيع القبول بأي استثمار كان، فالاستثمار الذي يربطنا بالخارج مدى الحياة ينبغي اجتنابه، لأن مصائبه أكثر من فوائده، وربما سيأتي وقت لن تملك الدولة إمكانيات مالية بالعملة الصعبة لاستيراد المادة الأولية ولن يفيد هذا الاستثمار، لأن هدفه التصدير».
أكد الرئيس تبون أنه في حال تعرض أي مستثمر في مجال تحويل الانتاج الوطني لعراقيل فإن «القرار سيكون بتسليط أشد العقوبات، لأن الهدف حاليا هوخلق صناعة وطنية بوسائلنا لتقليص الاستيراد»، مضيفا أن «كل الدول تستورد لكن استيرادها عقلاني وهي تراعي مصالحها الوطنية في الاستيراد»، على هذا الأساس فإن الجزائر -مثلما قال- «لن تسمح باستيراد منتجات تصنع محليا ما يؤدي لقتل الانتاج الوطني، بل ينبغي اعتماد استيراد تكميلي للإنتاج الوطني».
وأشار إلى أن الاستيراد هوعبارة عن «عملية تجارية بحتة ولا تترك بصمات في التنمية الوطنية، أما تنمية الموارد المحلية فهي تخلق الثروة ومناصب الشغل وتسمح بالتصدير».
كما شدّد تبون على ضرورة «مراجعة» كل هذه المسائل المتعلقة بالاقتصاد الوطني، غير أنه اعتبر أن «الأولوية حاليا هي سياسية وتنظيمية لتأسيس دولة جديدة، ثم تأتي الإصلاحات في باقي المجالات».
في سياق متصل، طرح الرئيس تبون إمكانية العودة إلى «تجربة غرف التجارة التي لم تنجح بسبب انحرافات خطيرة»، مشيرا إلى ضرورة «الخروج بتجربة صائبة يشارك فيها أهل الاختصاص، انطلاقا من التجارب والهفوات التي وقعت». وأضاف أن «الكثير من المستثمرين الجزائريين نزهاء وكانوا مظلومين وتم منعهم من العمل وهم اليوم مرّحب بهم».

ليبيا خط أحمر

ولدى تطرقه إلى الشأن الدولي، أعرب رئيس الجمهورية عن «تفاؤله» حيال إيجاد حل للأزمة الليبية، قائلا: «أنا متفائل بحل الأزمة الليبية لبعض الأسباب التي أبداها الليبيون أنفسهم وعبروا من خلالها بأن لديهم ثقة في الجزائر»، لافتا الى أن هذا الأمر نابع من موقف الجزائر «المعروف تجاه هذه الأزمة».
أضاف رئيس الجمهورية بأن « تدخلنا بخصوص الأزمة في ليبيا نزيه وليس لديه خلفيات توسعية ولا اقتصادية أوتجارية»، مشيرا الى أن «ما يهم الجزائر أيضا هوارجاع الجميل للشعب الليبي الذي ساعد الجزائريين أثناء الثورة التحريرية و(...) حماية حدودنا من انزلاقات خطيرة والرجوع بعدها لنبني المغرب العربي مع بعض».
كما أكد الرئيس تبون بأن الفرقاء الليبيين «قابلون كلهم» بتدخل الجزائر في مسعى حل الأزمة في ليبيا، كاشفا بالمناسبة بأن البعض منهم ومن الطرفين، قالوا بأنه من «غير الجزائر لا يثقون في أحد».
أضاف رئيس الجمهورية أنه من «الصعب اليوم توقيف حرب بالوكالة» لأن ثمة -كما قال- خلفيات «صعبة» بالنظر الى أن المشكل ليس بين الليبيين، بل يكمن في التواجد الأجنبي في ليبيا.
أرجع تفاؤله بحل الأزمة في ليبيا إلى كون كل المتدخلين في ليبيا «أشقاء أوأصدقاء»، مؤكدا بأن الجزائر تمتلك علاقات طيبة مع مصر والامارات العربية المتحدة وروسيا وتركيا وهي بالتالي قادرة على الجمع ما بين الفرقاء وأن تكون حكما «نزيها».
تكمن الخطة الثالثة في مسعى حل هذه الأزمة -برأي الرئيس تبون- في «رغبة الجزائر في أن يستفيد الليبيون من تجربتنا التي عشنا فيها مرارة التفرقة والمآسي والدم في فترة معينة»، مشددا على أنه لا وجود لحل أخر بعيدا عن «التحاور والتسامح والوئام ما بين الفرقاء».
اعتبر في نفس السياق بـ «أننا نملك اليوم فرصة ثمينة بعد أن وافقت كل القبائل القوية في ليبيا -التي أبدت استعدادها للمجيء الى الجزائر-على تدخل ومساهمة الجزائر في حل الازمة» في هذا البلد، مضيفا قائلا: «إننا نريد ان نستنسخ تجربة مالي الشقيقة وما قامت به الجزائر في الشقيقة ليبيا من خلال استحداث مجلس وطني انتقالي في ليبيا ومؤسسات مؤقتة تؤدي الى انتخابات تشريعية حقيقية تنصب من خلالها حكومة يعينها البرلمان ...».
المهم في هذا الخصوص بالنسبة لرئيس الجمهورية هو»إيقاف تقتيل الليبيين بأسلحة متطورة تأتي من الخارج وليس تلك التي خلفها النظام السابق والتي تم توزيعها على منطقة الساحل»، مضيفا بأن «ليبيا تشهد اليوم صراعا ايديولوجيا وتوسعيا وللمصالح وأن ما يهم الليبيين هوأن يعيشوا أحرارا في بلادهم وان ينعموا بخيراتها فقط».
في ختام اللّقاء، جدّد رئيس الجمهورية التزامه بتنظيم لقاءات مع وسائل الإعلام الوطنية دوريا وبحسب الظروف والمستجدات، لأن «المعلومة الصحيحة تجنب التأويلات والإشاعات»، مجددا دعوته إلى الصحافيين لأداء واجب الإعلام وتقديم الخبر قبل التعليق، مضيفا أن «حرية التعبير هي من أسس الديمقراطية وإذا ما تم استغلالها بصفة عقلانية ونزيهة تعطي أكلها والعكس صحيح، لأن كل ما تجاوز حده انقلب إلى ضده».