طباعة هذه الصفحة

الحقائق التاريخية تهدم سرديات اليمين المتطرف وتدفن أحقاده

تـزايـد الاعتراف الفرنسـي بـعـار جرائـم الاستعمار بالجــزائر

حياة. ك

80 سنــة لم تُنسِ الجزائـريـين الذاكرة.. ولم تمنـح الجـلادين فرصة التنكّر والإفــلات

 حسام: التنصل من مسؤوليـة المذابـح والمجـازر موقف لا يحظـى بالإجمـاع فـــي فرنســا

تحاصر جرائم الاستعمار الفرنسي في الجزائر، والتي فاقت بشاعتها حدود الوصف، الدولة الفرنسية. فعلى الرغم من مناورات اليمين المتطرف للقفز على التاريخ والسعي لبناء سردية تمجد الجلادين، إلا أن الكثير من الأصوات الفرنسية المدركة للحقيقة، تعالت بمناسبة الذكرى الثمانين لمجازر الثامن ماي 1945 مطالبة الاعتراف بالجرائم المرتكبة بحق الجزائريين.

بعد أن احتل الساحة الإعلامية والسياسية لعدة أشهر، في حملة كراهية غير مسبوقة ضد الجزائر، توارى اليمين المتطرف الفرنسي هذه الأيام عن الأنظار، أمام قوة «العار» الذي يطارد فرنسا، جراء جرائمها في الجزائر خلال الحقبة من 1830 إلى 1962.
في فرنسا، أقيمت تجمعات ببعض المدن، طالبت الاعتراف بمجازر 8 ماي 1945، كجرائم دولة ارتكبها الاستعمار في عدة مدن جزائرية، قبل 80 عاما، استخدم فيها أبشع أساليب القتل، بما فيها أفران الجير، وهي الأساليب التي فاقت وحشية النازية.
وفي خطوة تعكس تزايد إدراك جزء واسع من الطبقة السياسية الفرنسية بالورطة التاريخية التي تطارد بلادهم جراء ما اقترفته في الجزائر، حل وفد برلماني فرنسي بالجزائر، للمشاركة في إحياء الذكرى المخلدة لهذه المجازر.
وتشغل هذه الخطوات مساحة معتبرة في وعي الرأي العام الفرنسي، الذي ظل ولسنوات رهينة لأفكار كاذبة وسرديات خاطئة، سعى لترويجها أنصار «الجزائر فرنسية»، من الحركى واللوبيات المرتبطة بمنظمة الجيش السري الإرهابية.
وأمام الوثائق والحقائق التاريخية، واهتمام المؤرخين والطبقة السياسية بحقيقة ما جرى في الجزائر، طيلة أزيد من قرن و32 سنة، باتت المجازر والجرائم التي راح ضحيتها الملايين من الجزائريين، تحاصر فرنسا، ولا فرصة للتملص منها، مهما علا صراخ اليمين الحاقد.
في السياق، كان وزير الداخلية والجماعات المحلية، إبراهيم مراد، أكد، الخميس، أن «هناك وعيا لدى بعض الخيّرين في فرنسا بأن ما ارتكبه الاستعمار الفرنسي في الجزائر من جرائم أثناء الثورة التحريرية وما قبلها، لم يحدث في أي مكان آخر». وقال مراد، إن المؤرخين الفرنسيين والجزائريين توصلوا إلى أن «الجرائم الاستعمارية المرتكبة في الجزائر لم يسبق لها مثيل في مناطق أخرى من العالم». وأضاف، «هناك وعي يتزايد شيئا فشيئا (في الداخل الفرنسي) بهذه الجرائم، وفرنسا حتما ستعترف بأن هناك جرائم ارتكبت في الجزائر من قبل الاستعمار».
كما اعتبر الدكتور حمزة حسام، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، أن مشاركة برلمانيين فرنسيين في إحياء ذكرى مجازر الثامن ماي 1945 بالجزائر، سلوك ينمّ عن قابلية لدى أطراف سياسية فرنسية وازنة للاعتراف بما اقترف من مجازر وإبادات إبان حقبة الاستعمار الفرنسي للجزائر.  وتعد الزيارة التي قام بها نواب فرنسيون للجزائر والمشاركة في إحياء ذكرى مجازر الثامن ماي 1945 التي ارتكبها الجيش الفرنسي في الجزائر، خطوة وموقفا يجب الاستثمار فيه من أجل الوصول إلى تحقيق التصحيح الذي تنشده الجزائر في ملف الذاكرة في سياق علاقاتها مع فرنسا، كما صرح به لـ «الشعب» حمزة حسام.
ويعتقد المحلل السياسي، بأنه يجب الأخذ بعين الاعتبار ما يمتلكه هؤلاء البرلمانيون من قدرة على التأثير على توجهات السلطتين التشريعية والتنفيذية في فرنسا، ناهيك عن تركيبة الوفد البرلماني الفرنسي المشارك في إحياء هذه الذكرى الأليمة.
بالنسبة للمتحدث، فإن موقف الإنكار والتنصل من المسؤولية الذي يطبع الموقف الرسمي الفرنسي إلى غاية الآن، ليس موقفا يحظى بالإجماع ولا التزكية من كل الكتل السياسية الفرنسية، لاسيما تلك المنتمية إلى جناح اليسار المعروف عنه رفضه الشديد لمواقف اليمين المتطرف ذات الصلة بموضوع الذاكرة في الجزائر والماضي الاستعماري البغيض لفرنسا.
ومن خلال تحليله لهذا الموقف المتخذ من قبل برلمانيين فرنسيين، قال الأستاذ حسام، إنه إذا تم الأخذ في الاعتبار أن هؤلاء النواب منتخبون من وعاء انتخابي يشكل أغلبية الرأي العام الفرنسي، بموجب النتائج التي أسفرت عنها آخر تشريعيات في فرنسا، فهذا يعني أنهم يمثلون توجها كبيرا داخل الشعب الفرنسي.
وأشار حسام في هذا الصدد، أنه إذا كان موقفهم هو موقف الأغلبية، فمن المؤكد أن موقف اليمين المتطرف اليوم من ملف الذاكرة والاستعمار وطريقة تسييره للأزمة مع الجزائر، ليس سوى موقف الطرف المتغلب لا الطرف صاحب الأغلبية.