طباعة هذه الصفحة

المختص النفسي خالد عبد السلام لـ»الشعب ويكاند»:

دخول اجتماعي غير مكتمل بسبب كورونا

أجرت الحوار: فتيحة كلواز

استرجاع اللّياقة البيولوجية والعقلية ضروري للاندماج في جوّ الدراسة

أكد الأستاذ، بقسم علم النفس وعلوم التربية والارطفونيا، بجامعة محمد لمين دباغين، سطيف 2، الدكتور خالد عبد السلام في حوار مع «الشعب ويكاند»، ان الدخول المدرسي الاستثنائي يتطلب تظافر جهود الجميع لتجاوز الاثار النفسية لجائحة كورونا على المتمدرسين والجامعيين، خاصة وان الدخول الاجتماعي لهذه السنة ما زال معلقا بسبب تأخر الدخول المدرسي والجامعي، مؤكدا في ذات السياق على ضرورة عمل الاولياء على استرجاع أبنائهم للياقتهم البيولوجية والذهنية للاندماج في جو الدراسة واستعادة حيويتهم في العملية التعليمية.

الشعب: كيف ترون الدخول الاجتماعي الاستثنائي لهذه السنة؟
الاستاذ خالد عبد السلام: الدخول الاجتماعي لهذه السنة ليس كغيره، نتيجة الظروف الاستثنائية التي تمر بها بلدنا بسبب جائحة كوفيد-19، وما فرضته من حجر منزلي وتباعد اجتماعي وتغير في الكثير من العادات والسلوكيات الحياتية لجميع الناس وخاصة المتعلمين منهم.
عرقل انعدام النقل بين الولايات العودة الطبيعية للحياة الدراسية والجامعية لاسيما أنه أخل بمبدأ تكافؤ الفرص بين الطلبة الجامعيين، حيث لم يستطع الكثير من الطلبة خارج الولايات الالتحاق بمقاعد الجامعة، في الوقت الذي التحق فيه الطلبة المقيمين في ولايات مقر الجامعات، وحال أيضا دون التحاق الكثير من الأساتذة في مختلف الأطوار والمراحل خاصة المؤسسات الجامعية بمناصب عملهم هذا من جهة.
 ومن جهة أخرى، فَقَدَ جو الدخول الاجتماعي لهذه السنة طعمه المعهود لدى غالبية الناس، لاسيما المتعلمين والموظفين والعمال في مختلف المؤسسات والإدارات بسبب الإجراءات الوقائية التي فرضتها الجائحة، كالحجر المنزلي، التباعد الاجتماعي ومنع التنقل داخل الولاية الواحدة وبين الولايات، كما أُبعد المتعلمين عن جو الدراسة والتعلم والعمال والموظفين عن جو العمل والنشاط لمدة تجاوزت خمسة أشهر ما أثر سلبا على استعداداتهم ودافعيتهم للتعلم والعمل.
فقدْ فرض عليهم الالتزام بالكثير من الإجراءات الوقائية داخل أماكن عملهم. خاصة ما تعلق بارتداء القناع الواقي واستعمال المواد المعقمة، وهي من السلوكيات غير المعهودة ما جعل الكثيرون يستثقل احترامها والتقيد بها، بينما التزم بها البعض الآخر، وهذا راجع لأسباب متعددة لا يسمح المجال هنا لعرضها، بل تحتاج إلى دراسات علمية ميدانية لفهم الظاهرة من جميع أبعادها.
هل التكفل النفسي ضروري لإعادة التلاميذ إلى جوّ الدراسة؟
أكثر المتضررين من جائحة كوفيد -19 والحجر المنزلي هم المتعلمون في مختلف المراحل سواء كانوا تلاميذ في الأطوار الثلاثة أو طلبة جامعيين، فالمدة التي قضوها محجورين في بيوتهم جعلت غالبيتهم منهمكين في الألعاب الالكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي وفي مختلف الألعاب، وهو ما أثر على وتيرتهم البيولوجية، حيث أصبحوا يسهرون ليال إلى ساعات الصباح وينامون في النهار، فانعكس كل ذلك على تركيزهم وانتباههم.
إضافة إلى إفراز الغلق داخل البيوت ضغوطا نفسية وقلقا وتوترا كبيرا بين أفراد الأسرة خاصة سكان المجمعات داخل العمارات والشقق الضيقة. علما انه بمرور الزمن ونتيجة طول مدة الحجر المنزلي ظهرت لدى المتعلمين في مختلف الأطوار أعراض فقدان لياقتهم النفسية والعقلية وعاداتهم الدراسية.
خاصة وانهم كانوا ينتظرون قرارات سياسية أو إدارية تضمن النجاح لكل المتعلمين دون استحقاق بعيدا عن الامتحانات والدراسة، وكانت تستند هذه التوقعات تارة إلى تجارب وقرارات سابقة مثل إلغاء امتحانات شهادة التعليم الابتدائي، وشهادة التعليم المتوسط الاختيارية وتارة أخرى نتيجة الإشاعات التي غزت صفحات ومواقع التواصل الاجتماعي سيطرت على الأسرة والمجتمع عبر كل وسائل الاتصال. وبناء على كل ذلك أصبح التكفل النفسي أكثر من ضروري، بل يمكن القول أصبح خيارا استراتيجيا لاستدراك السنة الدراسية بنجاح خلال هذه المرحلة قبل العودة الرسمية إلى مقاعد الدراسة، من أجل إعادة تأهيل المتعلمين نفسيا وعقليا ودراسيا. حيث ترتكز عملية التكفل النفسي على برنامج متنوع ومتعدد الأبعاد يتضمن مجموعة من النشاطات الرياضية، الترويحية، الترفيهية، الثقافية والتربوية. تتولى مسؤولية تنفيذه الأسرة بالتعاون مع المدرسة، الجمعيات المهتمة بالطفولة والتربية والتعليم، دور الشباب، المراكز الثقافية ووسائل الإعلام السمعية والبصرية الجوارية والوطنية.
ولعلّ أهم شيء تقوم به الأسرة، خلال هذه الأيام هو تدريب أبنائها على إعادة تنظيم وتيرتهم البيولوجية بالنوم مبكرا والنهوض باكرا، وإرشادهم إلى ضرورة التقليل من استعمال الألعاب الالكترونية والتكنولوجيات المعاصرة، وتعويضها بنشاطات رياضية وجولات سياحية، ونشاطات ترفيهية ومراجعات دورية ومنظمة للدروس فردية وجماعية في مجموعات لا تتعدى 3 أفراد مع مراعاة إجراءات الوقاية من العدوى بكوفيد 19 أوعن طريق وسائط الاتصال المعاصرة.
أما المدرسة ودور الشباب والمراكز الثقافية كل في اختصاصه تقوم بتحضير برامج رياضية، ثقافية، ترفيهية وتربوية. ووسائل الإعلام الجوارية والسمعية البصرية من الضروري أن تساهم في تخصص برامج إرشادية وتحسيسية ينشطها أخصائيون ومستشاري التوجيه والإرشاد المدرسي والمهني حول كيفية مساعدة المعلمين على  الاندماج في الحياة المدرسية بلياقة نفسية جيدة.
بماذا تنصحون الأولياء والأساتذة ليكون الدخول المدرسي عادي رغم ما يعرفه من اضطراب؟
نصيحتي للأولياء والمعلمين هي تجنب الضغط على التلاميذ وضرورة مرافقتهم خلال هذه المرحلة الحساسة التي عاشوا فيها جوا من التوتر والاضطراب بعد بقائهم في الحجر المنزلي والتباعد الاجتماعي والالتزام بالإجراءات الوقائية الصارمة لم يتعودوا عليها من قبل مع الانقطاع عن الدراسة لمدة طويلة.
والاجتهاد في مساعدتهم من أجل استرجاع لياقتهم النفسية بالنشاطات الرياضية، السياحية والترفيهية التي سبق لنا ذكرها، واسترجاع اللياقة العقلية بنشاطات فكرية، تربوية، تعليمية وثقافية، لتنشيط وتحفيز العمليات العقلية والمعرفية، وكذا استرجاع العادات الدراسية المفقودة عن طريق حصص المراجعة للدروس، والواجبات المنزلية ونشاطات التعلم التعاوني بين المتعلمين مع مراعاة اجراءات الوقاية من عدوى كوفيد-19.
 هل تجاوز الآثار النفسية لكوفيد 19 ممكن؟
التكفل النفسي وفق برامج مدروسة ومكثفة للمعلمين والاساتذة قبل الدخول المدرسي له أهمية كبيرة من جوانب، فهو يساعد المتعلمين على شحن دافعيتهم للتعلم من جديد ويرفع من معنوياتهم، يبدد مخاوفهم، ويعزز استعداداتهم ويسترجع لياقتهم النفسية والعقلية التي تجعل المتعلمين في أريحية مع أنفسهم مقتنعين بالادوار التي تنتظرهم لانجاح مستقبلهم الدراسي.
ما يمكنهم من استرجاع حيويتهم ونشاطهم الدراسي الذي يجعلهم يندمجون من جديد في الحياة المدرسية بقوة وعزيمة دون فتور، وهذا يتطلب من وازرة التربية الوطنية تكليف مستشاري التوجيه والارشاد المدرسي بإعداد برامج نفسية وتربوية لاستقبال المتمدرسين والتكفل بهم قبل العودة المفترضة لمقاعد الدراسة.
ويتطلب أيضا من جمعيات المجتمع المدني المهتمة بالطفولة والتعليم ووسائل الاعلام والمختصين النفسانيين والتربويين في مختلف المؤسسات والمراكز الشبانية والثقافية التعاون لتقديم خدمات نفسية وثقافية وتربوية للمتمدرسين، خلال هذه المرحلة لمساعدتهم على الاندماج السلس والطبيعي في جو الحياة المدرسية، لسنة 2020-2021.