طباعة هذه الصفحة

رئيس المنظمة الوطنية للفلاحة والأمن الغذائي .. كريم حسن لـ”الشعب”:

استثمارات نوعية أوقفت استيراد منتوجات استراتيجية

سعاد بوعبوش

تقنيــات زراعيــة حديثـــة صنعـت الفـارق رغـم المصاعـب المناخيـة

رفــع مساهمـة القطـــاع الزراعي بـ 38 مليـار دولار كحجم إنتـاج

إنجاز 30 صومعة تخزين وتخصيص 350 مركز جواري للتخزين بسعة 5 آلاف طن

حقّقت الجزائر خلال السنوات الماضية إنجازات غير مسبوقة في تكريس أمنها الغذائي، بفضل الجهود المكثفة لرفع الإنتاج المحلي وتقليص التبعية للاستيراد، ما أسهم في إحداث نقلة نوعية في القطاع الفلاحي. ويأتي هذا التحول نتيجة اعتماد الدولة لاستراتيجية جديدة ترتكز على رؤية مستقبلية طموحة، تهدف إلى تعزيز مساهمة الفلاحة في تحقيق الاكتفاء الذاتي وضمان الأمن الغذائي للمواطن، مما يعزز موقع الجزائر كقوة زراعية صاعدة على المستوى الإقليمي.

حقّق قطاع الفلاحة بالجزائر قفزة نوعية خلال السنة الفارطة 2024، ما جعلها تحقق الاكتفاء الذاتي في العديد من الشعب الفلاحية والغذائية، وبالتالي تعزيز أمنها الغذائي تدريجيا، ما رفع من مساهمة القطاع بـ 38 مليار دولار كحجم انتاج، كما قامت إطلاق مبادرات لزيادة الإنتاج الوطني سيما في المحاصيل الاستراتيجية الموجهة للاستهلاك الواسع، خاصة في مجالي الحبوب والحليب مع التركيز تقليل الواردات.
هذه القفزة لم تكن لتتحقق لولا تبني رؤية استراتيجية للقطاع الفلاحي تستهدف عدة محاور رئيسية، تتعلق بتعزيز الأمن الغذائي الوطني، تحقيق الاكتفاء الذاتي في المحاصيل الاستراتيجية، زيادة الإنتاج الزراعي وتحسين جودته، تطوير البنية التحتية الزراعية، تشجيع الاستثمار في المجال الفلاحي ودعم الفلاحين والمربين مع تعزيز استخدام التقنيات الحديثة في الزراعة، بحيث تترجم هذه الاستراتيجية إدراك الدولة الجزائرية لأهمية القطاع الفلاحي كركيزة أساسية للاقتصاد الوطني وعامل رئيسي في تحقيق الاستقرار الاجتماعي.
وبغية تحقيق الأهداف المسطرة أولت الجزائر اهتماما كبيرا بالاستثمار في القطاع الفلاحي سيما في البنية التحتية الزراعية وذلك بالرفع من طاقة التخزين والتبريد عبر إنجاز 30 صومعة تخزين بطاقة 100 ألف طن لكل منها وتخصيص 350 مركز جواري للتخزين بسعة 5 آلاف طن، وزيادة قدرة التبريد من خلال بناء غرف تبريد صغيرة ومتوسطة على المستوى الوطني مع تقديم تسهيلات للمستثمرين في هذا المجال، مستهدفة بذلك الحفاظ على استقرار الأسعار ومحاربة التبذير.


150 مليون دينار للفلاحين للاستثمار في غرف التبريد..
وبهدف تجسيد هذا المسعى اتخذت بلادنا العديد من التدابير التحفيزية الموجهة للفلاحين لرفع من قدرة التخزين، عبر منح 150 مليون دج للفلاحين للاستثمار في غرف التبريد بدون فوائد، ولمدة سداد تصل إلى عشر سنوات، تنفيذا للاتفاقيات الموقعة مع ست بنوك عمومية والتي تم بموجبها إنشاء جهاز تمويل الاستثمار في منشآت التبريد صغيرة ومتوسطة الحجم لفائدة الفلاحين، بسعات تتراوح بين 300 و5 آلاف م3 وهذا بهدف رفع قدرات تخزين المنتجات الفلاحية وتحسين تسويقها عبر مختلف ولايات الوطن في فترات الندرة، ما سينعكس إيجابا على توازن السوق وتزيد من معدّلات الإنتاج واستقرار الأسعار، فضلا عن تشجيع الفلاحين على الاستثمار في مشاريع أخرى.وأوضح كريم حسن رئيس المنظمة الوطنية للفلاحة والامن الغذائي في تصريح لـ “الشعب”، أن الجزائر تسير بثقة نحو تحقيق أمنها الغذائي من خلال استراتيجيات متكاملة تجمع بين زيادة الإنتاج المحلي، تطوير البنى التحتية، ومواجهة تحديات التغيرات المناخية بجهود علمية مدروسة، مشيرا إلى أنه رغم التحديات، يظل الطموح كبيرا والرؤية واضحة نحو مستقبل زراعي مزدهر ومستدام، مع تفعيل دور مكاتب الدراسات ودعم الفلاحين، بحيث ستتحول الجزائر إلى نموذج يحتذى به إقليميا وعالميا، يبث الأمل ويعزز الاكتفاء الذاتي، مؤكدا أن المستقبل يحمل في طياته فرصا واعدة للنمو والتنمية المستدامة.وأشار كريم حسن إلى أنه بالرغم من العقبات المناخية والجفاف، بلغت قيمة الإنتاج الفلاحي الجزائري في 2024 حوالي 37 مليار دولار، مساهما بـ15% من الناتج المحلي الإجمالي، ما جعل الفلاحة ثاني أكبر قطاع بعد الطاقة في الاقتصاد الوطني، حيث تعكس هذه الأرقام نجاح الاستراتيجية الوطنية في تقليص الاعتماد على الاستيراد وتدعيم الاكتفاء الذاتي خاصة في سلاسل الحبوب والحليب.وفي تقييمه للجهود المبذولة لزيادة الإنتاج الوطني، أكد المتحدث أن التحول الذي شهدته الجزائر مؤخرا لم يقتصر فقط على التوسع في الكم، بل شمل إدخال تقنيات زراعية حديثة كأنظمة ري ذكية، الزراعة الدقيقة، رقمنة إدارة المزارع، وتحسين البذور والأسمدة، إلى جانب برامج استصلاح مليون هكتار جديدة عبر شراكات محلية ودولية كبرى في الجنوب كأدرار، تيميمون وغيرها، وقد مكّن هذا التوجه من تحقيق الاكتفاء الذاتي في القمح الصلب بنسبة 80% من الاحتياجات المحلية في 2024، مع خطة للوصول للاكتفاء الكامل في 2025، رغم استمرار التحديات المناخية.وذكر رئيس المنظمة الوطنية للفلاحة والامن الغذائي بإحصاء الفلاحة الوطني لعام 2024 أظهر نتاجا مباشرا للسياسات، حيث أحصت البلاد أكثر من 230 ألف مستثمرة فلاحية جديدة منذ 2001، وتوسع في إنتاج الخضروات، الفواكه، اللحوم والحليب، إلى جانب صادرات فلاحية تجاوزت 2 مليار دولار في 2024.وبغية تحقيق الأهداف المسطرة أشار كريم حسن إلى أن الجزائر ركزت على ضخ استثمارات نوعية في منظومة تخزين المحاصيل (الصوامع)، وهياكل التبريد والتوضيب، بهدف حماية المنتج الوطني من ضياع فترات الوفرة وحماية الأسعار من التقلبات ومنع التبذير.وبحسب الخبير الفلاحي حدّت هذه الاستثمارات من النفقات الطفيلية على الاستيراد ودعمت قدرة السوق المحلية على الصمود في وجه الأزمات والوفرة المفاجئة، كما رفعت القيمة المضافة للمنتج الفلاحي الخام بتحويله بسرعة، ما أدى لخلق سلاسل لوجستية قوية تعكس الطابع العصري في تدبير المنتوجات الفلاحية.في المقابل ما تزال هناك حاجة لدعم أكبر للفلاحين، خصوصا في آليات التمويل المرنة، نقل المعرفة الحديثة مباشرة للفلاحين من خلال المدارس والمراكز البحثية الذكية، وتأمين مدخلاتهم بأسعار مستقرة مثل الأسمدة التي عرفت دعم حكومي يوازي 50% من سعرها المرجعي.

التغيرات المناخية تفرض حلولا متكيفة

من جهة أخرى يرى رئيس المنظمة الوطنية للفلاحة والامن الغذائي، التغيرات المناخية تظل الخطر الأكبر سواء تعلق الأمر بالجفاف، الفيضانات، موجات الحر، وزيادة الأمراض النباتية أضرت ببعض المحاصيل في 2023 و2024، وتسببت في تراجع المحاصيل وتراجع جودة الغذاء في بعض المناطق، ما يفرض تبني عدة حلول من شأنها تخفيف تداعياتها، على غرار مواصلة رقمنة إدارة المياه واستخدام الرصد المناخي بالأقمار الصناعية لتوجيه الري والاستجابة للكوارث مبكراً، تشجيع الاستثمار في البحث العلمي لإنتاج سلالات زراعية مقاومة للجفاف والأمراض، تحفيز الزراعة المستدامة والسيطرة على توسع الزراعة على حساب الأراضي الطبيعية لضمان التوازن البيئي على المدى الطويل، ناهيك عن إنشاء صندوق وطني لتعويض الفلاحين المتضررين من المخاطر المناخية، وتحفيز الفلاحين على التأمين الفلاحي ضد المخاطر غير المتوقعة
وأكد المتحدّث على إعادة الاعتبار لدور مكاتب الدراسات، التي بإمكانها تبعث بعض المشاريع الاستراتيجية وتضمن تنفيذها بكفاءة، وذلك من خلال إعداد الدراسات الفنية والاقتصادية المتعمقة التي تشكل خارطة طريق واضحة للمشاريع، المتابعة الدورية والميدانية لمراحل تنفيذ المشاريع لضمان الالتزام بالجودة والجداول الزمنية، ناهيك عن تقييم الأثر البيئي والاجتماعي والتكيف مع المتغيرات المناخية والميدانية، وتوصية الحلول البديلة أو تعديل الخطط وفقا للمعطيات الميدانية المتجدّدة.