أخلت مواطنين من قطاع غزّة تحت التّعتيم

تسـاؤلات عــن تـورّط باريــس في مخطـــّط تهجير الفلسطينيّـين

 منذ أن أعلنت فرنسا «نجاحها» في إخلاء عشرات المواطنين من داخل قطاع غزة، ووصولهم إلى باريس بعد عملية سرية ومُعقّدة وبالتعاون مع الجيش الصهيوني، حتى بدأت الكثير من التساؤلات تُطرح على الساحة، حول طبيعة تلك العملية السرية وأهدافها الخفية.
الإعلان الفرنسي المُفاجئ عن عملية «الإجلاء» جاء في ظل ما يُحاك لسكان قطاع غزة، من مخططات لتهجير الفلسطينيين، وتنفيذ المخطط الكبير بالاستيلاء على غزة بشكل كامل وبسط السيطرة الصهيونية عليه دون وجود لسكانه، الأمر الذي أثار جدلاً واسعًا.
وأمس الأول الجمعة، وصلت إلى مطار «أورلي» في باريس مجموعة من 115 شخصا تم إجلاؤهم من قطاع غزة بمبادرة من فرنسا، وفق ما أفاد مراسلون صحافيون.
وأوضح مصدر دبلوماسي أن المجموعة تتكون من «مواطنين فرنسيين وعائلاتهم، وموظفي المعهد الفرنسي في غزة وعائلاتهم، وشخصيات فلسطينية مقربة من بلادنا»، مضيفا أن هذا العدد الوافد من غزة هو الأكبر منذ بدء الحرب التي يشنّها الكيان الصهيوني على قطاع غزة.
والأسبوع الماضي، وصل 59 شخصا إلى باريس قادمين من غزة، بحسب المصدر نفسه.
ومن بين الوافدين الجدد حسب المصادر، «طلاب حظوا بمنح دراسية من الحكومة الفرنسية، حصلوا على منحهم منذ نحو 15 أو 18 شهرا، ولكنهم لم يتمكنوا من المجيء للدراسة في فرنسا»، فضلا عن «باحثين وفنانين» جاؤوا «معظمهم مع عائلاتهم»، وفق أنيك سوزور-واينر الأستاذة الفخرية في جامعة باريس ساكلاي ونائبة رئيس «شبكة المهاجرين في التعليم العالي».
وقال مصدر دبلوماسي إن فرنسا أجلت «500 شخص» منذ هجوم السابع من أكتوبر 2023.

تهجير تحت حجج وذرائع غريبة

 وجاء الإجلاء الأخير، في الوقت الذي أكّدت فيه وزارة الخارجية الفرنسية على أن باريس تظل تعارض التهجير القسري لسكان غزة.
 لكن هذه الخطوة لم تمر مرور الكرام بالنسبة لـ «المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان»، الذي شكك في النوايا والأهداف الخفية من تنفيذ مخطط تهجير الفلسطينيين، تحت ذرائع وحجج غريبة.
فقال رامي عبده رئيس المرصد، إن السفارة الفرنسية قامت بتسهيل مغادرة 115 فلسطينيًا من قطاع غزة بتاريخ 23 أبريل 2025، عبر معبر كرم أبو سالم، ثم جسر الملك حسين وذلك في إطار عملية تمت بسرية تامة، وسط معايير غير واضحة وتواصل محدود مع المعنيين.
وأوضح عبده أن وزارة الخارجية الفرنسية، رغم زعمها بعدم التورط في سياسات التطهير العرقي التي يمارسها الكيان الصهيوني في قطاع غزة، لم تُصدر أي بيان رسمي بشأن هذه المهمة إلا بعد مرور يومين على تنفيذها، ما يثير الريبة بشأن غياب الشفافية ومحاولة تجنب المساءلة.
وأشار إلى أن معلومات موثوقة أفادت بأن المُجلين طُلب منهم عدم مشاركة التعليمات التي وُزعت عليهم من قبل السفارة بشأن العملية، وهو ما يعكس تجنبًا مقصودًا للعلنية والمحاسبة مضيفًا أن التوضيح الرسمي لم يصدر إلا بعد تعرض الحكومة الفرنسية لضغوط متزايدة.
وأكّد عبده، نقلًا عن مصدر فرنسي، أن عملية الإجلاء شملت حاملي جنسيات مزدوجة، وأشخاصًا لديهم أقارب في فرنسا، ومتلقين لمنح دراسية، بالإضافة إلى من وصفهم بـ «شخصيات فلسطينية» على صلة بفرنسا، مشدّدًا على أن هذا التفسير يفتح الباب أمام تساؤلات أكبر، أكثر مما يجيب عليها.

لماذا لم يمنح المصابون أولوية الإجلاء؟

 وفي هذا السياق، طرح عبده مجموعة من التساؤلات التي وصفها بالمشروعة: لماذا لم يتم إجلاء هؤلاء في الأسابيع الأولى من الإبادة الجماعية؟ ما المقصود بـ «شخصيات فلسطينية على صلة بفرنسا؟»، وعندما نتحدث عن «الأكاديميين المعرضين للخطر»، هل يُستخدم هذا كغطاء لإفراغ غزة من نخبتها الفكرية والثقافية؟ وهل تسهم مثل هذه السياسات في إضعاف المجتمع الفلسطيني على المدى الطويل؟ ولماذا لم يُمنح المصابون، لا سيما الأطفال الذين حُرموا من حقهم في العلاج بسبب التدمير الصهيوني المتعمد للقطاع الصحي في غزة، أولوية في الإجلاء؟
وأوضح عبده أن بعض الأسماء تم اختيارها منذ أكثر من عام، بينما أضيفت أخرى في الأسابيع القليلة التي سبقت التنفيذ، معتبرًا أن هذا التفاوت الزمني يثير الشكوك، لا سيما في ظل الحملة النفسية الصهيونية المتواصلة للترويج لسياسة التهجير القسري لسكان غزة.
وسأل عبده: هل كانت هذه العملية جزءًا من تلك الحملة؟ أم أنها إشارة ضمنية على أن التهجير الجماعي للفلسطينيين لم يعد مجرد احتمال بل أصبح واقعًا يُنفذ على الأرض؟

باريس لم تحرّك ساكنا لإدخال المساعدات

 وأكّد أنّ طرح هذه الأسئلة لا يهدف للتشكيك في حق الأفراد في النجاة من ظروف الحرب، بل هو محاولة لفهم السياق الأشمل الذي تجري فيه هذه العمليات، خاصة في ظل عجز الحكومة الفرنسية عن القيام بأي دور فاعل لتوصيل المساعدات الإنسانية العاجلة إلى السكان المحاصرين.
ولفت عبده إلى أن العملية الفرنسية جاءت في وقت تواصل فيه باريس السماح لرئيس الوزراء الصهيوني – المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بتهم جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية – بالمرور الآمن عبر أجوائها، وهو ما يطرح تساؤلات إضافية حول ازدواجية المعايير.

فرنسا تواصل السّماح لنتانياهو بعبور أجوائها

 وأضاف أن التعتيم المحيط بعملية الإجلاء يعزّز شعور الفلسطينيين، بأن بعض الجهات الأجنبية باتت متواطئة فعليًا في تنفيذ سياسات التطهير العرقي التي يقودها الاحتلال.
وأكّد عبده على أن أي عملية إجلاء يجب أن تُربط بحق العودة بشكل واضح وصريح، فطالما تمكّنت هذه الدول من إجلاء الأفراد من غزة المحاصرة، فإن بإمكانها أيضًا ضمان إعادتهم متى أرادوا ذلك، بصرف النظر عن سياسات الاحتلال.
وختم عبده تصريحه بالتشديد على أن للفلسطينيين حقًا أصيلًا في البحث عن الأمان، لكن تسهيل مغادرتهم دون مواجهة الأسباب التي دفعتهم للرحيل يُعتبر شكلًا من أشكال التواطؤ في تنفيذ مخطط تهجير جماعي. واعتبر أن ما جرى يُظهر تورطًا مباشرًا في جريمة الإبادة الجماعية المرتكبة بحق الفلسطينيين.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19760

العدد 19760

الثلاثاء 29 أفريل 2025
العدد 19759

العدد 19759

الإثنين 28 أفريل 2025
العدد 19758

العدد 19758

الأحد 27 أفريل 2025
العدد 19757

العدد 19757

السبت 26 أفريل 2025