طباعة هذه الصفحة

في اليوم العالمي لإفريقيا.. مقاربة شاملة لتعزيز الأمن والاستقرار والتنمية

جزائر الشجعان.. التزام بقيم التضامن والعمل المشترك

زهراء.ب

المقاربة السياسية والأمنية والدبلوماسية... صوت العقل والحكمة 

قناعة راسخة بوحدة المصير الإفريقي.. ووحدة تطلعات الشعوب

أحيت الجزائر اليوم العالمي لإفريقيا، وهي تتبوأ موقعا محوريا في المشهد الإفريقي، ليس فقط بحكم تاريخها المتجذر وانتمائها الجغرافي للقارة السمراء، بل أيضا بفضل رؤيتها الثابتة ومقاربتها المتكاملة التي جعلت منها فاعلا رئيسيا في دعم أمن واستقرار إفريقيا وتنميتها؛ مقاربة تستمد قوتها من إرث نضالي عريق ضد الاستعمار، وتستند إلى مبادئ السياسة الخارجية الجزائرية المبنية على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول واحترام السيادة الوطنية وحسن الجوار، وتعزيز التضامن الوطني وتغليب الحلول السلمية على منطق القوة.

في اليوم العالمي لإفريقيا، جددت الجزائر التزامها بقيم الوحدة والتضامن والعمل المشترك التي قامت عليها منظمة الوحدة الأفريقية، فبناء إفريقيا متقدمة، آمنة ومستقرة يتطلب تضافر جهود جميع دول القارة، والاستفادة من التجارب الناجحة والقدرات المتاحة. وسطرت الجزائر مقاربة شاملة ومتوازنة تجمع بين الدبلوماسية الفاعلة، والتنمية المستدامة، والتعاون الأمني المسؤول، جعلتها شريكا أساسيا في هذا المسعى القاري.
فتعامل الجزائر مع الدول الإفريقية وقضاياها، القائم على مبادئ راسخة، أكسبها احتراما واسعا، فمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، واحترام السيادة والوحدة الترابية يمثل حجر الزاوية في السياسة الخارجية للجزائر، مما جعلها وسيطا موثوقا في العديد من الأزمات الإقليمية.
وقد لعبت الجزائر أدوارا تاريخية لحل نزاعات معقدة، كما هي الحال في اتفاق السلام والمصالحة في مالي المنبثق عن مسار الجزائر، حيث أكدت تفضيلها الدائم للحوار والمفاوضات ورفض منطق القوة.
كما تواصل الجزائر دعمها الثابت للقضايا العادلة وحق الشعوب في تقرير مصيرها، انسجاما مع تاريخها الثوري التحرري، وتعمل اليوم باستمرار على تعزيز علاقات حسن الجوار، رغم التحديات والتوترات التي قد تطرأ أحيانا، إيمانا منها بأن استقرار المنطقة ورخاءها يعتمدان على التعاون والتفاهم المتبادل بين دولها.

شريك ملتزم باستقرار المنطقة

تعتبر الجزائر منطقة الساحل والصحراء امتدادا طبيعيا لأمنها القومي، وتلعب دورا محوريا في مكافحة التهديدات الأمنية التي تواجه المنطقة، وفي مقدمتها الإرهاب والجريمة المنظمة العابرة للحدود. وتعتمد في ذلك على مقاربة تجمع بين العمل العسكري المنسق والحلول السياسية والتنموية لمعالجة الأسباب الجذرية لانعدام الاستقرار.
وقد أكد رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي الفريق أول السعيد شنقريحة، أن الجزائر «تواصل تقديم يد المساعدة لبلدان الجوار من خلال برامج تعاون عسكري متعددة الأشكال»، ضمن آليات مثل لجنة الأركان العملياتية المشترك (CEMOC)، التي تكرس العمل المشترك دون المساس بسيادة الدول.
وشدد الفريق أول على أن الجزائر «رقم فاعل في الأمن والسلام في الساحل»، موضحا أن هذا الدور ينبع من «رؤية استراتيجية حكيمة ومتوازنة» ترفض التدخل في شؤون الدول وتؤمن بأن «كل بلد هو الأقدر على التكفل بتحدياته الأمنية في إطار احترام سيادته».
وأكد الفريق أول التزام الجزائر بمبادئ حسن الجوار، ورفضها الصريح لمنطق السلاح، وتفضيلها للحوار والمقاربات السلمية، مشيرا إلى أن الجزائر، رغم محاولات التشويش على دورها، ستظل «شريكا صادقا وفاعلا ملتزما ببناء مقاربات إقليمية بناءة تصب في خدمة الأمن والاستقرار».
وأوضح الفريق أول شنقريحة، أن الجزائر «تؤمن بأن المقاربة الأمنية وحدها غير كافية»، وأن الحلول الحقيقية تتطلب دعم التنمية وتوفير آفاق اقتصادية واجتماعية حقيقية لشعوب المنطقة، وهو ما تعكسه المشاريع التنموية الكبرى التي تدعمها الجزائر.
وبذلك تؤكد الجزائر باستمرار، على أهمية الحلول الأفريقية للمشاكل الأفريقية، ورفض التدخلات الأجنبية التي أثبتت التجارب أنها غالبا ما تزيد الأوضاع تعقيدا، وتشدد على أن المقاربة الأمنية وحدها غير كافية، وأن تحقيق استقرار دائم يتطلب معالجة التحديات التنموية والاقتصادية والاجتماعية التي تواجه دول المنطقة.

تضامن فاعل وتنمية مستدامة

في هذا السياق، وإدراكا منها للارتباط الوثيق بين التنمية والأمن، تولي الجزائر أهمية متزايدة لدعم الجهود التنموية في القارة. وعرفت هذه المقاربة نقلة نوعية مع تأسيس «الوكالة الجزائرية للتعاون الدولي من أجل التضامن والتنمية» وتخصيص غلاف مالي بقيمة مليار دولار أمريكي لتمويل مشاريع تنموية في الدول الأفريقية.
يعكس هذا التوجه، الذي أعلن عنه الرئيس عبد المجيد تبون، تحولا من المساعدات التقليدية ومسح الديون (التي بلغت مليارات الدولارات في السابق)، إلى نهج أكثر استدامة يركز على تمويل مشاريع ذات أثر مباشر على حياة المواطنين، لاسيما في مجالات البنية التحتية والصحة والتعليم والمياه.
ويهدف هذا الدعم إلى تعزيز الاندماج القاري، عن طريق دعم مشاريع كبرى، مثل الطريق العابر للصحراء، وخط أنبوب الغاز العابر للصحراء بين الجزائر ونيجيريا، وشبكة الألياف البصرية، وهي مشاريع كبرى لا تخدم فقط التكامل الاقتصادي، بل تساهم أيضا في فك العزلة عن مناطق شاسعة وتعزيز التبادل التجاري.
وقد أكد وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج والشؤون الإفريقية، أحمد عطاف، أن الجزائر طالما سعت إلى «المساهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية لشعوب منطقة الساحل»، من خلال دعم مشاريع تنموية مهيكلة، وتمويل مبادرات إقليمية تهدف إلى «تمكين السكان المحليين من العيش بكرامة في أوطانهم»، وإحباط مخططات زعزعة الاستقرار.
وشدد عطاف، على أن إحياء يوم إفريقيا «لا يعني فقط استذكار الأمجاد، بل تسليط الضوء على التحديات وتجديد الالتزام بالمساهمة في مواجهتها»، انطلاقا من قناعة راسخة بوحدة المصير الإفريقي، ووحدة التطلعات، والإيمان العميق بأن الأمن لا ينفصل عن التنمية.

نحو شراكة إفريقية متوازنة

الجزائر الشريك الإفريقي الصادق والمسؤول، تعمل اليوم على أساس مبدإ «الحلول الإفريقية للمشاكل الإفريقية»، بعيدا عن منطق الوصاية والتدخلات الخارجية التي أثبتت فشلها، وهي لن تتراجع، بحسب تصريحات العديد من المسؤولين، عن هذا النهج الذي كرسته منذ الاستقلال، انطلاقا من مسؤوليتها التاريخية والجغرافية، ووفاء لوحدة المصير الإفريقي المشترك.
في هذا الإطار، تبرز الجزائر نموذجا متكاملا في دعم القارة الإفريقية، يجمع بين الحكمة الدبلوماسية، والتضامن الإنمائي، والتعاون الأمني، مما يجعلها ركيزة محورية لأي تصور مستقبلي لاستقرار وازدهار القارة السمراء.