طباعة هذه الصفحة

رئيـس الجمهورية وضع ميكانيزمات تحفيز الاقتصـاد المحلي..

الأسرة المنتجة.. مقاربة جديدة لتمكين المرأة الجزائرية

علي مجالدي

المرافقـة التقنيــة والمالية شرط ضروري لإنجاح المسار 

البرنامــج مؤهل ليكون الأكثر قابلية للاستدامة 

صيغة متوازنة لتمكين المرأة دون إخراجها من سياقها الاجتماعي

برزت في بيان مجلس الوزراء الأخير مقاربة واضحة من رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون تجاه مفهوم تمكين المرأة، ليس من باب التضامن الاجتماعي أو المجاملة السياسية، بل ضمن رؤية اقتصادية متكاملة تستهدف تعزيز دور المرأة في النسيج الإنتاجي الوطني، من خلال برنامج الأسرة المنتجة الذي أخذ مكانه تدريجيا كأحد أدوات الدولة لدعم الاقتصاد المحلي وتوسيع قاعدة الفاعلين فيه.

وفي هذا السياق، لم تقتصر التوجيهات الرئاسية في هذا السياق على تأكيد الدعم أو الدعوة إلى المواكبة، بل انطلقت من معطيات ميدانية أثبتت جدوى المشاريع النسوية، وعلى رأسها نسبة التسديد المرتفعة للقروض الممنوحة للنساء، والتي تفوق – بحسب تقارير رسمية – 90% في العديد من ولايات الوطن. ويعكس هذا المؤشر درجة عالية من الالتزام والمسؤولية، ويعزز الثقة المؤسسية في المرأة كفاعل اقتصادي قادر على إنجاح المشاريع الصغرى وتحقيق مردودية مستدامة.
كذلك، ما يمنح لهذا البرنامج طابعه الخاص هو الطابع المتعدد المستويات الذي يقوم عليه. فعلى المستوى الفردي، يشكل البرنامج فرصة للمرأة، خاصة ربة البيت أو الريفية، لاستعادة دورها خارج الاقتصاد غير المهيكل، والولوج إلى دائرة الفعل الإنتاجي الرسمي، من خلال مشاريع صغيرة قابلة للنمو. وعلى المستوى الأسري، تتحول الوحدة العائلية إلى خلية اقتصادية متجانسة، ما يخفف العبء الاجتماعي ويرفع من نسب الاستقلال الذاتي داخل الأسر. أما على المستوى المجتمعي، فتتجلى أهمية هذا البرنامج في بناء نسيج اقتصادي محلي يقوده فاعلون جدد خارج الأطر التقليدية للمقاولة أو الوظيفة العمومية.
من زاوية السياسات العامة، يندرج البرنامج ضمن ما يُعرف بـ«الاقتصاد الاجتماعي والتضامني”، وهو مسار اختارته الجزائر لتوسيع قاعدة الإنتاج والتمويل في ظل تحديات اقتصادية مضاعفة، أبرزها فوارق التنمية الجغرافية ومحدودية التشغيل في السوق الرسمية. والرهان، كما أوضحه رئيس الجمهورية، ليس فقط على دعم المبادرات، بل على تشكيل كتلة اقتصادية نسوية حقيقية تُحسب ضمن عناصر الدورة الاقتصادية، بما لها من أثر على الإنتاج، الاستهلاك، والتوزيع.
وفي هذا الإطار، يبدو التركيز على المرأة الريفية جزءًا من هندسة اقتصادية متعمدة، إذ أن الطلب المتزايد على المنتجات التقليدية الجزائرية، سواء في السوق الوطنية أو الدولية، يمنح لهذه الفئة فرصة فعلية لدخول مسار الإنتاج الموجه للتصدير أو الاستهلاك المحلي المرتبط بالهوية، وقد سجّلت الجزائر، خلال السنوات الأخيرة، مشاركات ناجحة في عدة معارض دولية للحرف والمنتوجات التقليدية، بما يعكس قابلية هذه الأنشطة لأن تتحول إلى رافد اقتصادي غير نفطي مدعوم بإنتاج نسوي قاعدي.
اقتصاديًا، لا يزال هذا النوع من المشاريع يواجه تحديات تتعلق بتقنيات التسويق، سهولة النفاذ إلى الأسواق، وضمان استمرارية النشاط، وهو ما يجعل من مسألة المرافقة التقنية والمالية شرطًا ضروريًا لإنجاح هذا المسار. وهنا، تتقاطع مقاربة الدولة مع الحاجة إلى دعم تكويني ومهني مستمر، يرافق المشروع من التأسيس إلى التوسع، لا أن يكتفي بالتمويل الأولي.
أما سياسيًا، فيُحسب لهذا البرنامج أنه يقدم صيغة متوازنة لتمكين المرأة دون إخراجها من سياقها الاجتماعي، أو تحميلها أعباءً رمزية غير عملية. فهو مشروع لا يسعى إلى فرض نمط جاهز للنجاح، بل إلى تثمين الخبرات المحلية الصغيرة وتحويلها إلى قيمة اقتصادية. وفي ذلك، يتحول دور المرأة من مستفيدة من الإعانات إلى شريكة في إنتاج الدخل الوطني.
وما تطرحه الدولة اليوم، من خلال هذا البرنامج، ليس فقط نموذجًا لدعم المرأة، بل آلية لإعادة تشكيل المشهد الاقتصادي المحلي عبر خلق ديناميكيات جديدة تنبع من المجتمع وتستهدف المجتمع. وبالنظر إلى المعطيات الراهنة، فإن المراهنة على المرأة المنتجة تمثل إحدى الرهانات القليلة التي تجمع بين الجدوى الاقتصادية والعدالة الاجتماعية، دون افتعال قطيعة مع الهوية المجتمعية أو تحميل البرامج الاجتماعية بعدًا أيديولوجيًا غير واقعي.
وفي ظل سعي الجزائر إلى تنويع مصادر دخلها الوطني وتوسيع المشاركة الشعبية في التنمية، يبدو أن برنامج الأسرة المنتجة قد يتحول إلى أحد المسارات البديلة الأكثر قابلية للاستدامة، إذا ما رُبط بدعم مؤسسي حقيقي، واستُثمر كمسار استراتيجي لبناء اقتصاد أكثر شمولًا وإنصافًا.