حقائق مغيّبة وتضحيات لن تموت

فضيلة بودريش

لم ينفصل المهاجر الجزائري يوما عن كفاح الشعب الجزائري في ثورته التحريرية لاستعادة الأرض والسيادة الوطنية وبقي يناضل باستماتة واستمرارية ويوفر الدعم المالي باقتطاع جزء من راتبه حتى يعزّز معركة الحرية التي كانت كفتها تميل إلى قوة المستعمر بعتاده الضخم وحنكة جنرالاته في ساحة العمليات الحربية، وعكست المظاهرات السلمية التي نظمها الجزائريون بفرنسا بتاريخ 17 أكتوبر 1961 استجابة لنداء جبهة التحرير الوطن وحدة الجزائريين وتوافق نظرتهم مهما بعدت المسافة حول مشروع الاستقلال واستعادة أرض وطنهم بالقوة مثلما اغتصبت بالقوة.

يؤسف كثيرا لغياب حيز معتبر من تفاصيل ما اقترف في حق الجزائريين في قلب باريس الفرنسية ذات يوم أسود تظاهر فيه المواطنون المغتربون من جميع الشرائح والفئات بصورة سلمية ليرفضوا الاحتلال والظلم الذي يمارس ضدهم ويرفعوا عاليا هتفات أخافت فرنسا الاستعمارية، هتافات اختزلت حبهم لوطنهم وحرقتهم على اغتصاب أرضهم.. «تحيا الجزائر حرة مستقلة» «الجزائر ..جزائرية».. «لا للاستعمار». اقتحم المتظاهرون الثائرون بأجسادهم الملتهبة بحب الوطن أكبر الشوارع الباريسية ورغم قيام شرطة المستعمر بسد أهم المنافذ لمنع السيل الجماهيري الغاضب من الاقتراب والتجمهر إلا أن الآلاف تمكنوا من التموقع وتشكيل ملامح التظاهرة السلمية التي حوّلها المستعمر إلى مذبحة وحشية اقترفت في حق مدنيين رفعوا صرخات تندّد بالظلم وتطالب باستعادة حقهم في الحياة بكرامة فوق تراب أرضهم. فواجه البوليس الفرنسي العزل بوابل من الرصاص الناري القاتل الذي أسقط ما لا يقل عن 400 ضحية، ولم يتوقف عند ذلك بل نفى وسجن وجرح الآلاف ممن شاركوا بقناعة كبيرة في تظاهرة مفصلية لبوا فيها نداء الثورة التحريرية. من المفروض أن تخجل فرنسا مما فعلته في حق متظاهرين سلميين على أرضها لأن الأمر تحول إلى مجزرة رهيبة توصف في القوانين والمواثيق الدولية جريمة حرب وتصنف ضمن جرائم الدولة، ولعل شهادة  المجاهد مخلوفي عوني مسؤول في فدرالية جبهة التحرير الوطني بفرنسا وعضو مؤسس في جمعية  8 ماي 1945 جاءت لتسلط الضوء من الجانب التاريخي على تضحيات الجزائريين وعدم إنصافهم قانونا في المحاكم الدولية، حيث بقي التاريخ وحده يحفظ ذكراهم ويقف على تجاوزات أدارت فرنسا ظهرها لها، في غياب أفلام سنيمائية ووثائقية مؤثرة  لشحذ الرأي العام العالمي حتى ينصف من نكّل به بوحشية وشراسة كبيرة. ويعتقد المجاهد الذي عايش الأحداث الأليمة أن لمنظمات المجتمع المدني دور كبير حتى لا ينسى العالم ما تكبده الجزائريون من ظلم وقهر وقتل غير مبرر من خلال تحريك دعاوى قضائية في المحاكم الدولية، وتبقى في كل ذلك التضحيات حية  لا تموت.
جدير بالذكر أن عدد القتلى لا يقل عن 400 ضحية من بين 60 ألف متظاهر إلى جانب تسجيل اختفاء 800 مفقود تم الرمي بهم في المياه القذرة لنهر السين و1500 شخص تمت إعادتهم إلى وطنهم الأصلي وسقوط 700 جريح وتسجيل 34614 موقوف بين أنياب البوليس الفرنسي.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19432

العدد 19432

الأربعاء 27 مارس 2024
العدد 19431

العدد 19431

الثلاثاء 26 مارس 2024
العدد 19430

العدد 19430

الإثنين 25 مارس 2024
العدد 19429

العدد 19429

الأحد 24 مارس 2024