نوال إحدى الرهائن المحررين تحكي لـ «الشعب»:

الإرهابيون اقتحموا قاعدة «الحياة» وفي يدهم وثائق بأرقام غرف العمال الأجانب

التقتها بعين أمناس: زهراء. ب

بدا على ملامحها الاضطراب، أما الخوف فقد سكن عينيها السوداويتين منذ ذلك اليوم، لكن في أعماقها تحمل شجاعة نادرة قلما تجدها عند أثنى في مثل سنها، فرغم ارتباكها وهلعها استطاعت بمهنية عالية إسعاف زميل لها وإنقاذه من موت محقق، يوم العدوان الإرهابي الجبان على موقع قاعدة الحياة البترولية بمنطقة تيقنتورين، ٤٠ كلم عن عين أمناس، هي الممرضة نوال صابي ذات ٢١ ربيعا، التحقت منذ شهر للعمل بمؤسسة سابي، عاشت تفاصيل يوم الأربعاء المشئوم، حين استيقظ عمال وعاملات المؤسسات البترولية، على وقع هجوم إرهابي همجي أودى بحياة الكثير من الأجانب، لكن دون أن يقتل الأمل في نفوس ممن خرجوا سالمين منه، بقدرة الجيش الوطني الشعبي، على إنقاذهم وإعادة بسط الأمن بالمنطقة.
عادت نوال بشريط ذاكرتها إلى يوم قبل وقوع العدوان الإرهابي، أي الثلاثاء ١٥ جانفي ٢٠١٣، المكان الحقل رقم ٣٠٨ بتيقنتورين، والزمان الفترة الصباحية... تقول نوال أنه في ذلك اليوم، «ذهبنا إلى العمل كما جرت عليه العادة» كنت جالسة في سيارة الإسعاف وغير بعيد عنا يرتفع جبل يطل على الحقل، رأيت رجلا فوق الجبل ينظر باتجاه الموقع، لم أعره أي اهتمام والتزمت الصمت لكن العامل الذي كان بجانبي، تساءل وهو يوجه الحديث لي «أنظري نوال ماذا يفعل ذلك الرجل هناك»، بقي ينظر إلينا لمدة ١٠ دقائق بالتقريب ثم اختفى عن الأنظار، ونحن واصلنا عملنا إلى حدود الساعة الرابعة مساء وعدنا إلى غرفنا، تناولنا وجبة العشاء وخلدنا إلى النوم.

طبيب  تفقأ عينه، وعامل استقر الرصاص في رجله
في حدود الساعة الرابعة صباحا من يوم الأربعاء، بدأنا نسمع صفارة الإنذار وجرت العادة أن نسمع صافرة الإنذار على فترات متقطعة، لننهض بعد سماعه نرتدي ملابسنا ونبقى في غرفنا دون أن نتحرك، لكن هذه المرة الصوت لم يكن متقطعا، بل وأكثر من ذلك صاحبه إطلاق الرصاص، اعتقدنا في البداية أنه كان موجها صوب ذئاب أو كلاب ضالة، لم نفكر في الإرهاب إطلاقا، تقول نوال التي كانت تروي تفاصيل العدوان الإرهابي الهمجي، وعينيها اغرورقتا بالدموع لكن دون أن تسقط ولا دمعة، فكبرياءها وشجاعتها تركاها تحبس دموعها الغالية لأن مثل تلك الجماعات الإرهابية لا يمكن لها أن تنجح في تحطيم الأمل بداخلها، أن أحد الإرهابيين كان نحيلا وطويلا ويتحدث باللهجة الجزائرية، وأمام هذا المنظر لم أجد أنفسي إلا وأنا أردد عبارة «الله أكبر، الله أكبر» ليخاطبني هل أنت جزائرية؟، أجبته بالإيجاب فقال لي ابقي في غرفتك وإياك أن تتحركي، أغلقت الباب وبقيت جالسة وأنا أسمع صوت الرصاص الذي لم ينقطع.
في تلك الأثناء، كان الطبيب الذي اشتغل معه، قد أطلق العنان لرجليه هربا من جماعات الموت، خاصة وأنهم بدأوا يقتحمون الغرف بالقوة، ويطلقون الرصاص بشكل عشوائي، وهو ما أدى إلى إصابته بإحداها على مستوى الظهر، ورغم ذلك واصل الجري باتجاه الباب الخارجي على أمل الإفلات من قبضتهم، ليتفاجا بإطلاق وابل من الرصاص خلفه، اخترقت إحدى الرصاصات ظهره، لكن دون أن تصيبه في العمق، واستمر في الهرب وعندما التفت خلفه ليرى من يتبعه أصابته رصاصة أخرى في عينه ثم سقط، في وقت واصل بقية الإرهابيين اقتحام الغرف عنوة بعد أن رفض بعض العمال فتح الباب لهم، ليردوا عليهم بإطلاق الرصاص بشكل عشوائي، أصابت البعض منهم بجروح، ومن كثرة الارتباك والخوف قام البعض بالاختباء تحت الأسرة مثلما قام به أحد العمال في الرواق، فوجد رصاصة قد استقرت في رجله.

حقائق مثيرة عن الاعتداء الإرهابي
كشفت شهادة نوال .ص حقائق خطيرة، عن خلفية العدوان الهمجي على قاعدة الحياة البترولية، فالإرهابيون حسبما بدا لها، كانوا مخططين لخطف العمال الأجانب واستعمالهم كورقة ضغط لمساومة السلطات الجزائرية، في قضايا لا علاقة لها بها، بدليل أنهم بعد إقتحاهم غرف العمال الجزائريين راحوا يخاطبونهم بأن ليسوا هم المستهدفين، وظهر البعض منهم يحملون أوراقا تحمل أرقام غرف العمال الأجانب، وقد توجهوا مباشرة إلى العمال الموجودين في شركة «جي سي سي» التي لا تفصلنا عنها سوى بعض الأسلاك، وقد أخبرنا العمال بعد أن التجاوا إلى شركتنا في المساء للاحتماء منهم، أن الإرهابيين دخلوا الشركة وبيدهم ورقة تحمل أرقام غرف العمال الأجانب، وقد اتجهوا مباشرة إلى غرفهم، وكانوا يرددون «يملكون الثلاجة، وغرف مجهزة»، «لقد باعوا بلادهم» في ذلك الوقت كنا نحن قد اختبانا تحت الشاليهات، في حين تفرقت المجموعة الإرهابية إلى فرق، فرقة منها اتجهت إلى مصنع تكرير وإنتاج البترول، بعد أن احتجزوا العديد من العمال الأجانب وقبل ذلك كانوا قد قتلوا عون الأمن واستحوذوا على ملابسه وجهازه اللاسلكي وبدأوا يتحدثون معنا عبره.
ما أتذكره، في كلام الجماعات الإرهابية طلباتهم الغريبة..«نريد إطلاق سراح الرهائن المتواجدين في مالي، الحصول على ٢٠ سيارة من نوع تويوتا لتهريب العمال الأجانب المحتجزين، كما طالبوا في المساء بعد أن اشتد الحصار العسكري عليهم، بالتدخل لتوقيف التدخل العسكري شمال مالي».

يقظة الجيش تفشل عملية تهريب الأجانب إلى دول الجوار

تقول نوال، أن نصف المحتجزين الأجانب حولوا إلى المصنع والآخرين تم الإبقاء عليهم في قاعدة الحياة، ونحن بعد ذهاب الإرهابيين اختبانا تحت الشاليهات ويوجد فينا من تمكن من الهرب، واللجوء إلى مصالح أفراد الجيش الشعبي الوطني التي طوقت المكان.
حسب نوال، كان الإرهابيون يريدون خطف الرهائن، لكنهم لم يتمكنوا من ذلك بعد أن طوق الجيش المنطقة، وهو ما دفعهم إلى تغيير المكان والاتجاه للمصنع الذي يبعد عن قاعدة الحياة بحوالي ٢ كلم بقوا هناك في ساحة كبيرة، وشكلوا بسيارات تويوتا مربع اجلسوا الرهائن وسطه، وقضوا الليلة على ضوء مصابيح السيارات إلى غاية طلوع الفجر، وعندما يئسوا من انسحاب الجيش، أمروا الرهائن بالصعود إلى سيارات تويوتا للذهاب إلى المصنع للتجمع هناك، وفي تلك اللحظة تدخلت قوات الجيش الوطني الشعبي، لإحباط عملية هروبهم، في حين تمكنا نحن من الهرب من قاعدة الحياة حوالي الساعة الخامسة مساء رفقة أكثر من ٣٠٠ عامل في الشركات الأخرى، اتجهنا إلى الجيش بعد يومين من الاحتجاز مارسوا علينا كل أنواع التعذيب النفسي حيث اطفأوا جميع الأنوار وقطعوا عنا الماء، كما أنهم منعوا عنا الغذاء.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19454

العدد 19454

الخميس 25 أفريل 2024
العدد 19453

العدد 19453

الأربعاء 24 أفريل 2024
العدد 19452

العدد 19452

الإثنين 22 أفريل 2024
العدد 19451

العدد 19451

الإثنين 22 أفريل 2024