طباعة هذه الصفحة

مشروع ميناء الحمدانية بشرشال

شراكة جزائرية ـ صينية لإطلاق استثمارات مباشرة

فتيحة كلواز

 بوابة الجزائر على أبعادها الإقليمية إفريقية ومتوسطية

يكتسي مشروع ميناء الحمدانية بشرشال، أهمية إستراتيجية بالغة تجعل منه محطة مهمة في الإصلاحات الاقتصادية، لكونه بوابة الجزائر على امتداداتها الإقليمية الإفريقية، المتوسطية ونافذتها على شرق آسيا وأوروبا، وسيكون القلب النابض على مستوى الديناميكية التجارية والتنمية المحلية من شمالها إلى جنوبها، لمساهمته في ازدهار المؤسسات الصغيرة والناشئة في مختلف القطاعات الاقتصادية والخدمات اللوجيستية.

اتفق المختصون والخبراء حول الدور المحوري والأساسي الذي يؤديه ميناء الحمدانية في فتح المجال الاقتصادي أمام الاستيراد والتصدير والعبور، ليكون المشروع الأضخم لتلافي أخطاء مراحل سابقة.

ميناء الحمدانية.. النقطة الفارقة

صنّف الخبير الاقتصادي، عبد القادر مشدال، في اتصال مع «الشعب»، مشروع ميناء الحمدانية في خانة أكبر المشاريع المهيكلة في الجزائر، لاستخدامه قطاعا واسعا في الاقتصاد الوطني المرتبط بالاستيراد والتصدير، إلى جانب فتحه فرص للخدمات البحرية لصالح العلاقات مع باقي دول القارة الافريقية، خاصة وأن الموانئ المعروفة في الجزائر سواء في العاصمة، سكيكدة، جن جن بجيجل أو وهران عاجزة عن استقبال السفن الكبيرة والناقلات للرسوّ فيها، كما لا تملك القدرة أيضا لاستيعاب مستوى عملية الاستيراد في الجزائر، وهي الوضعية التي أدت إلى تضخم الفواتير بالعملة الصعبة، بسبب مرحلة التوقف للبواخر الأجنبية، ما اعتبره خسارة كبيرة للخزينة العمومية.
في السياق ذاته، تطرّق المتحدث إلى مشكلة أخرى متعلقة بالتصدير فإلى حدّ الآن لا تستطيع الجزائر رفع حجم التصدير حسب طلب الزبون الأجنبي، بسبب ضعف الطاقة الاستيعابية للأروقة المفتوحة للصادرات، ما يقف حجر عثرة أمام احترام المصدر الجزائري لعقوده المبرمة مع الأجانب، خاصة بالنسبة للتمور وبعض المنتجات الفلاحية الطازجة سريعة التلف.
وذكّر في الوقت نفسه بالحادثة التي جرت، منذ سنوات قليلة، لمصدر التمور الذي كانت لديه طلبية كبيرة لروسيا، لكنه لم يستطع استكمال الإجراءات الإدارية بسبب البيروقراطية وأيضا تلك المتعلقة بميناء التصدير التي أرجأت العملية لدرجة عدم وصول الطلبية في الوقت المحدد، لأن الصفقة تطلبت أكثر من شهر لتصل إلى روسيا في حين منافسينا في تونس مثلا تصل بضاعتهم في ظرف 15 يوما على أقصى تقدير، معتبرا الثقل البيروقراطي وعدم كفاية التجهيزات تسمح بنقل هذه السلع بالسرعة والكمية اللازمة على مستوى الموانئ عائقا حقيقيا أمام المصدرين، ما انعكس سلبا على عملية التصدير من خلال بقائها في الحدود الدنيا.

دعم لوجستي للاستيراد والتصدير

في هذا الصدد، قال مشدال إن الطاقة الاستيعابية الكبيرة لميناء الحمدانية، ستسمح بأن يكون ميناء عبور لبعض السفن والبواخر، من مختلف القارات وهي العملية التي ستساهم في رفع مردودية الخدمات البحرية، بالإضافة إلى تحسين خدمات المتعاملين المحليين والأجانب مع ميناء الحمدانية، ما سيجعل منه مصدرا مهما للعملة الصعبة سواء فيما يتعلق بصادرات الجزائر مع الخارج أو سرعة تحويلها إليه بالنظر إلى قدرته الاستيعابية الكبيرة، أو استقبال مختلف المنتجات التي يمكن أن توجّه إلى الأسواق الافريقية.
وقال الخبير الاقتصادي، إنّ ميناء الحمدانية دعم مهم جدّا من الناحية اللوجستيكية لعملية الاستيراد والتصدير، وكذا العبور بالنسبة للأجانب الراغبين في دخول السوق الإفريقية، خاصة في ظل ارتفاع الاهتمام العالمي بها في إطار منطقة التبادل الحر الإفريقية، والتي لن تجلب اهتمام الموردين للمنتجات النهائية فقط، بل أيضا الباحثين عن نقل الصناعات مباشرة لتوطن في افريقيا.
 لذلك سيحتاج هؤلاء إلى وسائل جديدة أكثر أهمية لاستيعاب ما يتم نقله من تجهيزات نحوالقارة الإفريقية، ما يستدعي من الجزائر فتح ميناء الحمدانية للحركة الاقتصادية وفق المقاييس الدولية من حيث التنظيم، استغلال الوقت وكذا جودة الخدمات، ووفق مخطط النقل في إطار الطريق السيار شمال جنوب، الذي يخترق كامل الصحراء الجزائرية ليدخل البلدان الإفريقية، لتعطي بذلك الصورة الحقيقية للإصلاحات المنتظرة للاقتصاد الجزائري بصفة عامة.

الصين.. شريك استراتيجي

اعتبر مشدال الصين شريكا استراتيجيا لما له من إمكانيات كبيرة في الاستثمار المباشر في إطار طريق الحرير سواء في مشروع ميناء الحمدانية بشرشال أو مشاريع أخرى، لذلك يمكن القول إنّ ميناء الحمدانية هو وسيلة انتقال سلس لمختلف التجهيزات وكل ما يدخل في إطار التصنيع بالنسبة للصناعات الصينية الباحثة عن التوطين في الجزائر، فقد اقترح الشريك الصيني منذ سنوات فتح مناطق صناعية فيها، إلى جانب سماحه للمتعاملين الصينيين التنقل بسهولة من وإلى الجزائر.
في حين، الموانئ الموجودة حاليا لا تملك القدرة على استيعاب الحركة الصناعية التي ستكون في إطار الشراكة الجزائرية الصينية، حيث أشار إلى أنّ فتح منصة صناعية لصناعة السيارات كان من بين أهم الاقتراحات الصينية قبل أربع أو خمس سنوات، لذلك تستطيع الجزائر أخذ أقصى ما يمكن من الاستثمارات المباشرة الصينية، ليصبح ميناء الحمدانية أول تطبيق للعلاقات الإستراتيجية بين الجزائر والصين، خاصة وأنها تعطي بدائل مهمة للصناعة الجزائرية.
أما فيما يتعلق بتكلفة الميناء، قال مشدال إنّ ميناء الحمدانية من المشاريع الضخمة ذات التكلفة الكبيرة لارتباطها بطبيعة البناء والتجهيزات، مؤكدا في الوقت نفسه قدرته على استرجاع التكاليف بسهولة خلال سنوات فقط، على اعتبار أن الاستثمار الأولي ستكون تكلفته مرتفعة في البداية، لكنها ستنخفض مع مرور الزمن حتى تصل إلى مستوى الاستغلال الأمثل للأجهزة، ما يعني بلوغ المقاييس الدولية، مذكرا أنّ التكلفة سيتحملها الطرفين الجزائري والصيني.
 

قندوزي: 2024.. الانطلاق الفعلي

أكّد الخبير الاقتصادي إبراهيم قندوزي في اتصال مع «الشعب»، الأهمية الإستراتيجية لمشروع ميناء الحمدانية بالنسبة للاقتصاد الجزائري وبعض الدول الإفريقية المجاورة لأثره الكبير على التبادلات التجارية مع بلدان الساحل الإفريقي، ليكون بوابتهم على أوروبا، وبوابة أوروبا وآسيا على إفريقيا ما يعني خدمات لوجستية مهمة جدا، بسبب إعطائه الأولوية للسفن الكبيرة والناقلات الموجودة حاليا في العالم، خاصة وأنّ موانئ الجزائر الحالية لا تملك القدرة لرسوّ مثل هذه السفن فيها، لذلك سيصنع ميناء الحمدانية فارقا في الاقتصاد الوطني، لأدائه دورا أساسيا في التبادلات والحركة التجارية في السنوات القادمة.
وقال الخبير الاقتصادي إنّ مشروع ميناء الحمدانية سيسمح للجزائر في إطار شراكتها مع الصين من الدخول في إستراتيجية عالمية تجارية من خلال تبادلات مع الدول الإفريقية والعالم من خلال طريق الحرير.
وسيوفر مناصب شغل مباشرة تتعلق بالعاملين داخل الميناء، وغير مباشرة تتعلق بالمؤسسات الصغيرة التي تنشط في التحويلات، السلع، التخزين، واللوجيستيك، ما يعني نشاط الهيكلة الاقتصادية وسط الجزائر.
في ذات السياق، توقع دخول ميناء الحمدانية بشرشال حيّز النشاط الاقتصادي الفعلي سنة 2024، بالنظر إلى التعليمات التي أسداها رئيس الجمهورية للانطلاق في أشغال الإنجاز في مدة لا تتجاوز الـ3 أشهر القادمة ومدة انتهاء الأشغال في ثلاث سنوات التالية، ما سيمكنها من دخول منطقة التجارة الإفريقية الحرة بقوّة خاصة وأنها تمنح الدول الأعضاء مزايا تجارية وإعفاءات ضريبية.