طباعة هذه الصفحة

إبرام عقود نجاعـة مع المصدرين ووضــع خطـط مدروسـة

الصادرات خارج المحروقات.. الاقتصـاد الجديـد ينتصـر

زهراء. ب

رؤيـة استراتيجيـة لتحوـل الجزائــر إلـى  قطب امتيـاز فــي  مجــال التصديــر

استخدام نظام التحسين المؤقت لرفع نسبة تصدير المنتجات ذات القيمة المضافة العالية

تسعى الجزائر إلى تكريس تحوّل اقتصادي جوهري يتمثل في تنويع مصادر الدخل خارج قطاع المحروقات. وتعكس تعليمات الوزير الأول خلال ترؤسه اجتماعا للمجلس الوطني الاستشاري لترقية الصادرات، رغبة الحكومة في تبني سياسات اقتصادية أكثر ديناميكية وفعالية، من خلال ربط الدعم الحكومي بنتائج ملموسة عبر عقود نجاعة، ووضع خطط مدروسة لرفع الصادرات تنفيذا لتعليمات رئيس الجمهورية.

يأتي اجتماع المجلس الوطني الاستشاري لترقية الصادرات الذي ترأسه الوزير الأول، نذير العرباوي، يوم 2 مارس 2025، في إطار تنفيذ استراتيجية الجزائر لتنويع صادراتها خارج قطاع المحروقات، وأشهر قليلة بعد دعوة رئيس الجمهورية خلال اجتماع عمل حول الصادرات، إلى تبني رؤية استراتيجية جديدة تتمثل في تحويل الجزائر إلى قطب امتياز في مجال التصدير.
وكان رئيس الجمهورية شهر جويلية الماضي، قد حدد الخطوات المكملة للنهضة الاقتصادية التي تعيشها الجزائر، وللمكاسب المحققة، ومن بين هذه الخطوات إعادة رسم خارطة التجارة الخارجية للبلاد، بما تقتضيه المنفعة الوطنية والتحديات الجيوسياسية في العالم، وتحرير صادرات بعض القطاعات الإنتاجية، التي فاقت قدراتها الاحتياجات الوطنية، على غرار مادة الزيت والسكر والعجائن، بالإضافة إلى خلق قواعد لوجستية موجهة للتصدير على مستوى كل الأقطاب الاقتصادية، وتوسيع شبكة البنوك الجزائرية في الخارج خاصة في إفريقيا، وفتح خطوط تجارية جوية وبحرية لتعزيز الدور المحوري للجزائر في المنطقة، والسماح للمصدرين باستخدام نظام التحسين المؤقت لرفع نسبة صادراتهم في المنتجات ذات القيمة المضافة العالية.
ويعكس استعراض المجلس أداء الصادرات الجزائرية، غير النفطية في الفترة الماضية، بالإضافة إلى التوقعات لسنة 2025، والاستماع إلى العروض القطاعية حرص الحكومة على التقييم المستمر لمدى تقدم الصادرات غير النفطية، وهو مؤشر على نهج جديد يعتمد على تحليل المعطيات الاقتصادية لاتخاذ قرارات أكثر فعالية، فبالرغم من الجهود لا تزال مساهمة القطاعات غير النفطية في إجمالي الصادرات الجزائرية محدودة، ما يفرض ضرورة تكثيف الإصلاحات والتدابير الداعمة للمصدرين.
وفي هذا السياق، ركز الاجتماع على قطاعات محددة لرفع مستوى الصادرات، وهي الصناعات البتروكيميائية والمنجمية التي تمتلك الجزائر احتياطات ضخمة من الموارد الطبيعية، لكن تحويلها إلى منتجات ذات قيمة مضافة يحتاج إلى تطوير أكبر في قدرات المعالجة والتصنيع، وهو ما تطمح إليه عن طريق إطلاق المشاريع المهيكلة الكبرى كمشروع غار جبيلات، الذي سيصنف الجزائر في مصف أكبر الدول المالكة لاحتياطات الحديد في العالم، بالإضافة إلى مشروعي الفوسفات والزنك اللذين سيمكنان الجزائر من اعتلاء مرتبتها ضمن أكبر الدول المصدرة لهذه المواد.
كذلك الأمر بالنسبة للمواد الفلاحية والغذائية مثل التمور، زيت الزيتون، الخضر والفواكه التي تشهد طلبا متزايدا في الأسواق الخارجية، والمواد الصيدلانية من أدوية ومستلزمات طبية التي تسعى الجزائر إلى تعزيز صادراتها وهو قطاع استراتيجي يمكن أن يقلل من فاتورة الاستيراد ويوفر مداخيل جديدة.
أما الصناعات التحويلية فتهدف الحكومة إلى رفع القدرة التنافسية للصناعات التحويلية، خاصة في مجالات مثل الحديد والصلب، الصناعات الكهرومنزلية، وصناعة السيارات، في حين أصبح تصدير الخدمات مثل البرمجيات، الاستشارات، والخدمات المالية مجالا واعدا، لكنه يحتاج إلى تطوير البنية التحتية الرقمية وتعزيز التشريعات.
ودعوة الوزير الأول إلى إبرام عقود نجاعة مع المتعاملين الاقتصاديين يعكس توجها جديدا في السياسة الاقتصادية، حيث يتم ربط الدعم الحكومي والتسهيلات الممنوحة للمتعاملين الاقتصاديين بنتائج فعلية وملموسة في التصدير، إذ تفرض هذه العقود التزاما على الشركات لتحقيق أهداف تصديرية محددة، مما يزيد من المحاسبة والشفافية في توزيع الموارد والإعفاءات، ومن شأن هذه السياسة أن تشجع الشركات الأكثر قدرة على التصدير، وتقلل من الدعم غير الفعال لبعض المتعاملين الذين لا يحققون نتائج حقيقية.
كما دعا المجلس إلى إعداد خطط قطاعية وبرامج واضحة لتعزيز الصادرات، وهو توجه مهم لأنه يضمن تنسيق الجهود بين مختلف القطاعات بدلا من العمل بشكل منفصل، يسمح بتحديد العراقيل الخاصة بكل قطاع، سواء كانت مشاكل لوجستية، تمويلية، أو تشريعية، ويسهل متابعة التقدم المحرز في كل قطاع من خلال آليات تقييم دورية.
تقديم المزيد من الدعم للمتعاملين الاقتصاديين، ورسم مخططات دقيقة لرفع الصادرات خارج قطاع المحروقات، سيساهم لا محال في تجسيد الأهداف المسطرة بتحقيق نمو اقتصادي مستدام من خلال تنويع مصادر الدخل، إضافة إلى خلق فرص عمل جديدة في القطاعات الإنتاجية والتصديرية وتحسين صورة الجزائر كمصدر موثوق للمنتجات والخدمات في الأسواق الدولية، وتعزيز بذلك مكانتها الاقتصادية وزيادة قدرتها التنافسية عالميا.