طباعة هذه الصفحة

زيارة الرئيس تبون إلى سلوفينيا تعكس خارطة طريق استشرافية

الجـزائـر المنتصـرة..شراكات استراتيجية بمفاتيح السيادة والندية

علي مجالدي

 حرية القرار وعــدم التدخـل في شؤون الدول.. مبدأ جزائري ثابت

 أرض الأحـرار بلــد مسـالم.. رسائل ودلالات إلى هؤلاء وأولئـك

 تنويــع مصادر التعـاون وفـق «رابح- رابح» والمنفعــة المتكافئـة

شكلت زيارة الدولة التي قام بها رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، إلى جمهورية سلوفينيا، فرصة لتأكيد الرغبة المشتركة التي تحدو قائدي البلدين لتأسيس شراكة استراتيجية واعدة تشمل مختلف مجالات التعاون بين البلدين.

تُواصل الجزائر بقيادة رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، تبني سياسة خارجية سيادية متعددة الأبعاد، تُعزز من خلالها علاقاتها الدولية وتُرسخ شراكات استراتيجية قائمة على مبادئ السيادة الوطنية والندية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول. وزيارة الدولة الأخيرة التي قام بها رئيس الجمهورية إلى سلوفينيا يومي 12 و13 ماي، تعكس هذا التوجه، حيث تم خلالها توقيع عدة اتفاقيات ومذكرات تفاهم في مجالات متنوعة، بما في ذلك الطاقة والتعليم العالي والبيئة والذكاء الاصطناعي، مما يعكس التوافق الكامل في الرؤى بين البلدين بشأن قضايا ذات اهتمام مشترك، مثل دعم القضية الفلسطينية وحق تقرير المصير في إقليم الصحراء الغربية.
توجت زيارة الدولة التي قام بها رئيس الجمهورية لسلوفينيا، تلبية لدعوة نظيرته السيدة ناتاشا بيرتس موسار، بالتوقيع على إعلان مشترك بين البلدين وعدة اتفاقيات ومذكرات تفاهم تخص التعاون في العديد من المجالات الحيوية، والتأكيد على توافق وجهات النظر حول القضايا ذات الاهتمام المشترك.
وخلال هذه الزيارة، التي دامت ثلاثة أيام، كان لرئيس الجمهورية نشاط مكثف، حيث أجرى محادثات ثنائية مع الرئيسة السلوفينية، توسعت بعدها لتشمل وفدي البلدين، قبل أن يشرفا على افتتاح أشغال منتدى رجال الأعمال الجزائري- السلوفيني.
كما تحادث رئيس الجمهورية مع الوزير الأول السلوفيني روبرت غولوب، وكذا رئيسة الجمعية الوطنية لجمهورية سلوفينيا، السيدة أورشكا كلاكوتشار زوبانتشيتش.
وخلال محادثاته مع مختلف المسؤولين السلوفينيين، سجل رئيس الجمهورية وجود «توافق تام» بين البلدين، حول كافة الملفات»، مشددا على أن الجزائر «بلد موثوق»، كما أنها «مستعدة لتلبية كل متطلبات سلوفينيا فيما يخص الغاز». مضيفا، بأنه «لا يمكن لبلادنا أن تتأثر بأي تغيرات في المستقبل».
وجدد رئيس الجمهورية الإشادة بالمواقف «الشجاعة والأخلاقية» لجمهورية سلوفينيا تجاه القضية الفلسطينية، وكذا «دفاعها عن المستضعفين ونبذ العنف والحروب في كافة مناطق العالم»، منوها في نفس الوقت بمواقفها تجاه قضية الصحراء الغربية.
وحرص رئيس الجمهورية، في سياق ذي صلة، على التأكيد بأنه «بالرغم مما يقال هنا وهناك، إلا أن الجزائر دولة مسالمة، شغلها الشاغل هو إحلال السلم في المنطقة وفي البحر الأبيض المتوسط وفي كل بقاع العالم».
من جهتها، ذكرت رئيسة جمهورية سلوفينيا بموقف بلادها من القضية الفلسطينية، داعية المجتمع الدولي إلى «تكثيف الحوار من أجل تحرك عاجل لوضع حد للاعتداءات الإسرائيلية على غزة».
وأكدت في ذات السياق، موقف بلادها من القضية الصحراوية، الداعي إلى «حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره، ضمن الشرعية الأممية».
بدوره، اعتبر الوزير الأول السلوفيني روبرت غولوب، الاتفاقيات التي تم التوقيع عليها من قبل البلدين «نموذجا للعديد من الدول الأوروبية»، لافتا إلى أن «الأبواب مفتوحة لتعزيز التعاون في عدة مجالات أخرى».
وفي اليوم الثالث والأخير من زيارة الدولة التي أجراها لهذا البلد الصديق، قام رئيس الجمهورية بزيارة مركز الاختراعات والذكاء الاصطناعي بالعاصمة ليوبليانا، أين اطلع على أحدث المشاريع التكنولوجية والأنظمة الذكية التي تطورها سلوفينيا في مجالات متعددة.
كما زار رئيس الجمهورية مركز «ليبيزا» العريق لتربية ورعاية الخيول والذي يعد من أقدم وأشهر مؤسسات الفروسية في أوروبا والعالم.
تسعى الجزائر إلى تنويع شراكاتها الأوروبية بحكم القرب الجغرافي وتشابك المصالح السياسية والاقتصادية وحتى الأمنية، حيث تُعتبر إيطاليا أحد الشركاء الاقتصاديين الرئيسيين، إذ تجاوز حجم التبادل التجاري بين البلدين سقف 20 مليار دولار في عام 2024، مع اعتماد إيطاليا على الجزائر لتلبية 40% من احتياجاتها من الغاز الطبيعي، مع الاتفاق على تعزيز هذه الشراكة لتشمل الأنماط الجديدة للطاقة، خاصة الهيدروجين الأخضر وربط خطوط النقل الكهربائي تحت البحر بين الجزائر وأوروبا، في مشروع واعد تعمل الدولتان على تجسيده في أقرب الآجال.
كما تُعزز الجزائر علاقاتها مع ألمانيا، خاصة في مجالات الطاقة المتجددة والتكنولوجيا، مما يُسهم في توسيع آفاق التعاون الاقتصادي والتقني.
 كما تُعدّ العلاقات الجزائرية التركية نموذجًا بارزًا في سياسة الجزائر الرامية إلى تنويع شراكاتها الدولية وتعزيز مكانتها الإقليمية والدولية. وقد شهدت هذه العلاقات تطورًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة، خاصة بعد زيارة الدولة التي قام بها الرئيس عبد المجيد تبون إلى تركيا في ماي 2022، والتي استمرت ثلاثة أيام بدعوة من نظيره التركي رجب طيب أردوغان.
وتُعد تركيا أكبر مستثمر أجنبي في الجزائر خارج قطاع النفط والغاز، حيث تجاوزت الاستثمارات التركية في الجزائر 6 ملايير دولار، مع السعي لبلوغ 10 ملايير دولار في قادم السنوات.
بالإضافة إلى ذلك، تُقيم الجزائر علاقات استراتيجية مع قوى عالمية كبرى مثل الصين وروسيا والولايات المتحدة الأمريكية. فمع الصين، تم إطلاق عدة شراكات اقتصادية واعدة، أبرزها التعاون بين البلدين لاستغلال منجم غار جبيلات والذي يُعد أحد أكبر مناجم الحديد في العالم، ويشمل إنشاء شبكة سكك حديدية بطول 6000 كيلومتر لربط المنجم بالموانئ الجزائرية في الشمال، مما يُعزز من قدرات الجزائر التصديرية ويُسهم في تنويع اقتصادها وكذلك تحسين البنى التحتية في مجال السكة الحديدية ما يدعم التنمية على المستوى المحلي.
أما مع روسيا، فتستمر العلاقات التاريخية القوية، خاصة في المجالات العسكرية والاقتصادية، رغم التحديات الجيوسياسية في المنطقة.
وفيما يتعلق بالولايات المتحدة، تُبدي الجزائر استعدادًا لتعزيز التعاون في مجالات الأمن ومكافحة الإرهاب ومجال الطاقة والاستثمار، مع التركيز على احترام السيادة الوطنية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.
اقتصاديًا، تُركز الجزائر على تطوير نموذج اقتصادي قائم على تعزيز القدرات المحلية، ودعم الإنتاج الوطني المستدام، والاستثمار في القطاعات الاستراتيجية، خاصة التعدين. فقد عرف قطاع التعدين تطورًا ملحوظًا، بفضل السياسات الاقتصادية التي أطلقها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون. كما تم إطلاق مشاريع كبرى في مجال الفوسفات، مثل مشروع منجم بلاد الحدبة في الشرق الجزائري، الذي يُعد من أكبر مشاريع الفوسفات في العالم، ويُتوقع أن يُسهم في تعزيز الأمن الغذائي الوطني وزيادة الصادرات باتجاه الدول الأوروبية القريبة جغرافيا والتي تحتاج هذه المواد ذات الطابع الاستراتيجي بشدة.
في سياق متصل، أظهرت المؤشرات الاقتصادية تحسنًا ملحوظًا، حيث سجل الناتج المحلي الإجمالي نموًا بنسبة 4,1% في عام 2024، مدفوعًا بالأداء القوي في القطاعات غير النفطية، مما يُشير إلى نجاح السياسات الاقتصادية في تنويع مصادر الدخل الوطني.
من خلال هذه السياسات متعددة الأبعاد، تُعزز الجزائر مكانتها على الساحة الدولية وتُسهم في تحقيق الاستقرار والتنمية المستدامة، مع الحفاظ على مبادئها الثابتة في احترام السيادة الوطنية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى.