حسم رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون في ملف صناعة السيارات في الجزائر، ووضع معالم واضحة لمستقبل هذا الملف، قاطعا الطريق أمام ممارسات غير مقبولة كانت سائدة في الماضي، وبعث برسائل واضحة لكل من لايزال يحلم بعودة هذه الممارسات. وأعلن في السياق، عن انطلاق مرحلة جديدة عنوانها صناعة حقيقية للسيارات ذات إدماج فعلي وشبكة مناولة محلية، وهذا في إطار “صناعة جزائرية مضمونة للاستهلاك وغير ذلك غير مقبول”.
خلال لقائه، مساء أول أمس، مع ممثلي وسائل إعلام وطنية، رسم رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، الملامح المستقبلية لصناعة السيارات في الجزائر، واضعا ضوابط وشروطا تحمي المستهلك الجزائري والخزينة العمومية والاقتصاد الوطني ككل، في إطار التوجه نحو صناعة حقيقية لا تشوبها أي ممارسات أو تقودها مصالح ضيقة، مع احترام الشريك الأجنبي لنسب مناولة تكشف عن معالم مرحلة جديدة في سياسة بلادنا تجاه صناعة السيارات، تقوم على السيادة الصناعية في إطار سياسة الرئيس، بحماية السيادة الوطنية على مختلف المستويات، الاقتصادية السياسية، الاجتماعية والثقافية.
في أعقاب تصريحات رئيس الجمهورية، أدلى الخبير الاقتصادي نبيل جمعة بتصريحات “للشعب”، أكد فيها أن ما جاء في خطاب الرئيس يعكس تحولا استراتيجيا حقيقيا نحو بناء صناعة وطنية متكاملة، بعيدا عن منطق “الاستيراد المقنع” والتركيب الوهمي.
وقال الخبير جمعة، إن “تصريحات رئيس الجمهورية بخصوص صناعة السيارات في الجزائر تعبر عن تحول استراتيجي حقيقي نحو بناء صناعة وطنية متكاملة بعيدا عن مظاهر التركيب المغلق والاستيراد المقنع الذي كلف الجزائر ملايير الدولارات دون أي مردودية تكنولوجية أو صناعية حقيقية.
أهداف سياسة الرئيس
وحول أهداف هذا التوجه وأفضل السبل لتجسيده في الصناعات الجزائرية في الميدان.، أفاد جمعة بأن “تصريحات الرئيس تبون تشير إلى إنهاء الاستيراد المقنع، حيث أشار صراحة إلى أن استيراد السيارات سابقا تم بالحيلة، وهو إدانة مباشرة لسياسات تركيب CKD وSKD التي سمحت بتمرير صفقات استيراد على أنها تصنيع، وهو ما أضر كثيرا بالخزينة العمومية، ولم ينقل أي خبرة تقنية أو قيمة مضافة في صناعة السيارات في بلادنا”.
وأضاف المتحدث: “كذلك، تشجيع التصنيع الحقيقي، مع المطالبة بنسبة إدماج تفوق 40٪، وهي نقلة نوعية، فالإدماج الحقيقي يعني تصنيع الأجزاء محليا: الهياكل، الكوابل، وليس فقط تركيب العجلات”.
إلى جانب ذلك ــ يقول المتحدث ــ خلق شبكة مناولة وطنية، الهدف هنا هو إنشاء نسيج صناعي من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والكبيرة، التي تصنع قطع الغيار محليا، مما يخلق مناصب شغل ويحسن الكفاءة التكنولوجية في مجال صناعة السيارات في بلادنا”.
كما يرى جمعة، “أن نقطة ربط الترخيص بوجود خدمات ما بعد البيع، التي ألح عليها الرئيس، تعتبر نقطة أساسية لحماية المستهلك وتثبيت الشراكات الأجنبية في السوق الوطنية، وليس فقط لتحقيق الربح السريع من التوريد والبيع”.
إمّا صناعة حقيقية أو لا..
أما فيما يخص ربط شركة “رونو” الفرنسية بشروط الإدماج، شدد ذات الخبير على أن الرئيس “وجه رسالة واضحة لرونو وغيرها، إما صناعة حقيقية أو لا عودة للسوق الجزائرية”.
وعن الأهداف الاستراتيجية الكبرى من السياسة الجديدة التي تنتهجها بلادنا تحت قيادة الرئيس تبون، أفاد الخبير بأنها تدخل في إطار حماية الاقتصاد الوطني ومحاربة ممارسات سابقة. وقال في السياق، “أولا، تقليل استنزاف العملة الصعبة من الخزينة العمومية، حيث أن التوقف عن استيراد السيارات الجاهزة يقلل من الضغط على احتياطي الصرف الذي بلغ 70 مليار دولار، بحسب تصريحات الرئيس”.
ثانيا -يضيف الخبير- نقل التكنولوجيا والخبرة، فالتصنيع الحقيقي يفرض على الشركة نقل الخبرة، ما يفيد اليد العاملة الوطنية وينمي الصناعة الوطنية، ناهيك عن بناء شبكة مناولة وطنية سيعزز من حضور الجزائر في سلاسل التوريد الإقليمية والدولية، ويدمج الجزائر في سلاسل الإنتاج العالمية، وهذا عوض الاستيراد، يمكن التفاوض مع علامات عالمية مثل فولكسفاغن، فيات، تويوتا وغيرها.. لإنتاج سيارات بمواصفات عالمية جزائرية”، وفقا لذات المتحدث.
أما عن أفضل طرق تطبيق هذه الرؤية، بحسب الخبير ذاته، فهي فرض دفتر شروط صارم وشفاف يتضمن نسبة الإدماج الأساسية، مخطط التوظيف، مراحل التطوير، التزامات التصدير وشبكة الخدمات”. مضيفا، “إلى جانب خلق مناطق صناعية أساسية مخصصة لصناعة السيارات في الجزائر، تكون مجهزة لوجستيا وتحتوي على بنية تحتية متكاملة، على غرار “الطاقة، النقل، التخزين وغيرها..”.
فضلا عن ذلك، يرى جمعة “تشجيع المناولة المحلية عبر حوافز ضريبية وتمويلية، إلى جانب منح قروض بدون فوائد ومرافقة فنية للشركات الصغيرة المصنعة لمكونات السيارات”.
ولفت المتحدث، إلى “التفاوض مع علامات ذات مصداقية واستراتيجية إفريقية مثل فيات، تويوتا وهيونداي، لأن الجزائر يمكن أن تكون بوابة نحو إفريقيا، الى جانب تكوين اليد العاملة المتخصصة بالتعاون مع الشركات العالمية، عبر مراكز التكوين المهني ومؤسسات التعليم العالي التقنية”.
وخلص الخبير إلى التأكيد على أن “تصريحات الرئيس تبون تعبر عن تحول جذري من منطق الاستيراد والربح السريع إلى منطق السيادة الصناعية”، لافتا الى أن “النجاح في هذه السياسة يتطلب سياسة في التفاوض، شفافية في التنفيذ وتشجيعا فعليا للصناعة المحلية”. وإذا طبقت هذه الاستراتيجية بجدية، فقد تصبح الجزائر في غضون سنوات مركزا إقليميا لصناعة السيارات في شمال إفريقيا”.