خطــوات رائـدة نحــو التكامـل الاقتصادي الإفريقـــي الحقيقـي
في قراءة تحليلية لمعرض التجارة البينية، قال المستشار الدولي في التنمية الاقتصادي، عبد الرّحمن هادف لـ«الشّعب”، إنّ الاتفاقيات المبرمة لا تقتصر على كونها مبادلات تجارية ظرفية، بل تحمل بعدا استراتيجيا في سياق تجسيد منطقة التجارة الحرّة القارية الإفريقية، فهي تفتح المجال أمام خلق سلاسل قيمة إقليمية، تقلّص من الاعتماد على الخارج، وتدعم ديناميكية الاكتفاء الذاتي الإفريقي، لاسيما في قطاعات حساسة كالأمن الغذائي والانتقال الطاقوي.
تمثل الاتفاقيات من زاوية أخرى - يضيف الخبير- فرصة ذهبية للمؤسسات الصغيرة والمتوسّطة، التي تشكّل بين 70 و90 بالمائة من النسيج الاقتصادي الإفريقي، وتساهم بحوالي 60 بالمائة من فرص العمل.
أوضح هادف أنّ التوسّع نحو أسواق خارجية يفتح أمام المؤسّسات فرصا جديدة للاندماج في سلاسل القيمة الإقليمية، خاصة في مجالات الصناعات الكهربائية والمنتجات الغذائية والخدمات الرقمية، كما يتيح لها الحصول على تمويلات وشراكات بفضل الثقة التي تخلقها هذه الاتفاقيات، إضافة إلى تطوير حلول مبتكرة تستجيب لاحتياجات السوق الإفريقية، وبهذا تتحول هذه المؤسّسات - يفيد المتحدث - إلى محرّك رئيسي للتنمية المشتركة، وركيزة لبناء قاعدة اقتصادية إفريقية قوية وقادرة على المنافسة، فهي تساهم في خلق فرص عمل جديدة، وتدعيم الابتكار، وتعزيز التبادل التجاري بين الدول، كما تمثل هذه المؤسّسات أداة فعالة لرفع مستوى التكامل الإقليمي وتطوير البنى التحتية.
أما من حيث الأهمية الاقتصادية، يقول هادف، فهي أوسع، فبالنسبة للجزائر، تمكّن هذه الاتفاقيات من تنويع صادراتها خارج المحروقات ودعم هدف رفعها إلى 20 مليار دولار أفق 2030، مع تعزيز موقعها كمنصة تجارية وصناعية تربط شمال إفريقيا بعمقها الإفريقي، عبر بنيتها التحتية ومشروع الطريق العابر للصّحراء.
بالنسبة للقارة الإفريقية - يواصل محدثنا - تُسهم في تحقيق أحد الأهداف الكبرى: رفع المبادلات التجارية البينية من 15 بالمائة حاليا إلى 50 بالمائة بحلول 2035، كما أنها تفتح آفاقا جديدة أمام الاقتصاد الرّقمي الإفريقي، الذي يتوقّع أن يصل حجمه إلى 180 مليار دولار سنة 2025، وتدعم الأمن الغذائي والطاقوي عبر شبكات إمداد داخلية متكاملة.
يؤكّد هادف أنّ هذه الديناميكية تضع أسسا حقيقية لتكامل اقتصادي إقليمي أعمق، من خلال خلق سلاسل قيمة في الطاقة، الغذاء، والصناعات الرّقمية، ورفع حصة التصنيع في الناتج المحلي الإجمالي الإفريقي (التي لا تتجاوز 11 بالمائة حاليا)، إضافة إلى خلق فرص عمل لفئة الشباب التي تمثل أكثر من 60 بالمائة من سكان إفريقيا.
باختصار، الاتفاقيات المبرمة في الجزائر خلال هذا المعرض تمثل منعطفا استراتيجيا، إذ لا تقتصر على التبادل التجاري فحسب، بل تعكس رؤية جماعية لبناء اقتصاد إفريقي متكامل، تنافسي، وقادر على فرض مكانته في الاقتصاد العالمي.