طباعة هذه الصفحة

الخبير الدولي في الطاقات المتجـدّدة.. علي شقنان لـ”الشعـب”:

الانتقال الطاقوي فـي الجزائر.. مؤشـّراتٌ خضراء

خالدة بن تركي

الحوكمـة الرشيـدة حجر الزاويـة فـي التحوّل الناجــح للطاقة

أبانت كل المؤشّرات، عزم الجزائر على تحقيق انتقالها الطاقوي من أجل ضمان أمنها الطاقوي ونحو مزيج طاقوي متنوّع ومتوازن، تهدف من خلاله إلى تحقيق قدرة إنتاجية تبلغ 15 ألف ميغاواط من الطاقة الكهربائية الكهروضوئية متصّلة بالشبكة العمومية لتوزيع الكهرباء في أفق 2035 مع إحداث تغيير عميق في وسائل إنتاج واستهلاك الطاقة.

قال البروفيسور والخبير الدولي في الانتقال الطاقوي والطاقات المتجدّدة علي شقنان في تصريح لـ«الشعب”، ان الجزائر في إطار إستراتيجيتها لتحقيق الانتقال الطاقوي عملت على تأهيل عدد من المستثمرين المحليين والدوليين لتطوير الطاقات المتجدّدة وتحقيق الانتقال الطاقوي، الذي يعدّ من الأهداف الإستراتيجية المهمة لمواجهة تحدّيات الطاقة والاستدامة البيئية.
وأضاف الخبير، الجزائر بحاجة للتنويع في مصادر الطاقة والتحوّل إلى الطاقات المتجدّدة وهذا من خلال زيادة الاستثمارات في الطاقات المتجدّدة، خاصّة أمام الإمكانيات الكبيرة التي تملكها في مجالات الطاقة الشمسية والرياح، والتي تسعى الحكومة من خلالها إلى تطوير هذه المصادر عبر مشاريع واسعة.
ويدّعم الاستثمار في الطاقة الشمسية -يفيد الخبير- أيضا تطوير تقنيات تخزين الطاقة، وخاصّة الهيدروجين منخفض الكربون، وهو ناقل طاقة هائل وعنصر أساسي في الانتقال الطاقوي، والذي يستخدم بشكل رئيسي في الصناعة لإنتاج الأمونيا والأسمدة والكيمياء أو حتى التكرير، كما يتم استخدامه كناقل للطاقة في قطاعات الفضاء والنقل، حيث أبرز أهمية الاستثمار في هذا المجال وتقديم حوافز ضريبية وتسهيلات لجذب الاستثمارات المحلية والدولية، مع زيادة التوعية بأهمية هذا القطاع وتدريب الإطارات الفنية لتطوير وتشغيل المشاريع.
وأشار البروفيسور إلى أهمية الشراكة مع الدول الرائدة في مجال الطاقات المتجدّدة لتبادل الآراء بشأن سياسة الطاقة، وعلى سبيل المثال، أطلقت الجزائر شراكة مع ألمانيا في مجالات كفاءة الطاقة والطاقات المتجدّدة وتنفيذ خطة الهيدروجين “الأخضر”، الذي يعدّ صديقا للبيئة عن الهيدروجين التقليدي المستخرج من الوقود الأحفوري ويندرج ضمن رؤية البلاد المستقبلية لتحقيق التحوّل الطاقوي.وتهدف الجزائر من خلال خطّة الهيدروجين الأخضر إلى تنويع مصادر الطاقة وتقليل اعتمادها على النفط والغاز الطبيعي كمصادر رئيسية للطاقة، وزيادة استخدام الطاقة المتجدّدة لتأمين الطاقة على المدى الطويل، هذا بالإضافة إلى التوجّه نحو التصدير، على اعتبار أن الجزائر تطمح لتكون من بين الدول الرائدة في تصدير الهيدروجين الأخضر إلى الأسواق العالمية.
وفي سياق حديثه عن أهمية الطاقة كجوهر القضايا السياسية الكبرى في العالم، أشار الخبير إلى ضرورة الحديث عن القواعد التي يتم بموجبها تنظيم إنتاج واستهلاك الطاقة، أي الحوكمة الرشيدة في تسيير الطاقة، التي ترتبط بالعمليات والنتائج السياسية والمؤسسّية اللاّزمة لتحقيق الأمن الطاقوي..وأضاف في ذات الشأن، لتحقيق انتقال عالمي عادل ومنصف للطاقة، يجب أن تكون الحوكمة الرشيدة في صميم قطاع الطاقة المتجدّدة، وهو الاعتبار الذي عززته منظمات المجتمع المدني والصناعة والبلدان المنفذة لمبادرة الشفافية في الصناعات الاستخراجية خلال اجتماع عقد مؤخرا حول موضوع “الشفافية مهمة”، والذي أشار إلى غياب التنظيم والإشراف المناسبين، الذي يمكن أن يصبح عقبة أمام تحقيق أهداف الانبعاثات الصفرية الصافية، وتعتبر الحالات الأخيرة في كل من إيطاليا وألمانيا أمثلة تحذيرية تؤكد على الحاجة الملحة إلى ضمان دمج الشفافية في المشاريع الجديدة، وكذلك في التشريعات واللّوائح التي تدعم تطوير قطاع الطاقة المتجدّدة.
إن تعزيز وتنفيذ الحكم الرشيد يشكل حجر الزاوية في التحوّل الناجح في مجال الطاقة، وبالتالي يضمن أمن الطاقة، كما أنه ضروري لتسهيل التحوّل العادل الذي يتم وفق تغييرات منهجية، ليس فقط في تكنولوجيات الطاقة، ولكن أيضا من حيث إنتاج الطاقة واستهلاكها، كما أنه من الضروري تعزيز الإطار التشريعي والتنظيمي المتعلق بالطاقة المتجدّدة وكفاءة الطاقة.
وأشار الخبير الى ضرورة مواصلة إصلاح وتحديث النظام المصرفي والمالي، الذي يلعب دورا رئيسيا في الاستثمار في قطاع الطاقة المتجدّدة، من خلال وضع آليات فعّالة لجعل الاستثمارات في الطاقة المتجدّدة جذابة ماليا للقطاع الخاص والعام، خاصة أمام العوائد المالية التي يمكن تحقيقها، بالإضافة إلى الفوائد البيئية والاجتماعية، التي تجعل منه محورا أساسيا لتحقيق التحوّل الطاقوي والاقتصادي.
وأوضح في ذات السياق، بعد الأزمات الدولية المتلاحقة، تغير السياق العالمي في مجال الطاقة، حيث تتجلى أزمة الطاقة العالمية اليوم في أشكال جديدة من التعاون ترتكز على ثلاثة مبادئ أساسية: من ناحية، اعتماد الاتحاد الأوروبي على الطاقة، ومن ناحية أخرى، هناك الأزمات المتفاقمة في قطاعات استخراج الطاقة، أما السبب الثاني يتمثل في أن الصين والولايات المتحدة هما الكيانان العالميان الأكثر استخداما للطاقة، حيث تمثلان على التوالي 23.5بالمائة و15.3بالمائة من استهلاك الطاقة الأولية العالمية.أما السبب الثالث يعود- بحسب الخبير- كون روسيا تمتلك أكبر احتياطيات من الغاز الطبيعي على وجه الأرض وتبرز باعتبارها المنتج الرائد للغاز في العالم. وتقدر احتياطاتها بنحو 48 ألف مليار متر مكعب، أي خمسة أضعاف احتياطيات الولايات المتحدة، كما أنها تحتفظ بنسبة 13بالمائة من احتياطاتها من النفط، مما جعل التوجه يقوم نحو رسم خريطة جيولوجية جديدة للعالم، تتمثل في تقسيم العالم إلى ثلاثة أقطاب.
وتتمثل هذه الأخيرة -يقول الأستاذ- في قطب الطاقة، ويضم الدول التي تلعب دورا كبيرا في سوق الطاقة أما الثاني يتعلق بالقطب الطاقوي النامي، الذي يضم الدول المنتجة للطاقة التي لا تزال تعاني من الاستهلاك الوطني المفرط للطاقة، في حين يشمل قطب الطاقة المتخلف البلدان التي تواجه اعتمادا كبيرا على الطاقة وتسعى إلى خيارات مختلفة لتوريد الطاقة.
وعليه، فإن الجزائر اليوم مطالبة بتحقيق الانتقال الطاقوي، خاصة في ظل التحدّيات التي يواجهها العام وتستلزم التحوّل نحو مصادر طاقة أكثر استدامة، وذلك للحدّ من الاعتماد على الوقود الأحفوري وتخفيف التأثيرات البيئية السلبية.