زمن العمالقة

هدى بوعطيح

يحن الجزائريون إلى زمن كان فيه المسرح الوطني الجزائري يهتز حين يعتلي ركحه عمالقة صنعوا لأبي الفنون مجدا خالدا، واسما عريقا في عالم الفن الرابع، ورفعوا راية الجزائر عاليا في كبرى المحافل الدولية، حيث ما تزال أعمالهم تلقى الإقبال الجماهيري العريض، وهم من تمكنوا من صنع الابتسامة على وجوه المتفرجين، وجعلوا من الجزائريين يتوافدون صغيرهم قبل كبيرهم إلى المسرح أمثال رويشد، بوبقرة، كاكي، كلثوم، علولة، مجوبي، صونيا.. وآخرون لا تزال عروضهم الفنية شاهدة على إبداعاتهم، وهم من تألقوا وقدموا للفن في الجزائر الكثير، بالرغم من الظروف الصعبة التي كانت تحيط بهم، خاصة وأن هذه الأسماء منها من ظهر في زمن الاستعمار الغاشم، ومنها من ظهر مباشرة بعد الاستقلال، غير أن حبهم لهذا الوطن جعلهم يكافحون لأجل النهوض بمختلف الفنون وعلى رأسها الفن الرابع، حيث واصلوا جهادهم ووفقوا في ذلك، أغلبهم رحل تاركا وراءه المشعل ليحمله جيل اليوم، على أن يكملوا مسيرتهم في بناء صرح يشهد له الجميع بالكفاءة.
ويبدو أن الرياح تأتي بما لا تشتهيه السفن، فالإرث الذي تركه عمالقة الفن الرابع، يكاد يندثر، حيث أن الواقع ينبئ عن ذلك، وبعض الأصوات التي تتعالى من هنا وهناك تكشف عن أزمة تكاد تعصف بالمسرح الجزائري، ومهرجان المسرح المحترف الأخير أعلن دون قصد من منظميه بأن الكتابة المسرحية في الجزائر تعيش مرحلة عصيبة، بدليل حجب جائزة أحسن عرض متكامل، وتقديم باقي الجوائز بتحفظ.
إن لم يقف المسرحيون وقفة رجل واحد، قد يأتي اليوم الذي تصبح فيه هذه التظاهرات التي تعتبر متنفس المشاهد الجزائري، خاوية على عروشها، فلا جمهور يبحث عنها ولا عروض تلقى الإعجاب إذا ما استمر الواقع على حاله، واستمر جفاف الأقلام التي تكتب للمسرح، مع العلم أنه لا يمكن الإنكار أن هناك أسماء فنية تعمل لتواصل المسيرة، غير أنها تكاد لا تظهر على الساحة الفنية دون سبب يُذكر، وأخرى تعتمد على “الجاهز” وتسعى إلى الاقتباس وإسقاطه على الواقع الجزائري المعيش دون أي عناء.
فإلى متى يبقى المسرح الجزائري يعاني، ومتى تؤخذ الاقتراحات التي تصب من هنا وهناك بعين الاعتبار.. فهل ولّى زمن العمالقة، وهل سيبقى هذا الصرح في يد العابثين، أم سيأتي اليوم الذي يستيقظ فيه رجال أبي الفنون؟.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19813

العدد 19813

الخميس 03 جويلية 2025
العدد 19812

العدد 19812

الأربعاء 02 جويلية 2025
العدد 19811

العدد 19811

الثلاثاء 01 جويلية 2025
العدد 19810

العدد 19810

الإثنين 30 جوان 2025