الأستاذ بيطام لـ “الشعب”: المحامية عودية تقصد إلى محاكمة المتهم أمام القضاء الأوروبي
استنفاد الإجراءات الداخلية ضروري للوصول للمحكمة الأوروبية
محكمة عدل الجمهورية.. هيئة مسيّسة وغير حياديــة
تشهد فرنسا تخبطا داخليا غير مسبوق، بسبب تصاعد خطاب الكراهية والعنصرية من مسؤولين فرنسيين من أعلى مستوى، بالتركيز على المهاجرين الجزائريين، والجزائر عموما، وقد انعكس ذلك على المستويات الأدنى، بانتشار الاعتداءات على الأعراق الأخرى، في مؤشر خطير على تدهور السلم الاجتماعي، وهو ما دفع المحامية الفرنسية، خديجة عودية، إلى رفع دعوى قضائية ضد وزير الداخلية المتطرف برونو روتايو، الذي لم يتوقف منذ توليه منصبه عن تغذية العنصرية بخطاباته التمييزية ضد المهاجرين، في خرق سافر لقوانين الجمهورية وقوانين الاتحاد الأوروبي وحتى القانون الدولي.
أكد المحامي نجيب بيطام، في اتصال مع «الشعب»، أمس، أن المحامية خديجة عودية، تكون قد شكلت ملفا ثقيلا ضد وزير الداخلية روتايو، وهي ترمي إلى إيصال القضية إلى محكمة حقوق الإنسان الأوروبية، لكن الوصول إلى هناك -يقول بيطام- يتطلب استنفاد الإجراءات الداخلية أمام القضاء الفرنسي، ويتعلق الأمر هنا بمحكمة عدل الجمهورية، وهي محكمة خاصة بمقاضاة أعضاء الحكومة والمسؤولين المنتسبين إليها.
وأشار بيطام -في هذا الصدد- إلى أن المحكمة منذ إنشائها سنة 1993، استقبلت 22 ألف دعوى، قبلت منها 56 من حيث الشكل والمضمون، وفصلت في ست قضايا فقط، وبالتالي يعتبر الأستاذ نجيب بيطام، أن المحامية الفرنسية، على دراية ببطء الإجراءات على مستوى هذه المحكمة، وأن استصدار حكم لصالحها منها ليس أمرا سهلا، خاصة وأنها محكمة مسيّسة، وهي بالتالي تتبع الخطوات القانونية من حيث استنفاد الإجراءات الداخلية، كونه شرطا حتى تستطيع رفع دعواها أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، سواء بعد رفض الدعوى، أو بصدور قرار على غير المتوقع.
دعم مطلق
وأوضح المحامي بيطام أن الدعوى التي رفعتها المحامية، خديجة عودية، جاءت بناء على تصريحات وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو، التي تتضمن عبارات متطرفة وعنصرية تمنعها القوانين الفرنسية، وقوانين الاتحاد الأوروبي، وتتعلق بالتمييز ضد المسلمين، بل تخص بالذكر الجزائريين، وتحث على كراهية العرق الجزائري.
واعتبر بيطام، أن القضية تهم الرأي العام الفرنسي، باعتبار الدستور الفرنسي يمنع هذا النوع من العنصرية والتطرف، وتمس الجالية الجزائرية في فرنسا باعتبارها مستهدفة من طرف الوزير المتطرف، كما تهم الجزائريين داخل أرض الوطن. وأعلن بالمناسبة دعم المحامية عودية معنويا وفكريا والتضامن معها في خطوتها هذه، إن تطلب الأمر، موضحا أنها محامية مقتدرة ولها باع طويل ولا يمكن أن تغامر برفع دعوى مثل هذه، لو لم تكن جهزت ملفا ثقيلا بالحجج والأدلة الدامغة ترجح كفتها، خاصة أمام القضاء الأوروبي الأكثر حيادية.
روتايو تحت المجهر
يذكر، أن المحامية خديجة عودية، الرئيسة السابقة لنقابة محامي مدينة نيم (جنوب فرنسا)، رفعت دعوى قضائية أمام محكمة عدل الجمهورية ضد وزير الداخلية برونو روتايو بتهمة التحريض على الكراهية والتمييز.
وأودعت المحامية هذه الدعوى، الجمعة الماضي، باسم جمعية تنشط في الأحياء الشعبية جراء تزايد الأفعال والخطابات التمييزية المسجلة في الميدان. وتضمنت الدعوى القضائية ضد روتايو، جميع التصريحات التي أدلى بها منذ توليه منصب وزير الداخلية والتي تعد تمييزية، خاصة تجاه المسلمين.
وأكدت عودية، أن «القانون هو السبيل الوحيد لمنع تفاقم الوضع والانزلاق نحو العنف»، موضحة أن الأمر يتعلق بـ»تصريحات تمييزية خاصة تجاه المسلمين الفرنسيين، لا تليق بوزير يفترض أن يكون حاميا للدستور».
ومن بين التصريحات المذكورة في الدعوى، تلك التي أدلى بها روتايو يوم 29 سبتمبر الماضي على قناة تلفزيونية فرنسية، حيث قال: «الهجرة ليست فرصة لفرنسا(...) الهجرة من أكثر الظواهر التي هزت المجتمع الفرنسي خلال الخمسين سنة الأخيرة دون أن يعبر الفرنسيون عن آرائهم بشأنها». كما تضمنت الدعوى التصريحات التي أدلى بها روتايو في فيفري 2025 بنفس القناة التلفزيونية، حين قال: «الحجاب رمز للأبارتايد..».
وأكدت المحامية عودية أنها ستلجأ إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان إذا لم تحسم الدعوى في محكمة عدل الجمهورية، مضيفة أنها لا تستبعد إحالة القضية إلى لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان.
صفعة الجزائر لعنصريي فرنسا
يذكر، أن خطاب الكراهية ضد المسلمين، وكل ما يتعلق بالجزائر والجزائريين على وجه الخصوص، غدا الخطاب الرئيسي للوزير المفلس روتايو، ليلتحق به الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بقرارات غير مسؤولة، لاقت سيلا من الانتقادات من شخصيات وازنة في فرنسا، حيث وصفت المرشحة السابقة للرئاسيات الفرنسية، سيغولين روايال، رسالة ماكرون إلى وزيره الأول بـ «المثيرة للجدل» في إدارة العلاقات بين البلدين، واستنكرت الطريقة المنتهجة في «إدارة العلاقات الدبلوماسية مع دولة كبرى في المنطقة»، متهمة الرئيس الفرنسي بأنه «عهد بهذا الملف إلى وزير الداخلية برونو روتايو الذي ينظر إليه على أنه يشعر بالحنين إلى الاستعمار، ويجسد «المواقف المدمرة». وقالت روايال في منشور على مواقع التواصل الاجتماعي، مثلما يحدث في كل مرة، إخراج «الورقة المثيرة للجدل» مع الجزائر، بهدف تحويل أنظار الرأي العام، في الوقت الذي «نشهد فيه حرائق رهيبة في «أودي» ونكتشف الإهمال الجسيم للوعود التي لم يتم الوفاء بها بشأن معدات الطائرات والانخفاض الهائل في ميزانية الأمن المدني».
من جهته، هاجم زعيم حزب «فرنسا الأبية» جون لوك ميلونشون، الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، معتبرا أن سياسته ضد الجزائر ليست سوى استمرارا لنهج تاريخي من الأوهام المدمرة التي كلفت فرنسا نفوذها في قارة أفريقيا وقد تم طردها منها. ووصف ممارساته بـ»الطريق المليء بالحماقات». وقال، إن الطريق الذي يسلكه ماكرون وحلفاء يمينيون ومنهم برونو روتايو، «سيكون ذا نتائج كارثية على الجزائر وفرنسا معا، وعلى الشعبين الجزائري والفرنسي»، داعيا الرئيس الفرنسي إلى اعتماد الحوار، وتجنب التصعيد مع الجزائر لتفادي الأسوإ.
يذكر، أن الجزائر ردت بحزم على التهور الفرنسي، في قرار سيادي على رسالة الرئيس الفرنسي إلى وزيره الأول، يأمره فيها بفرض التأشيرة على حاملي جواز السفر الدبلوماسي الجزائريين، وردت الجزائر على هذه الخطوة بإنهاء العمل كليا باتفاق الإعفاء من التأشيرة الموقع عام 2013، باعتبار أن إخلال أحد الطرفين بالعقد يعني بطلانه.
كما قررت السلطات الجزائرية فرض التأشيرة على حاملي جوازات السفر الفرنسية، سواء الدبلوماسية أو الخاصة بالمهمات، في إطار مبدإ المعاملة بالمثل. وأكدت الجهات المختصة أن هذه التأشيرات ستخضع، من الآن فصاعدا، لنفس الشروط والإجراءات التي تفرضها السلطات الفرنسية على المسؤولين الجزائريين.