طباعة هذه الصفحة

الوفاء لعهد الشّهداء وتقويض الخطاب الاستعماري..ربيقة:

لا بديل عن تحصين ذاكراتنا ضد الحاقدين على الجزائر

نادي الجيش: سهام بوعموشة

حملات حاقـدة اتخذت من التحريـض والتضليل والدعاية السوداء وسائلها الدنيئة

ميـزاب: فرنسا تلميـذ لا يقرأ التاريـخ وحبيـــس الماضي

بن براهم: مواجهة الفكر الاستعمـاري الجديـد واجـب وطنـي وأخلاقي

أكّد وزير المجاهدين وذوي الحقوق، العيد ربيقة، أن التاريخ والذاكرة هما العنصران الأساسيان لتنمية المواطنة والوطنية والانتماء، في افتتاح الملتقى الوطني الموسوم بـ “من أمن الذاكرة الوطنية إلى مناعة الأمة السيادية”، أمس، بالنادي الوطني للجيش، بحضور وزراء، برلمانيين، باحثين، ومجاهدين، وممثلي منظمات أبناء الشهداء، والمؤسسات الأمنية والعسكرية.

 قال ربيقة إنّ “الحملات الحاقدة، والتي اتخذت من التحريض والتضليل الإعلامي والدعاية السوداء وسائلها الدنيئة على الجزائر تاريخا وذاكرة وشعبا ودولة، ما هي إلا برهان على عدم تقبل التطور والتنمية والمسارات والإنجازات الريادية في شتى المجالات، حسدا من أنفسهم في لحمة الوطن وتماسكه وإيمانه بمؤسساته المدافعة عن حقوقه وجودة حياته وسيادته”.
وأكّد وزير المجاهدين، أنّ “القطاع يسعى إلى تعظيم الرهان السيادي للدولة الجزائرية في تحصين الجزائر شعبا وأجيالا ذاكرة وتراثا حضورًا ومخيالاً، لمناعة السيادة الرقمية والإعلامية من مخاطر حروب الجيلين الخامس والسادس، التي تقام على الفضاءات الرقمية ليُشكل المحتوى بهيئتيه الرقمية والإعلامية عصب الاهتمام فيها”.
وأبرز الوزير، أنّ “الوعي التاريخي المتجدد بأمجاد ومكاسب الماضي ومرجعتيه الخالدة ذخيرة حية للأجيال، حتى تشحن الضمير والوجدان بقيم أمجادها وتضحيات أسلافها، لترسم عهود مستقبلها وصون رسالتهم في رص الصفوف وتبديد أوهام أعداء الأمس واليوم، الذين تزعجهم منجزات الجزائر المنتصرة وهي تخطو خطوات ثابتة نحو تحقيق المزيد من المكاسب”.
وأكّد ربيقة، أنّ الاهتمام بالذاكرة الوطنية من جميع جوانبها، وخاصة أمنها من كل التهديدات، واجب وطني مقدّس، غير مدفوع بأي نزعة ظرفية ولا يقبل أي مساومة، وسيظل في مقدمة انشغالات الدولة لتحصين الشخصية الوطنية، وهويتها الأصيلة، وفي صميم الوفاء لشهداء ثورة نوفمبر المجيدة والمجاهدين الأخيار.
وأوضح الوزير، أنّ هذا الملتقى هدفه توصيف المشهد السيادي العام عملا بالمشروع الخلاق الرئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، في مناعة الذاكرة الوطنية وأمن الناشئة والأجيال المستديمة.
وقال: “فلقد كانت رسائله في كل المناسبات، لاسيما التاريخية، محطات لتأكيد عناية الدولة بمسألة الذاكرة التي ترتكز على تقدير المسؤولية الوطنية في حفظ إرث الاجيال من أمجاد أسلافهم، وتنبع من اعتزاز الأمة بماضيها المشرف، ومن تضحيات الشعب في تاريخ الجزائر القديم والحديث لدحر الأطماع وإبطال كيد الحاقدين، الذين ما انفكوا يتوارثون نوايا النيل من وحدتها ومنجزاتها، وما زالت سلالاتهم إلى اليوم تتلطخ في وحل استهداف بلادنا”.
وقال أيضا، إنّ هذا الملتقى العلمي والتاريخي هو تقويض للخطاب الاستعماري المتجدّد، الذي يجمع بين الرؤية العلمية والميدانية واللوجيستية الرقمية في معرض الأمن السيبراني للذاكرة الوطنية، وتوظيف مخرجات الذكاء الاصطناعي للرقمنة، وتثمين وتأمين الذاكرة الوطنية عبر الحوامل والوسائط الرقمية حماية لها من مخاطر الفضاءات السيبرانية المفتوحة وتهديداتها اللاّتماثلية.

شعب لا يقبل المساومة

 وأضاف الوزير، أنّ “مسيرة استكمال عهد الشهداء، بالدفاع عن الذاكرة صونا للتاريخ، هي ما يجعل الجزائر اليوم ترافع بأعلى صوتها في المحافل الدولية لحقوق الشعوب المستضعفة، ومنها نصرة القضية الفلسطينية، كما أنّ حرص الرؤية الجزائرية السيادية على صون الذاكرة ينبع من أصلنا الطيب، فنحن شعب جُبل على الحق، ولا يقبل سواه، شعب لا يقبل المساومة في إبادة الأجيال الثورية وأجيال المقاومة الشعبية”.
وذكر وزير المجاهدين، أنّ خطاب رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، الموجه للأمة أمام البرلمان بغرفتيه، أكد في باب الذاكرة، “ألا تخلي عنها ولا مطالبة فيها بأي مقابل أو تعويض، لأن الذاكرة هي الكرامة، وهي دماء شهداؤنا التي سقت هذه الأرض الطاهرة، وفهي بذلك أغلى من كل مقابل، وأن الاعتراف بتاريخ الدم هو مطلب الجزائر، التي تحترم الشهداء الذين هم أحياء عند ربهم يرزقون”.
وأكّد ربيقة، أنّ تأمين ذاكرتنا ونقلها للشباب هو ضمان تحصين الأمة، وحفظ أمن الناشئة من أشكال التضليل الرقمي والاستدراج الإعلامي. وأشار الوزير إلى أنّ “وزارة المجاهدين وذوي الحقوق، اعتمدت إستراتيجية الملتقيات العلمية والندوات، وإحياء الأيام الوطنية وذكريات الشهداء وإنجاز مختلف الأعمال السمعية البصرية..وكل البنى الميديولوجية لإيصال التاريخ آمنا كما صنعته الأرواح الشهيدة، وكما صانته الأيادي الطاهرة إلى جزائر المجد المستديم.

مواجهة الفكر الاستعماري بحملات توعية مضادّة

 أجمع مشاركون على واجب الذاكرة وعهدها في البقاء على قيد الحذر والمسؤولية تعزيزا للشعور بالانتماء للأمة وهويتها الوطنية، والحفاظ على قيمها وثقافتها وتقاليدها وأساطيرها ورموزها الوطنية، حتى تظل الذاكرة حية.
ويرى مدير الدراسات والبحث في المقاومة الشعبية والحركة الوطنية وثورة أول نوفمبر1954، الدكتور حسين عبد الستار، أنّه لحماية الجزائر من الدعاية الرقمية والإعلامية المغرضة يتعين علينا الاهتمام بالآليات البنائية والوظيفية لتأمين الذاكرة الوطنية الرقمية إلى أجيالنا حماية لهم من السطو على الذاكرة.
وأضاف الدكتور عبد الستار، أنّ الاتجاهات المعرفية الحديثة لدراسات الذاكرة الرقمية تفترض ولادة ذاكرة جيلية للعالم الرقمي يمثلها مواطنون رقميون أو جيل حظي بتنشئة رقمية يحتاج أن يعتنى أخلاقيا بمناعته القيمية من مخاطر النسيان.

مواجهة الفكر الاستعماري واجب وطني

 تطرّقت المحامية فاطمة الزهراء بن براهم، باحثة في قانون التاريخ ورئيسة الشبكة الجزائرية لمناهضة التاريخ الاستعماري النيوكولونيالي عبر العالم، في مداخلة بعنوان “من الفكر الكولونيالي الى الفكر النيوكولونيالي، إمبريالية حاقدة، وذهنية متجدّدة”، إلى الفكر الاستعماري، الذي لم يتلاش بانتهاء عصور الاستعمار التقليدي، بل يشكل اليوم الوجه الأشد قسوة للهيمنة العالمية والممارسات الاستعمارية في ثوبها الجديد قالت المحامية.
وأشارت بن براهم، إلى أنّ مواجهة الفكر الاستعماري الجديد ليس خيارا، بل واجب وطني وأخلاقي يتطلب وعيا جماعيا مشتركا يرسخ قيم العدالة والحرية، تكون نبراسا للأجيال القادمة في صراعها مع الظلم والاستبداد.
وأبرزت المحاضرة أنّ مناهضة الفكر الاستعماري ليست مجرد صفحة طويت في التاريخ، بل هي معركة مستمرة لإبراز النضال الوطني، وتعزيز القيم الإنسانية النبيلة في مواجهة الظلم، وأكّدت أنّ الدفاع عن القضايا العادلة مثل القضية الفلسطينية وقضية الصحراء الغربية هو التزام أخلاقي وإنساني يتجاوز حدود السياسة ليصبح رمزا للصمود والمقاومة في وجه الظلم والقهر.
قدّم الدكتور أحمد ميزاب، مداخلة بعنوان “الفكر الاستعماري في ظل المتغيرات الجيو سياسية نحو تعزيز مقومات المناعة الوطنية وتحصين الوعي وأمن الذاكرة”، أكّد فيها أنّ الاستعمار فكر يتجدّد كلما وجد أرضا خصبة يتغذى منها وينتعش منها، لكنه يتقلّص ويتمدّد ويفشل كلما كان أمام شعوب واعية بسيادتها.

وسائل جديدة للسّيطرة على الشّعوب

 وأبرز ميزاب أنّ الفكر الاستعماري قام بتغير من الوسائل التي يعتمدها في السيطرة على الشعوب، حيث انتقل من مفهوم السيطرة على الأرض الى مفهوم السيطرة على الفرد، لأن السيطرة على هذا الأخير تمكّن من السيطرة الأرض وثرواتها.
وأضاف أنّ الفكر الاستعماري اليوم يستخدم وسائل جديدة من أجل تحقيق أهدافه وأغراضه في إطار السيطرة على الدول والشعوب، من خلال توظيف الإعلام، الفضاء الرقمي، شبكات التواصل الافتراضي وأدوات حروب الجيل الرابع والخامس من أجل تنفيذ هذه المشاريع والأجندات.
وأشار المحاضر إلى أن منظري هذا الفكر وضعوا مختلف الاستراتيجيات والبدائل، التي يمكن أن تحقق أهدافه بدون أن يكون هناك توجيه أصابع الإدانة إلى هذا الفكر.
وشدّد الدكتور ميزاب على وجوب امتلاك إستراتيجيات بعيدة المدى في إطار الأدوات الاستباقية لضمان عدم الوقوع في فخ هذه المخططات، التي تستهدف الشعوب والأمم.
وتحدّث ميزاب عن التحولات العالمية والجيوسياسية بظهور قوى جديدة وسقوط أخرى، وبروز قوى متعدّدة الأقطاب.
وأكّد المحاضر وجود عقدة لم يتحرّر منها المستعمر، وأن فرنسا ذلك التلميذ الذي لا يقرأ التاريخ ولا يستفيد من الماضي، وهذا ما يجعله حبيس الماضي، وهي تعيش أزمة مؤسساتية وجمهورية، وتعيش تغيرا في خارطة سياسيتها الداخلية ووضع اقتصادي واجتماعي غير مسبوق، وفقدان وزنها في السياسات الدولية.
وقال: “كجزائريين علينا النظر الى هذا الفكر الذي يغير من أدواته وأساليبه في إطار تحقيق أهدافه وأجنداته بتبني الإستراتيجيات المتكاملة ذات مدى بعيد تعتمد على ثلاثية أساسية بامتلاكها أدوات المناعة تجعلك متماسكا أمام كل الهزات ومختلف الضربات ومحاولات الاستهداف، وكسب هذه المناعة لابد من كسب رهان معركة بوعي، وثانيا ضمان أمن أجيال قادمة من خلال أمن ذاكراتهم”.
وأضاف أن الذكاء الاصطناعي اليوم مبني على الاختراق الفكري، والخطاب والسرديات، التي تحمل المغالطات والتزييف وتعتمد على أدوات حروب الجيل الرابع، والخامس والتحكم في الفضاء الرقمي، واستخدام أدوات التضليل والتشويه والاعتماد على الإعلام لنقل الأخبار المغلوطة.

إنشاء منصّات رقمية محلية لضمان سيادة رقمية

 ويرى ميزاب أنه لمواجهة هذا الخطر وكسب معركة الوعي، لابد من إنشاء منصات رقمية وطنية لحماية الأرشيف الوطني من الاختراق، والتلاعب، وأرشفة الذاكرة التاريخية باستخدام تقنية الذكاء الاصطناعي، ومواجهة محتوى الفكر الاستعماري المضلل بحملات التوعية المضادة على الوسائط الرقمية.
وقال إنّ هذا يتأتّى إلا بتحقيق وضمان الاستقلال والسيادة الرقمية، والعمل على إنتاج برمجيات محليا ونظم معلوماتية محلية ووطنية والاستثمار والتموين في المورد البشري حتى نستطيع مواجهة هذا الفكر الاستعماري، ونواكب التحولات.

رهان الأمن القومي الجزائري مسألة استيراتيجية

 تناول أستاذ التعليم العالي بجامعة غليزان الدكتور عبد القادر بغدادي، أدوار الإعلام في تعزيز قيم المواطنة الرقمية وتكريس مبدأ السيادة الرقمية - دراسة تحليلية متعددة الأبعاد - مبرزا أن رهان الأمن القومي الجزائري يعتبر مسألة إستراتيجية لا يمكن قطعا التهاون أثناء التعاطي معها أو معالجتها.