طباعة هذه الصفحة

التفاف شعبي وإجماع وطني حول تجريم الاستعمار

الجزائر المنتصرة.. الذاكرة الوطنية مقدّسة

آسيا قبلي

 

 القوانين والقرارات الأممية والدولية تدعم المسعى 

حقائق جديدة تفضح فظاعة جرائم الاستعمار الفرنسي

 قرر المجلس الشعبي الوطني، الدفع قدما بقانون تجريم الاستعمار، في ظروف داخلية وإقليمية ودولية مواتية لإنجاح المسعى، تتسم بالتفاف شعبي حول قيادته وتأييد قرارات السياسة الخارجية، إلى جانب قرار أفريقي موحد بتصنيف الاستعمار والتهجير والاسترقاق جرائم إبادة وجرائم ضد الإنسانية.
ولعل ما زاد من عزم الجزائر على الإدانة القانونية لفرنسا الاستعمارية، هو التصعيد غير المبرر لليمين المتطرف ومحاولاته البائسة، تزييف التاريخ وقلب الحقائق.

تزامن بعث مشروع قانون تجريم الاستعمار الفرنسي في الجزائر (1830- 1962)، وحرص الجزائر، بقيادة الرئيس تبون، على معالجة عادلة لملف الذاكرة تنصف الشعب الجزائري جراء ما عاناه من استعمار همجي متوحش، وما تسبب فيه من تخلف البلاد عن ركب الدول المتقدمة، جراء النهب والسلب للمقدرات الوطنية.
وكان المجلس الشعبي الوطني قد نصب، الأحد، لجنة خاصة تتولى صياغة مقترح قانون لتجريم الاستعمار، مشكلة من نواب يمثلون كافة المجموعات البرلمانية، إلى جانب نائب دون انتماء، ما منح اللجنة صفة التمثيل السياسي الجامع داخل الهيئة التشريعية
 وتأتي هذه الخطوة، في سياق أزمة متصاعدة يغذيها اليمين المتطرف، الذي يعيش على تمجيد الاستعمار وعدم استيعاب حقيقة استقلال الجزائر، ويربط مشروعه السياسي بمهاجمة كل ما هو جزائري بتوظيف ورقة الهجرة، ومحاولات يائسة وبائسة لابتزاز الجزائر، ورغبة منه في ثنيها عن فك الارتباط بتعزيز سيادتها الوطنية، والوقوف ندّا للند مع مستعمر الأمس، ومواجهته بحقيقته الوحشية، التي يحاول عبثا تلميعها.
ومع ذلك، حرص رئيس المجلس الشعبي الوطني، إبراهيم بوغالي، على التأكيد بأن «مسألة الذاكرة، لا تطرح بالنسبة لبلادنا، كورقة للضغط أو المساومة، وإنما من باب الوفاء للتضحيات الجسام التي كابدها الشعب الجزائري برمته وكواجب أخلاقي وتاريخي».
ومازالت الحقائق عن معاناة الشعب الجزائري، أمام وحشية الاستعمار الفرنسي تتكشف من يوم لآخر، حيث أظهر تحقيق وثائقي فرنسي عن حرب كيميائية اقترفتها فرنسا الاستعمارية في الجزائر.
 وبالتزامن مع ذلك، تتعالى أصوات مؤرخين فرنسيين لرفع السرية عن الأرشيف العسكري وكشف الحقيقة، حيث أظهر وثائقي فرنسي بعنوان «الجزائر وحدات الأسلحة الخاصة»، حقيقة وجود حرب كيميائية شنتها فرنسا ضد الجزائر خلال فترة الاحتلال الفرنسي للجزائر. وهذا ما يعزز من ملف قانون تجريم الاستعمار، بالاستناد أيضا إلى المواثيق الدولية التي تجرم هذا الفعل.
وتأتي مبادرة سنّ قانون يجرم الاستعمار الفرنسي في سياقات وطنية مختلفة عما كانت عليه، تتزامن واحتفاء الجزائر بسبعينية الثورة المجيدة، التي أحيت بطولات الشعب الجزائري في مواجهة أعتى قوة استعمارية آنذاك، وطردها صاغرة بأسلحة بدائية، لكن بإرادة من فولاذ.
لا تقادم لجرائم فرنسا
وأمام مساعٍ واضحة لتبييض صورة الاستعمار وقلب الحقائق الدامغة، أكد رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، تمسك الجزائر بملف الذاكرة، مشددا على أنها لن تتنازل قيد أنملة عن تضحيات الشهداء الذين يقدر عددهم بـ5.630.000 شهيد.
وجدد رئيس الجمهورية، بمناسبة يوم الشهيد الموافق لـ18 فيفري، إدانة همجية ووحشية الاحتلال الفرنسي وارتكابه أبشع الجرائم في حق الشعب الجزائري، قائلا: إن «الاستعمار الذي سطا بأساليبه الوحشية التدميرية على أرضنا الطاهرة وعطل مسيرة شعبها الأبي لأزيد من 130 سنة، وبئس ما اقترف أدعياء الحضارة والتمدن، هو استعمار مستوطن مدمر يساوره وهم البقاء، ليس في حسبانه التفريط في الخيرات والثروات، أحبطت أوهامه ثورة عارمة».
وبموجب القوانين والمواثيق الدولية، لا يمكن لجرائم الاستعمار الفرنسي أن تسقط بالتقادم. كما أنه لا يمكن لفرنسا التنصل من مخلفات ماضيها المشين، مهما حاولت، ومهما تواترت الأجيال، لذلك يأتي تجريم الاستعمار كمحدد متين يجرم ما ينبغي أن يجرم.
التفاف شعبي
كما يتسم سياق إعادة بعث القانون بتناغم كامل لكل الجزائريين، سواء الطبقة السياسية أو المجتمع المدني والمثقفون حول هذا المسعى المتجدد، والتفاف غير مسبوق حول القيادة الحالية للبلاد، التي استطاعت في ظرف وجيز استعادة مكانة الجزائر الإقليمية والدولية وعززت سيادتها ووضعت الاقتصاد الوطني على السكة الصحيحة، بما حققته من أرقام شهدت بها المؤسسات الاقتصادية والمالية الدولية.
هذه المؤشرات أعادت الثقة بين الشعب وقيادته، ما سمح بتحقيق الإجماع حول القرارات المصيرية المتعلقة بالسياسة الخارجية للجزائر وأعطاها قوة وصلابة.
 كل هذا جاء، برأي مراقبين، نتاج وضع رئيس الجمهورية، تقوية الجبهة الداخلية على رأس أولوياته، وإعادة بعث الروح الوطنية، بالعمل وإخلاص النية، وفي مقدمتها تلبية حاجيات المواطن وصون كرامته.
أما السياق الإقليمي، الذي تأتي فيه المبادرة، فهو عودة الجزائر بقوة إلى البيت الافريقي وعزمها على إعادة إحياء اللحمة بين شعوب القارة في مواجهة التحديات والتهديدات الخارجية والتدخلات الأجنبية. وتوجت هذه العودة، بانتخاب الجزائر نائبا لرئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، وكذا تكليفها، إلى جانب دول أخرى، بضمان تنفيذ قرار الاتحاد الأفريقي بتصنيف الاستعمار والاسترقاق والتهجير جرائم ضد الإنسانية وجرائم إبادة جماعية على الصعيد الدولي.
وكان هذا القرار تتويجا لمساعي الجزائر في حمل الاستعمار الأوروبي عموما والفرنسي تحديدا على الاعتراف بمسؤوليته الاستعمارية، وما ارتكبه من جرائم ضد الإنسانية، وإبادة جماعية وتهجير قسري في حق الشعوب الأفريقية إبان الفترة الاستعمارية، وهي جرائم لا تسقط بالتقادم طبقا للمواثيق والقرارات الدولية.
وإلى جانب ما سبق، توفر القوانين والقرارات الدولية مادة قانونية اعتمدت عليها الجزائر في مساعي تجريم الاستعمار الفرنسي، يذكر منها نظام المحكمة الجنائية الدولية لروما المؤرخ في 17 جوان 1998.
إلى جانب الاتفاقية الدولية لعدم تقادم جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية المؤرخة في 26 نوفمبر 1968 وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 13 فيفري 1946. والاتفاقية الدولية للسلام بلاهاي المؤرخة في 29 جويلية 1899، والاتفاقية الدولية للسلام بلاهاي المؤرخة في 18 أكتوبر 1907 وبروتوكول جنيف المؤرخ في جوان لحظر انتشار الأسلحة الكيمياوية وقراري المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة المتعلقين بمعاقبة مجرمي الحرب والأشخاص الذين ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية، المؤرخ في 28 جويلية 1965، والمؤرخ في 5 أوت 1965 تحت رقم: 1158 والقرارين رقم: 2184 و2202 المؤرخين في 12 و16 ديسمبر 1966 الناصين على معاقبة انتهاك حقوق الإنسان للسكان الأصليين وإدانة الفصل العنصري وبروتوكول جنيف الإضافي لعام 1977 المتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان.